النظام الجزائري.. ترفضه فرنسا، فيرتمي في أحضان موسكو..
بقلم : د. عبد الله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية
يبــدو أن النظام العسكري الجزائري قــد وصل لدرجة التحلل و أن جسده تفوح منه روائح غير طيبة…و اقترنت ردات فعلـه بالعصبية و الانفعال المتسرع و الانـزعاج…كانت سببا في عُـزلة سياسية دوليـة واضحة ، فلم يُستقبل ” تبون ” لا في باريس أو موسكو كما كان مقررا منذ شهر ابريل ثم ماي.. فاحترف الرئيس ” تبون ” التسلل ليلا كاللصوص و ظهـر فجأة في البرتغال ثم موسكو…حيث أعلن وعلى رؤوس الأشهاد أن روسيا هي ضامنة استقلال و سيادة بلاده و ليس جيشه الوطني صاحب معلقة مليون شهيد ، و أن موسكو هي صاحبة الفضل في العضوية الغير الدائمة بمجلس الامن و ليس لمكانة الجزائر وقوتها الضاربة… كما أعلن وقـد أوشك على البكاء في ذات الزيارة عن طلبه للإنظام لمجموعة ” البريكست ” و رفضه التعامل بالدولار …وهـو بهـذا يخرج عن أدبيات حركة عدم الانحياز…
وهي تصريحات يحاول بها ” تبون ” استفزاز فرنسا و يـدفعها لاستقباله من جهة ، وتعبيرا عن انزعاج كبير من حالة ” اليُـتم السياسي ” الذي يعيشه النظام العسكري الجزائري بعيدا عن الحضن الفرنسي من جهة اخرى..
إذ سحب النظام الجزائري سابقا سفيره بفرنسا لانزعاجه من تصريحات سياسييها و رئيسها ماكرون حول غياب مفهوم ” الأمة الجزائرية ” و ان فرنسا هي صانعة الجزائر… و سحب النظام الجزائري سفيره من مدريد لانزعاجه من اعتراف الدولة الاسبانية بقوة و فعالية مقترح الحكم الذاتي للصحراء المغربية…ثم سحب سفيره من المملكة السعودية انزعاجا من انعقاد مؤتمر ” جدة حول سوريا ” و دون دعوته للمشاركة…
و يبـدو أن النظام العسكري الجزائري قد تعود على سحب سفراءه عند كل حالة توتر و انزعاج …لكن سرعان ما يعودون بعد مجرد مكالمة سريعة أو رسالة مجاملة لشنقريحة أو تبــون…
و يبــدو أن العالـم قـد عرف أخيرا مع من حشرنا الله في الجوار.. نظام عسكري يستمد أسباب وجوده و استمراره من مزادات معروفة لـشراء أسلحة الدول القوية ، و ولاءات أنظمة فقيرة و صعاليك إرهابيين في مخيمات تندوف ، و تمويل مِحْـبرة كتاب و صحافين من تيارات معروفة بعداءها للمملكة المغربية و لرموزها الدستورية و مؤسساتها السيادية و الأمنية…
و قد انتقلت عدوى حالة الانزعاج الى قمة جامعة الدول العربية في نسختها 32 بمدينة جدة بالعربية السعودية في ماي 2023..لكـن هذه المرة بدرجة أكبر في مواجهة الأمير محمد بنسلمان…إذ تم تفسير غيابه عن ” قمة جدة ” بأنها ” معاملة بالمثل ” في تصرف ينـم عن ” مراهقة سياسية ” ، خاصة و انه كان سيقوم بتسليم الرئاسة للسعودية و هي المهمة التي كلف بها النظام العسكري وزير الخارجية الجديد ” احمد عطاف ” خلفـا ” لرمطان لعمامرة ” المقال من منصبه…
اعتقد ان مبعث انزعاج النظام العسكري الجزائري من العربية السعودية ، هو إصراره أن يكون شريكها في نجاح ” قـمة جدة 2023 ” بدون استحقاق …إذ سجلت رئاسة الجزائر للدورة 31 اقصر مدة زمنيا و سجلت إخفاقا في تدبير مخرجات الدورة 31 خاصة ملف مصالحة الفصائل الفلسطينية ، كما سجلت فشلا في عودة سوريا للبيت العربي…
وهي الملفات التي تغنى بنجاحها الرئيس ” تبــون ” وحتى قبــل ” قمة جدة 2023 ” سواء أمام الإعلام الجزائري أو بعض قنوات الخليج و بعض منابر فرنسا المعروفة بالدفع المسبق…
أكثــر من هــذا ، ففي الوقت الذي لوحظ أن بيان الجزائر في نوفمبر 2022 جاء عبارة عن نسخة كربونية لبيان قمة تونس…حيث مضامين بصياغة كلاسيكية و مفاهيم فضفاضة… في المقابل فإن بيان ” جدة 2023 ” على العكس حمل معه الجرأة بالتنصيص على احترام سيادة و استقلال الدول و سلامة أراضيها ، و الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات و المليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة..
و إذ يُـحاول النظام العسكري التسويق لنفسه بدون خجل بأنه حامي الثورات و الشعوب و القضية الفلسطينية.. وهو بذلك يُبـرر فقط ورطته باحتضان الانفصاليين بمخيمات تيندوف…فان بيان جدة 2023 و قبله بيانان العديد من قمـم الجامعة العربية .. أكــد على ” محورية القضية الفلسطينية…و دعم الوصاية الهاشمية التاريخية لحماية المقدسات الإسلامية و المسيحية (…) و كذلك دور لجنة القدس و وكالة بيت مال القدس…”
و هنا كانت الرسالة واضحة، فـلا داعي للتوظيف الإعلامي المفرط للنظام العسكري الجزائري للقضية الفلسطينية…بالتأييد أو المصالحات الهشة…لأنها قضية مركزية و محورية لكل الدول العربية…
أضف ان ” قمة جدة ” تطرقت لمواضيع الساعة كالوضع اللبناني و اليميني و الليبي وعودة سوريا و التي اشتغلت عليها السعودية وفق مقاربة دولية جديدة و ساهم ” البعد الإنساني ” لاسيما بعد زلزال سوريا في فبراير الماضي في تقريب المسافات …أما الملف السوداني فان المملكة كانت في الأساس راعية لمبادرة مفاوضات السلام…
و لا يمكننا فهـم عودة سوريا و المصالحة الإيرانية و بــوادر إنهاء الحرب اليمينية بعيدا عن محور الصين و روسيا…لـذلك فإن دعـوة السعودية للرئيس الاوكراني” زيلانسكي ” لـقمة جدة 2023 و إلـقاء كلمة.. مباشرة بعد حضوره لقمة جي 7 بمدينة هيروشيما اليابانية …كانت لتحقيق التوازن في المعادلات الدولية الجديدة .. إذ في نفس الأسبوع ستستقبل السعودية وزير الداخلية الروسي…
لذلك فلم يكن لانزعاج النظام العسكري من حضور الرئيس الاوكراني لقمة جدة 2023 أي مبرر… بل اعتقد ان حضور” زيلانسكي ” رفع من جودة أداء القمة العربية و خرج بها من دائرة الاقليمية ، و جعلها في نفس قيمة و قوة قمة الدول السبع الأقوى اقتصادا في العالم أي جي 7 ….
فنجاح قمة ” جدة 2023 ” في ” لــم الـشمل ” العربي ، و الخروج ببيان أساسه لغة ” التكاتف ” و التعاون و الضامن.. أظهر الفرق الشاسع بين من لهم تَصَـوُر و بـرامج استراتيجية و مدعمين بصناديق سيادية… و بين من تـعودوا على تسويق خطابات للاستهلاك الجماعي استهلكت معها صناديق سـونتراك ، و تعودوا على خنوع أنظمة متأزمة مثل ” قيس السعيد ” الذي أقال وزير خارجيته مباشرة بعد انزعاج عسكر الجزائر من هروب الناشطة ” أميرة بوراوي ” إلى باريس عبر تونس…
نجحت قمة “جدة 2023 ” رغم انزعاج الرئيس تبون و مقاطعته للقمة العربية في دورتها 32 في شهر ماي 2023 و عدم حضوره للقمة العربية الصينية بجدة في شهر دجنبر 2022…و سحبه للسفير من الرياض ثم إعادته إليها في مشهد ساخـر…
و نجحت أيضا ” قمة جدة 2023 ” لأن السعودية فاعل سياسي و اقتصادي مهم في الخليج و المنطقة العربية ، و استفــادت من احتضانها للقمة العربية في ماي 2023 ..في زمن ما بعد تداعيات كورونا و الحرب الدائرة في أوكرانيا و التحالفات الاقتصادية و العسكرية و حروب الطاقة و الامن الغدائي و الانتقال البيئي…و جعلت من احترام سيادة و استقلال الدول و سلامة أراضيها خطا أحمر…
و رغم انزعاج النظام العسكري الجزائري من بعض فقرات البيان الختامي.. وعدم ادراج اسم الجزائر… فقد ابتلعت جحافل ” تُجار المواقف ” والأقلام المأجورة لسانها وسكتت عن الصراخ و عجزت عن تجميل كبوة العسكر الجديدة…في انتظار انزعاج متبوع بسحب السفير ثـم إرجاعه و هكذا…
لكن نفس الأقلام و المنابر ستعود للنفخ في الزيارة “السرية ” لتبون الى موسكو و لقاءه الرئيس بوتين في اليوم الثاني مع كل ما يستحقه المقام من تلعثم و هلع…في حين انه كان مقررا زيارة وفد افريقي للوساطة بين موسكو و كييف في النصف الثاني من شهر يونيو.. وهو الوفد الذي يمثل ستة (6 ) دول افريقية ( مصر ،السينغال ،زامبيا ،جنوب افريقيا ، أوغاندا و الكونغو برازافيل ) و ليس من بينها الجزائر…
أما جنوب افريقيا فإنها تحاول من خلال لجنة الوساطة الافريقية إخفاء صفقة الأسلحة نحو روسيا والتي كشفتها أحد أهم المنابر الإعلامية الامريكية في شهر دجنبر الماضي.. بالإضافة الى احتضان مياهها الإقليمية لمناورات عسكرية تضم روسيا و الصين ، و الأخطر هو احتضان جنوب افريقيا لقمة البريكست في شهر غشت القادم …و سؤال هل ستُـمتع الرئيس بوتين بالحصانة الديبلوماسية مقابل ” مذكرة الجنايات الدولية ” …؟
فالجزائر و جنوب افريقيا تُسابقان الزمن قبل موعد القمة الافريقية الروسية المحددة في 26 الى 29 يوليوز 2023…و يظهر انها ستكون صاخبة حيث ستغيب مطالب الشعوب الافريقية في مواضيع التنمية و الديمقراطية و الهجرة و الانتقال البيئي…لتحل محلها مطالب الجزائر بدعم موسكو لطلب الإنظمام للبريكست ، و بـدعم موسكو لـفكرة حصول جنوب افريقيا على مقعد دائم في مجلس الامن…مع العلم أن كل من كييف و موسكو قـد رفضتا النقط العشرة لخطة السلام المقدمة يومي 17 و 18 من شهر يونيـو الجاري.. والذي يصادف نهاية ” اتفاق الحبوب ” الذي رعته كل من تركيا والأمم المتحدة…
رحم الله الملك الحكيم الحسن الثاني بقولــه : ” لا ننتظر من العالم ان يعترف بصحرائنا المغربية ..بل كنا نريد ان يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار…”