لا يتحمل الكثيرون من النشطاء الأمازيغ سماع عبارة: الأخوة العربية الأمازيغية. يفترض في هذه الأخوة أن تكون من البديهيات المسلم بها، بلا خلاف، أو حد أدنى من النقاش حولها. ولكن مع ذلك، إذا تفوه أي مغربي بتلك العبارة، ووصلت إلى مسامع النشطاء الأمازيغ، فإن علامات الغيظ والغضب والسخط تبدو طافحة على ملامحهم، إنهم يعقدون جباههم في إشارة واضحة منهم بأنهم لا يقبلون بالأخوة مع العرب، بل لا يطيقون حتى سماعها.
المغاربة من أصل عربي، بالنسبة لهؤلاء النشطاء، خصوم، ومنهم من يعتبرهم أعداء، وهم مختلفون في كل شيء عن الأمازيغ، والتاريخ الوحيد الذي يجمع الطرفين هو تاريخ احتلال، وسبي، واغتصاب، وتعريب..
العرب من وجهة نظر أولئك النشطاء احتلوا المغرب، واستوطنوه في الزمن الغابر، وألغوا عنه صفته الأمازيغية، ومنذ ذلك الزمن، والأمازيغ يقاومون هذا الاحتلال، ويسعون بكل الوسائل لدحره، وإعادة المغرب إلى الصورة التي كان عليها قبل أن تطأه أقدام العرب الهمج المتخلفين… أي المغرب الأمازيغي النقي الخالي من العرب، لغة، وثقافة، وحضارة، وحتى إنسانا إن كان في الإمكان ذلك.
لكن ما علاقة مثل هذا التصور الذي لمن يطلقون على أنفسهم لقب النشطاء الأمازيغ بالواقع المغربي كما يعيش فيه المغاربة عربا وأمازيغا؟؟ هل فعلا يوجد شرخ كبير في النسيج الاجتماعي الوطني ينقسم بسببه المغاربة إلى فئتين متقابلتين ومتناحرتين: الأمازيغ في جهة، والعرب في الجهة المقابلة لهم، وأن أمامهم المتاريس، وأنهم يشحذون أسلحتهم، ويستعدون للتطاحن والاقتتال بين بعضهم البعض لتجري دماءهم وديانا؟؟؟
الواقع المغربي يقول عكس ذلك تماما. الاندماج حاصل في المجتمع، والتزاوج قائم بين الطرفين. لدينا عدد كبير من المغاربة من أصول عربية متزوجون بسيدات من أصول أمازيغية، كما أن لدينا نفس العدد أو يفوق من المغاربة من أصول أمازيغية متزوجون من سيدات من أصول عربية، ولديهم أبناء مختلطون، نصفهم أمازيغي، والنصف الثاني عربي، والأسر تتزاور وتتلاقى بينها في الأعراس والمآتم والمناسبات الدينية، وتتقاسم الأفراح والأتراح، ولا نشعر في الأسواق، أو في الشارع، أو في المدرسة، أو الإدارة، أو المستشفى، أو المسجد، أو في مقرات الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات.. أن هناك فرقا بين المغربي من أصول عربية، والمغربي من أصول أمازيغية.
إننا فعلا أمام أخوة عربية أمازيغية قائمة على التعاون والاحترام المتبادلين في إطار القانون الذي يطبق على الجميع بالتساوي من غير تمييز بين هذا وذاك. فلماذا إذن اصطناع عقدة المظلومية وتصوير الأمازيغ من طرف هؤلاء النشطاء كأنهم ضحايا قمع واضطهاد ناجمين عن احتلال عربي لأرضهم المغرب؟؟؟ الواقع الحالي الذي نعاينه بأم العين يشهد على أن المغاربة، باختلاف أصولهم العرقية، يتعايشون متساكنين، ومتفاهمين، ومتعاونين بينهم.
إذا تجاوزنا هذه اللحظة وعدنا إلى التاريخ القديم لاستقراء إن كان الأمازيغ قد تعرضوا فعلا في الماضي البعيد للعنف من طرف أجهزة الدولة بسبب أصولهم الأمازيغية، فإننا نجد أن سلالات المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين التي حكمت المغرب في فترات سابقة من تاريخه، كانت كلها أمازيغية، وحتى الأدارسة فإنهم أمازيغ لجهة الأم.
فهل كانت هذه السلالات تسمح باضطهاد الأمازيغ وقمعهم من طرف العرب رغم أنها كانت هي التي تحكم المغاربة عربا وأمازيغا؟؟ كيف يعقل أن حاكما مطلقا من أصل أمازيغي سيسمح لإنسان من خارج سلالته بقمع وقهر إنسان آخر ينتمي لنفس سلالة الحاكم؟؟ على أي أساس سيتم ذلك؟؟؟
إذا جرى هذا، فإنه يعني أن المسؤولية تقع على الحاكم الذي ميز بين المغاربة، وقسمهم إلى فئتين لأسباب سياسية كانت تقتضيها مصلحته في التمكن من اقتناص السلطة والاستمرار متحكما فيها. حين كان الاضطهاد يحصل فإن الاعتبارات السياسية هي التي كانت تمليه وتدفع الحاكم لاعتماده.
الحاكم الأمازيغي الذي يوظف رجل الأمن أو الجيش العربي لتأمين استحواذه على الحكم، هو نفسه الذي سيوظف الأمن والجيش الأمازيغيين لنفس الغرض إذا اقتضت الضرورة السياسية ذلك. لم يكن التمييز بين المغاربة يتم لاعتبارات عرقية وعنصرية كما يردد ذلك صباح مساء النشطاء الأمازيغ، السلطة كانت عادلة على مستوى القمع، وكانت تستغل الفوارق الموجودة في المجتمع للتمكن من حكم المغرب وفرض سلطتها وهيبتها عليه.
ولكن رغم الخصومات والنزاعات التي كانت تنشب بين القبائل وتتحول في بعض الأحيان إلى صراعات دامية، فإن المجتمع المغربي، بعربه وأمازيغييه، كان يضع جانبا خلافاته الداخلية ويتحول إلى جبهة واحدة متراصة لصد العدوان الخارجي ولرده بعيدا عن بلادنا، ونتيجة لذلك حافظ المغرب، عبر تاريخه على وحدته، وتماسكه، وتضامنه لصد الهجمات التي كانت تأتيه خطيرة ومتتالية من أوروبا بحكم موقعه الجغرافي القريب جدا منها وأطماعها التوسعية في أراضيه، وتفوقها العسكري في وقت ما عليه.
وكما يقول الأستاذ جرمان عياش في كتابه: أصول حرب الريف،(( لقد كان من المتوقع إذن أن يعرف المغاربة نفس المصير المحزن الذي عرفه آنذاك أهالي القارة الأمريكية الذين أبادهم الإسبانيون، لولا أن الوحدة التي رأينا كيف أنها نشأت ونضجت منذ ستة قرون والتي بلغت درجة كافية من الكثافة والوعي بالنفس، مكنتهم من أن يجابهوا برد فعل جماعي الضربات التي لم تكن تصيب في أول الأمر إلا البعض منهم)).
هذه الوحدة بين المغاربة التي يتحدث عنها الأستاذ جرمان عياش، استنادا إلى قراءة علمية ودقيقة لمعطيات دامغة مستمدة من وقائع التاريخ وأحداثه، ما كان لها أن تتحقق وتتمكن من الحفاظ للمغرب على تميزه وتفرده، واستقلاله إلى حدود سنة 1912، لو لم تكن وحدة مبنية على التعاون، والتآزر، والتضامن بين المغاربة باختلاف أصولهم العرقية وقناعاتهم السياسية والإيديولوجية. إنها وحدة متينة لأن قوامها الرئيسي وركيزتها الأساسية هي الأخوة الراسخة والعريقة بين مكونات الوطن الواحد، أي العرب والأمازيغ.
والذي لا جدال فيه هو أن الأخوة العربية الأمازيغية المعبدة عبر حقب التاريخ، بالدم وبالتضحيات المشتركة من أجل المغرب، لن ينال منها أو يؤثر فيها، بشكل سلبي، أولئك الذين تغيظهم هذه الأخوة، لأسباب، من المرجح أنها مشبوهة.. كانت أخوة صافية في الماضي، وما زالت قوية في الحاضر، وستستمر شامخة في المستقبل، رغم أنف كارهيها والمتربصين بها..