زنقة 20 . الرباط
بقلم : صلاح الوديع
إذا كان الإبداع الأدبي والفني بكل أشكاله قد حفظ للبشرية ذخرا لا ينسى في موضوع من المواضيع، فهو في الحب بالضبط. بكل اللغات وبكل اللهجات ولدى كل الأجناس وبكل أشكال التعبير وبكل المتمنيات. من منا لا يتمنى أن يصاحبه الحب طوال حياته؟ حياتنا بلا حب فراغ وصحارى. وحياتنا به عوالم من الجمال لا تحد. أذكركم بموشح صباح فخري الرائع: “خَمْرَةَ الحبِّ اسقنيها، هَمَّ قلبي تـُنـْسِنِيه = عِيشة ٌ لا َ حُبَّ فيها جدولٌ لا ماء فيهْ…”
كل منا عاش تجربة ولو مرة واحدة، رأى فيها إنسانا آخر لا يعرفه بتاتا، أو يعرفه، رآه يصبح مالك عقله ووجدانه، على حين غرة أو على مهـَل. أنا لا أتكلم عن الاقتران. لا أتكلم عن الفراش بعد. قد يكون الحديث الذي بين ثنيات هذا الكلام يعني الحب وكفى، الحب الذي يستعيض فيه المرء عن كل شيء بوجود الحبيب، بما في ذلك “عُسيلته”، بلا أمل. وقد يعني، كذلك، الحبَّ الذي تحفه ألطاف الاقتران.
في الحب لا يهم المآل. الذي يهم هو الحال. لا تقولوا أنكم لم تعيشوا ذلك أبدا. لقد عشت ورأيت. ولم أعثر على أجمل ولا أرقى ولا أحلى. قد يدوم الحب كعاطفة، كتـَوْق ٍ منطلق، قد يدوم فترة وجيزة، وقد يدوم العمر كله، لكن القيمة هي القيمة نفسها. مثل اللؤلؤ. لا يهم أن تملك لؤلؤ الدنيا كلها. يكفيك أن تصادف لؤلؤة واحدة لتقدر قيمة اللؤلؤ. كذلك الحب. هو ليس في كميته أو أيامه أو لياليه. إنه في صدقه، في قدرته على النفاذ إلى أغوار كل من يصادفه. في السحر الذي يجعل الحبيب جسرا نحو الكون والآخرين، في الفرصة التي ندرك من خلالها كينونتنا الآدمية المتفردة في الوجود اللانهائي وفي جسدنا الفاني في اللحظة نفسها.
لا يستطيع أحد، كائنا من كان، أن يدعي أن بلوغ هذه القمم هي حصر على أحدنا دون الآخر.
الحب، بهذا المعنى عنوان الكرامة، اعتراف وإقرار بالإنسانية المتأصلة في كل واحد منا رجلا كان أو امرأة على قدم المساواة.
لذلك حين سمعنا أن وزيرين يحبان بعضهما، وجدنا في الأمر نوعا من الأنسنة للفضاء الحكومي والعمومي وفرصة، ولو هاربة، لتذكير الجميع بشرطه الإنساني الهش. ورأينا فيه تبسيطا لأمور الحياة بما فيها من تعارف وتحابب وانجذاب…
شعرت بارتياح حقيقي واعتبرت الحالة نموذجية، يضاف إليها أن ما يمارس داخل المجتمع من حريات فردية ولو باحتشام، قد وصل إلى الحكومة والحزب الحاكم، وأنه مؤشر على وعي جديد قد يزيد من توسيع هامش الحريات الفردية بفعل قوة النموذج الذي يمثله المسؤول الحكومي. بل صدرت بلاغات ومواقف، من خصوم فكريين، تشيد بموقف وزيرتين في الدفاع عن الحق في الحب والحق في الحياة الخاصة.
غير أن شعرة سرعان ما تسربت إلى العجين فأفسدت كل شيء.
فإذا صح حسب ما ورد في أخبار صحفية، ولم يتم نفيه إلى الآن، أن الزوجة الأولى للحبيب قد تكلفت بطلب يد الحبيبة، فإن الأمر يختلف تماما.
إن الرسالة في هذه الحالة من نوع آخر غير الحب.
إن الرسالة واضحة لا لبس فيها: الحزب الغالب في الحكومة، والذي يدعي – من جملة فاعلين كثر – تمثيل الإسلام الحق، هذا الحزب يقبل الحب ويمارسه لكنه لا يفصله بالضرورة عن التعدد، بل إن ذاك في خدمة هذا، يدعمه ويبرره… وتتضامن في ذلك الزوجات السابقات واللاحقات للأسف الشديد، فالحب هنا لا يتناقض مع التعدد، بل يؤكده. خلاصة الأمر: الحزب هو الرابح في كل الحالات وهو “النموذجي” في “الحب” وفي التعدد وفي “التضامن”…
شيء ما ليس سليما في هذه القصة.
لم أكثرت للأمر في بدايته واعتبرته شأنا خاصا. نقطة، إلى السطر. ولم أبحث لأعرف عن الأمر أكثر. لكن وبعد كل هذه التطورات، أجازف بالقول أن الرسالة مرسلة ٌ بالقصد. إنها نتيجة ‘الذكاء’ السياسي-الإيديولوجي الذي تحرك من أجل تدارك الموقف وتحويل الإحراج إلى ‘حالة نموذجية’. ‘ذكاء’ يقول للشباب من خلال كل هذا الإخراج: “لا تنتظروا منا إقرارا بالحريات التي اكتسبتم في حياتكم بفعل قوة الأشياء، لا تنتظروا منا أن نعترف بحريتكم الفردية التي قد تتيح لكم عناق حنان أو قبلة اشتياق على الرصيف بلا حشمة مفتعلة ولا تلصص بوليسي. نحن لها بالمرصاد باعتبارنا ‘حراس أخلاق’. دليلنا في ذلك مسودة القانون الجنائي المعروضة في السوق اليوم…” تلك المسودة التي لا تترك أدنى شك في كون واضعها يدفع بالمجتمع المغربي إلى طلبنة تدريجية…
غريب أمر حالتنا. بالأمس كان ملوك المغرب معددين والوزراء دونهم في ذلك. واليوم أصبح الملك مناهضا للتعدد فكرا وممارسة في حين هاهم وزراء حكومتنا يعددون بنسبة 6 في المائة في مغرب لا يتجاوز المعددون فيه أكثر من صفر فاصلة 6 في المائة… من قال أن المغرب يمشي على رأسه؟
علال الفاسي، أيها المفكر المغربي الفذ، يا من ناديت بمنع التعدد منذ قرابة 60 سنة، أفق يا سيدي، إنهم يقتنصون الفرصة ليطئوا كل شيء…