مجلس الجالية يخصص إهتماماً نوعياً لقضية الصحراء بترجمة كتاب فرنسي حول التراث الأنثروبولجي خلال القرن العشرين
زنقة 20. الدارالبيضاء
يقدم مولف “فنون وعادات البيضان” للباحثة الأنتروبولوجية الفرنسية أوديت دي بويغودو وترجمه أحمد البشير الضماني، تعريبا لكتاب استثنائي حول الصحراء وعادات وفنون سكانها وأساليبهم في العيش، ومختلف أوجه حياتهم المادية التي كانت سائدة أواسط القرن العشرين.
وورد في توطئة الكتاب، الذي قدم اليوم الجمعة، ضمن فعاليات الدورة ال24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، أن أوديت دي بويغودو، الكاتبة الاستثنائية المتعددة المواهب، حلت بهذه المنطقة في لحظة تاريخية حاسمة وهي على أبواب الوقوع في دوامة تحول جذري فرض عليها فرضا، والذي سرعان ما غير ملامحها إلى الأبد، فاستطاعت بواسطة الكتابة والرسم التقاط تلك الملامح قبل هذه التغيرات الكاسحة، واضعة جردا توثيقيا غير مسبوق لمختلف المعطيات المتعلقة بها، ومنقذة إياها من الزوال.
وعن المؤلف قال مترجمه أحمد البشير الضماني، إنه رسم صورة مادية ومعنوية للبيضان، ووصفا لطبائعهم وعاداتهم خالصة كما هي، أي قبل التغيرات المتنامية، والقيام قدر الإمكان، بجرد الأشياء الضرورية لوجودهم، من أثاث وأدوات وأسلحة وحلي وملابس وعدة ركوب الإبل، ناهيك عن أساليب نسج الخيام وطرق بناء القصور، بتنويعاتها الجهوية.
واعتبر البشير الضماني في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا العمل مساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث الصحراء العريق والثمين من الضياع، والذي يعد شاهدا، من خلال ثرائه وأصالته وتنوعه، على أنها كانت على الدوام، وطوال العصور التاريخية، مأوى لتلاقح الخبرات البشرية والثقافات الإنسانية، وصلة وصل ليس فقط بين المغرب وعمقه الإفريقي، ولكن بين المغارب والمشارق عموما وإفريقيا جنوب الصحراء.
ولفت إلى أن الصحراء موضوع هذا الكتاب، هي الصحراء الأطلسية الممتدة من السفوح الجنوبية لجبلي باني والأطلس الصغير حتى الصفة اليمنى لنهر السنغال، ومن ساحل المحيط الأطلسي إلى منطقتي أزواد وإكيدي وحمادة درعة، و”بالتالي يتعلق الأمر هنا بمجموع المنطقة المعروفة اصطلاحا ب”تراب البيضان”، التي تشمل الجهات الحنوبية الثلاث ومجموع القطر الموريتاني وشمال مالي والجنوب الغربي للجزائر، مبرزا أن المقصود بالبيضان هو مجموع الساكنة القاطنة بهذه المناطق في الفترة موضوع الدراسة وليس طبقة من طبقاتها أو فئة من فئاتها.
وأضاف أن الكاتبة اكتشفت خلال رحلتها هاته القدرة الإبداعية المدهشة لساكنة الصحراء في تكيفهم مع شظف العيش، في ظروفها الطبيعية القاسية وبراعتهم في تلطيف وجودهم إلى حد جعل مجتمعهم لا يقل سعادة عن أي مجتمع آخر قدر له العيش على أراض أقل وعورة وأكثر خصوبة.
وخلال هذا العمل ترصد الكاتبة انبهارها بمواهب ساكنة الصحراء في تحويل أبسط أشياء الحياة اليومية إلى تحف فنية رائعة، والشاعرية التي ينظرون بها إلى الوجود وعقلانية تدبيرهم لشح الموارد والأريحية التي يمنحون بها الضيافة للغريب والتكافل الذي يطبع مختلف مناحي حياتهم الاجتماعية.
وأشار إلى أنها أخذت على عاتقها، بواسطة الرسم والكتابة، التقاط ملامح هذا المجتمع، مستشعرة ما هو مقبل عليه من تحولات متسارعة لن ينجو منها أي قطاع من قطاعات طريقته في الحياة التي تستدعي إلى الأذهان أساليب عيش الأقوام العريقة في القدم، حيث وجدت في مواهبها في الرسم ودقة الملاحظة العلمية والفنية خير معين على ذلك.
وأضاف أن دي بويغودو وماريون سينون خاضتا رحلتهما إلى الصحراء فأحبتا هذه الأرض التي يشعر فيها الإنسان بأنه كائن إنساني يقف على قدمين، وليس مجرد رجل أو امرأة.
وانتهت الرحلة بعد عام كامل في دكار السينغالية، وعند العودة إلى فرنسا، ألفت أوديت دي بويغودو كتابيها “قدمان عاريتان عبر موريتانيا”، و”معرض التمور الكبير (أدرار الموريتاني) الصادرين على التوالي سنتي 1936 و1937، ولم يكن هذا الكتابان مجرد حكي أسفار تقليدي، بل أولى اللبنات في مشروع أثنولوجي كبير سوف يستغرق إنجازه عقودا طويلة، لدراسة ثقافة صحراوية عريقة على وشك الوقوع في دوامة عالم متغير
ويشتمل الكتاب الصادر عن مركز الدراسات الصحراوية، على مقدمة وخمسة فصول خصصت على التوالي ل”تاريخ وجغرافية تراب البيضان”، و”الحياة المادية (السكن واللبس والحلي)، والحياة الأسرية (الزواج والأطفال)، والحياة الثقافية (التعليم)، والصناعة التقليدية (عدة ركوب الإبل).