زنقة 20 ا الرباط
أكد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، أن “الثورة الرقمية والطفرات التكنولوجية قد ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة دون استثناء بما في ذلك منظومة العدالة” ، مشيرا إلى أن رقمنة المساطر والإجراءات القضائية تعتبر من المداخل الأساسية لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة”.
وأوضح مولاي الحسن الداكي في كلمة له في حفل افتتاح الندوة الدولية المنعقدة تحت شعار: “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية” المنعقدة يومي 08 و09 فبراير 2024 بمدينة طنجة، أن “انعقاد هذا المؤتمر حول موضوع التحول الرقمي لمنظومة العدالة يندرج في سياق الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها المملكة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده والتي تهدف إلى استثمار التكنولوجيا الرقمية وجعلها أحد المداخل الأساسية لتحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين ومحفزاً لتسريع وثيرة التنمية وتعزيز النجاعة وتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين.
وأضاف الداكي، أن “تنظيمه يعكس أيضاً مستوى الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة العدل لموضوع التحول الرقمي في مجال العدالة والذي انخرطت فيه مكونات السلطة القضائية بكل جدية ومسؤولية حيث قطعنا فيه عدة أشواط وبدأنا نتلمس ثمارها من خلال رقمنة العديد من الإجراءات والمساطر القضائية على مستوى المحاكم، وهو ورش مازالت تنتظرنا فيه مراحل أخرى سنعمل سوياً في إطار من التنسيق المؤسساتي لتنزيلها في المنظور القريب”.
وتابع الداكي أن “الثورة الرقمية والطفرات التكنولوجية قد ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة دون استثناء بما في ذلك منظومة العدالة، حيث أصبحت تلك التطورات يوما بعد يوم محط اهتمام مختلف الفاعلين والمتدخلين في حقل العدالة باعتبارها مدخلا أساسيا للارتقاء بأداء المرفق القضائي وتطوير الإدارة القضائية وتيسير الولوج المستنير للعدالة والرفع من جودة أدائها ضمانا لتحقيق النجاعة القضائية”.
وأشار الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة إلى أن “الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة شكَّل لحظة هامة لتعميق النقاش حول موضوع تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها ، وهو بذلك يعتبر منطلقا مشتركا لنا كفاعلين في إنتاج العدالة، لا سيما في ظل ما أسفرت عنه مخرجات هذا الحوار من توصيات تمحورت حول وضع أسس محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين وتشجيع استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وتصريف القضايا وإحداث الملف القضائي الإلكتروني فضلا عن رقمنة المساطر والإجراءات وتوظيف الوسائل الرقمية في عملية التواصل مع المتقاضين والمهنيين ومساعدي العدالة”.
ومن هذا المنطلق، يؤكد الداكي “فقد أضحى الاقتناع راسخا بأن التحول الرقمي لمنظومة العدالة أصبح اختياراً لا محيد عنه وضرورة تفرض نفسها وتتطلب انخراط كل الفاعلين في مجالها وهو الأمر الذي ما فتئ يؤكد عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من خطبه الملكية وتوجيهاته النيرة، نذكر من بينها الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة المنعقد بمراكش بتاريخ 21-10-2019 حيث قال جلالته “وفي نفس السياق، ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي.” انتهى النطق الملكي السامي”.
واعتبر الداكي أن “التحول الرقمي الذي تشهده منظومة العدالة اليوم يُعد مؤشرا قويا على الإرادة الراسخة الرامية إلى الانخراط الفعلي والمتواصل في هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي من شأنه الارتقاء بفعالية تدبير القضايا وتطوير جودة تدبير القضايا والبت فيها داخل آجال جد معقولة وترسيخ الثقافة الرقمية في مجال العدالة والرفع من منسوب الثقة في منظومتها لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين في إنتاجها”.
وفي سياق متصل، أكد المتحدث ذاته على أن “رقمنة المساطر والإجراءات القضائية تعتبر من المداخل الأساسية لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة المطلوبتين، بالنظر لما يوفره استثمار الوسائل الرقمية والتكنولوجية في العمل اليومي للإدارة وفي علاقاتها مع مرتفقيها من جودة وثقة من خلال الحصول على الخدمات المطلوبة بشكل ميسر وشفاف ودون إثقال كاهل العاملين بالمؤسسة القضائية بكثرة الاستقبالات”، مشدد على أن “التوظيف الرشيد لما تتيحه التكنولوجيا من مزايا من شأنه تعزيز القدرة التنافسية للإدارة القضائية بما يؤهلها للقيام بأدوارها الطلائعية في تحفيز وحماية الاستثمار من جهة وتكريس حكامة المرفق القضائي من جهة أخرى”.
وكشف الداكي أن “رقمنة العدالة تعتبر أحد المداخل الرئيسية لمواصلة تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي تتطلع إليه بلادنا والذي يرتكز على مجموعة من المرتكزات من بينها الارتقاء بتجويد العدالة ونجاعتها ، ولتحقيق هذه الغاية فإننا موقنون أن جهود جميع الفاعلين في هذا المجال يقتضي تضافرها من أجل رفع التحديات التي تعترض تسريع وثيرة الرقمنة، في مقدمتها التحدي التشريعي الذي يتطلب جهودا خاصة في سبيل تذليل الصعاب من أجل إيجاد الإطار القانوني لاعتماد مخرجات الاستعمال المتزايد للوسائل التكنولوجية في أفق اعتمادها كليا في تدبير المساطر والإجراءات. هذا بالإضافة إلى التحدي الذي يفرضه رصد المساطر المتسمة بالتعقيد وتحديد السبل الكفيلة بتبسيطها وجعلها قابلة للرقمنة لفائدة المرتفقين”.
وشدد على أن “إقامة نظام متين للرقمنة هو تحد قادرون على رفعه بعدما كانت لنا تجربة متميزة في ظل جائحة كوفيد بسبب الحجر الصحي الذي عرفته بلادنا على غرار سائر بلدان العالم، والتي شكلت فترة اختبار لقياس مدى قدرة وجاهزية العدالة المغربية لتبني خيار الرقمنة وجعلها واقعا ملموسا من خلال تجربة المحاكمة عن بعد وكذا تدبير العديد من الإجراءات رقميا حيث كان للتعاون المؤسساتي الدور الأساس في رفع كل التحديات التي كانت مطروحة كمعيقات وكسب رهان استمرار تصريف العمل القضائي بالمحاكم”.