“الزين اللٌي فيك”.. جدل على تخوم أسئلة الحرية والجرأة الجنسية في السينما
ولعل ما يميز هذا الجدل عبر وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، في أوساط الشرائح الواسعة للجمهور كما بين مهنيي السينما ونقادها ونخبة عشاقها، أنه سبق عرض الفيلم الذي شارك مؤخرا في مهرجان كان ضمن احدى فقراته الموازية، فقد كان المقطع الترويجي الذي بث على الأنترنيت ( قبل ان تتلوه مقاطع اخرى) كافيا لخلق استقطاب حاد تجاه العمل وتجاه الاشكاليات التي يثيرها مشهد جاء مكثفا بحوار وصف بأنه “صادم” أو “جريء”، حسب التقديرات الشخصية.
في أحيان كثيرة، اتخذ النقاش طابع حوار الصم، بلا أرضية موحدة ولا مرجعية واضحة، فثمة من يناقش المشهد من منطلق الحق المقدس في التعبير الفني الحر، فيوصم من قبل البعض بأنه خارج سياق المجتمع والتاريخ، وثمة من يسائل القيمة الفنية للمشهد ويناقش مبرره ووظيفته الدرامية، فيرمى بصب الماء في دلو “خصوم الحرية والحداثة والسينما”.
ومع ذلك، فان جل المتدخلين في النقاش أقروا بضرورة انتظار المشاهدة الكاملة للفيلم من أجل تكوين رأي جاد ومؤسس تجاه العمل الفني، كما أن معظم النخبة السينمائية توافقت على أن مربط الفرس ليس سؤال الحرية والابداع بل قضية اختيارات فنية للمخرج، قابلة للمساءلة.
يقول الاعلامي والناقد السينمائي والمسرحي ادريس الادريسي ان الحرية مقدسة لا يمكن المساس بها، و”نبيل عيوش له الحق في أن ينتج ما يشاء (خارج نطاق الدعم العمومي المحكوم بمعايير)، لكن لدينا الحق كجمهور في أن نقبل العمل أو نرفضه”.
وأقر الادريسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بضرورة انتظار مشاهدة الفيلم قبل تكوين حكم عام لكنه اعتبر أن “امارة الدار على باب الدار”، من خلال النتف المنشورة على الانترنيت، والتي لم يستبعد أن يكون المنتج قد قصد استخدامها كاستراتيجية تسويقية لتهيئة أجواء الاثارة والرفع من منسوب استقبال العمل.
لكن بخصوص المشهد في حد ذاته، الذي يحيط بعالم بنات الليل ولغاته ورموزه، وعن دلالته بالنسبة للرؤية السينمائية لصانعه، أوضح الادريسي أن السينما “ليست اعادة نسخ للواقع. والمبدع الحقيقي هو من يمتلك القدرة على صنع الايحاء ومعالجة الظواهر المختلفة بلمسة ذكية وراقية”.
وعاد ادريس الادريسي لينتقد “ضجة مفتعلة” قسمت المهنيين الى معسكرين أو معسكرات بدل أن تجمعهم، في ظل انفتاح وسائل التواصل الاجتماعي، حول نقاشات جادة ترتقي بمستوى الممارسة السينمائية في البلاد. والحال أن الاعلامي والناقد يظل مبدئيا ضد المنع، أما بخصوص توقعاته لخروج “الزين اللي فيك” الى دور العرض، فقال ان المركز السينمائي المغربي له الآليات المناسبة للتعامل مع هذا النوع من الأعمال، من قبيل قصر المشاهدة على الفئة التي يفوق سنها 16 عاما، أو مطالبة المخرج بتوضيب بعض المشاهد.
في المقابل، يفضل نقاد ومتابعون سينمائيون عدم التوقف كثيرا عند المشاهد المقتطعة المثيرة للجدل وطرح الأسئلة الجذرية حول مهمة السينما والفن من زاوية أخرى. بالنسبة لفريد الزاهي، “يلزم أن نعرف ما نريد… الفن الحق سينما كان أو تشكيلا أو أدبا لا يمكن أن يكون مساومة، وإلا فإننا سننتج مراهم لجروحنا لن تلبث أن تتبخر لتظل جروحنا مشرعة في الهواء الطلق”.
يقول الزاهي، الناقد المهتم بالجماليات البصرية، ان “الفن بحاجة لحرية شبه مطلقة، وإلا فإننا سنعيد إنتاج وصفات كان يتحرر منها بشكل أو بآخر أكثر الفنانين التزاما بالستالينية” ملاحظا كيف “صرنا نخاف من الصورة أكثر من الأجيال السابقة التي ظلت متعطشة لسينما مزدهرة غير أنها لم تتح لها الفرصة لذلك. صرنا نخاف الجسد لأنه مرآة لعرينا ومشكلاتنا الاجتماعية. نبيح لجريدة أن تخصص ملفا للدعارة ولا نستسيغ من فيلم أن يتناول ذلك”.
وانتقد الزاهي في تصريح للوكالة النزوع نحو الحكم على موضوع الفيلم لا على طريقة تناوله محيلا الى التراث العربي الذي يجده حافلا بالتجارب الجريئة التي لم يحاكمها أحد من الجاحظ والمعري وغيرهما، ليتساءل “لماذا إذن هذا الخوف الفاجع من الصورة؟”.
وخلص الزاهي الى القول “إن أخشى ما يمكن أن نخشاه هو أننا في الحد من حرية الفن خارج كل بعد جمالي، نخدم ظرفية صار فيها الإنسان وصيا على ربنا جميعا وخالقنا جميعا، ( …) وصار فيه الإنسان يخاف على نفسه من أن يحاكم أيضا يوما على ما يضمره في نفسه”.
على هذا النحو، تناسلت وجهات النظر ووجهات النظر المضادة على الصفحات الشخصية للسينمائيين والنقاد والجماهير المغربية في مواقع التواصل الاجتماعي. فقد فضل الممثل محمد الشوبي مناقشة محتوى المشهد الذي بث على اليوتيوب، معتبرا أن الأمر يتعلق بلقطات “تستهدف الاستفزاز، لأن حركيتها بطيئة شيئا ما ، لتترك للألفاظ أن تأخذ موقع الصدارة ، وكل هذه الألفاظ مجانية ولا تخدم الشخصيات في شيء”.
وقال الشوبي “أنا أعرف حرفية نبيل عيوش وقوته في الحكي بالصورة لكن هذا المشهد أفلت منه، لأنه في نظري توخى الإثارة والاستفزاز بالكلام قبل الصورة” ليؤكد أخيرا “أنا أناقش مشهدا سينمائيا قد يكون في أي فيلم ولا أناقش أخلاقا عامة لأني لست من دعاة الأخلاقوية”.
أما الناقد والمخرج عبد الإله الجواهري فانتقد في مقال نشرته مجلة سينيفيليا “تجييش الشارع و دفع كل من هب و دب لإبداء الرأي ويصبح ناقدا، ناقد اللحظة المشبعة بالكليشيهات الممسوخة و الآراء النقدية المتسرعة” قبل خروج الفيلم للعرض، بل تجاه مشاهد مقتطعة من سياقها العام و منشورة للفت الانتباه للشريط الجديد و الترويج له، و خلق موجة من النقاشات قد تخدم الفيلم تجاريا مثلما تخدم اسم صاحبه.
ورأى الجواهري أن الطريقة التي يروج للفيلم بها حاليا، “ستجعل سينمانا المغربية تؤدي الثمن الباهظ من حيث خلق جو من الاحتقان و الكراهية تجاهها و بالتالي الدعوة لمزيد من الوصاية على الإبداع و الحجر على السينمائيين ورؤاهم الفنية المبنية على قناعات فكرية و ثقافية شخصية”، ملاحظا أنه مباشرة بعد العرض الأول للفيلم بالدورة 67 لمهرجان كان، “بدأت أمطار الشر تهب ورياح الجنون تزمجر، مثلما بدأت التعليقات اللامسؤولة تصل عبر صفحات مشبوهة، “ملوثة بمفاهيم الاستعراض المجاني و التهافت النقدي و محاولة اصطياد عدد اكبر من المصفقين و المهرولين لخنق الذات الإبداعية المغربية”.
قد يكون الجدل، بهذا التقاطب الفكري، علامة صحية على جسم فني ومهني حي ينبض بالأسئلة التي لا تهمه حصرا كقطاع مستقل بل تعني مقومات المشروع المجتمعي العام ومرجعياته، لكن ما يثير قلق الغيورين على السينما المغربية أن النقاش يحيد أحيانا ليتخذ شكل اصطفافات حادة تروم امتلاك الحقيقة وتسفيه الآراء المخالفة.