زنقة 20. الرباط
كتبه : عبدالرحيم المنار اسليمي ،رئيس المركز الأطلسي للدراساتالأمنية وتحليل السياسات
تابعت خلال الأيام الماضية تعليقات على صفحة المدعوهشام جيراندو حول الأكاذيب التي اعتاد أن يطلقها مراتمتعددة حول المغرب وشخصيات مغربية ،ولاحظت أنه يعمدإلى مسح الكثير من التعليقات التي تطلب منه الجواب علىأسئلتي التي طرحتها في فيديوهات مباشرة على منصتيفي اليوتيوب حول علاقة المدعو جيراندو بالمخابرات الجزائرية،ومن الردود التي وجدتها تنتقذني على صفحته تعليقا طويلاحول المعلومات التي أدليت بها بخصوص علاقة جهاتمحسوبة على المخابرات العسكرية الجزائرية بالأكاذيب التييطلقها جيراندو في قضية دور المغرب في تدبير الحقلالديني بأوروبا، واكتشفت أن جماعة إدريس فرحانالموجودة في بلجيكا وهولندا هي التي تقف وراء تعليق طويلعن هذا الموضوع ،وبدا لي أن إشارتي إلى الجزائري عماربلاني ،ممثل المخابرات الجزائرية السابق ببلجيكا، والسفيراليوم بتركيا، استفزتهم، لما قلت أن بلاني وراء وثيقة نشرهاجيراندو تعود إلى سنة 2022 حول منع السلطات البلجيكيةلجمعية تسمى اتحاد المسلمين ببلجيكا .
ولاحظت، أن مانشره جيراندو مجرد إرث من الأكاذيبالتي ظل يرددها المدعو إدريس فرحان طيلة سنوات قبلاعتقاله ،وفهمت جيدا أن المدعو جيراندو يردد نفس أكاذيبالجماعة التي كانت مع ادريس فرحان، الذي كان مجنداللدعاية ضد تدين المغاربة في إطار مخطط عسكري جزائريكبير يهدف إلى ضرب علاقة مغاربة أوروبا بحقل إمارةالمؤمنين .
وبحكم جهل تلاميذ ادريس فرحان ووريثه المدعو جيراندوبأمور الشأن الديني لدى الجاليات المسلمة بأوروبا ،فإنالمسألة الرئيسية التي يجب أن يعرفها هؤلاء هي أن التدخلفي الحياة الدينية والمجتمعية لدولة ما في أي قارة أو منطقةكانت، هو أمر صعب جدا وفيه حساسية نظرا لإرتباط التوجهالعقائدي بمسألة الأمن القومي للبلدان. وبذلك لا يمكن لأيدولة أن تفرض نوعية الدين أو بسط سلطتها عبر بوابةالمساجد على نفوذ دولة ما، لأن ذلك قد يتحول إلى خرق لمبدأعدم التدخل ومسا بسيادة الدول .
لذلك ،فإن هامش التحرك يظل ضيقا، ويحتاج إلى فهمعميق وشرعية كبيرة للدولة التي تدير الشؤون الدينيةلجاليتها في العالم ،وهنا ينبغي التوضيح لتلاميذ ادريسفرحان ووريثه جيراندو أن دور المغرب في تدبير الحقلالديني في أروبا أو في أي دولة مهما كانت قوتها أو وزنهايهدف بشكل أساسي إلى المحافظة على روابط مغاربةالعالم بوطنهم الأم وبولائهم لأمير المؤمنين نصره الله. ومنجانب آخر، أن المغرب يحاول نشر تجربته الدينية مع البلدانالإفريقية بشكل رئيسي، بهدف محاربة التطرف والتشددالديني العنيف واقتلاع جذور الإرهاب من منابعه، من خلالالتكوين والتأطير والإرشاد ونشر الأمن الروحي، عبر بوابةالمؤسسات الدينية كإلتزام روحي، وعبر المساجد كالتزامديني من المغرب تجاه عمقه الإفريقي، بهدف خلق تنميةروحية من منطلق ديني واضح المعالم.
وتزداد صعوبات تدبير الشأن الديني في أوساطالجالية حسب طبيعة المجتمعات والدول ،فالمجتمعاتالأوروبية مثلا هي لائكية علمانية بالنظر إلى تعدد الدياناتوالثقافات، وبالنظر إلى أن هذه الدول تفصل الديني عنالسياسي، فالمغرب يقوم بمجهودات داخلها في تقاسمنموذجه الديني السمح المعتدل القائم على أركان مؤسسةإمارة المؤمنين لسبيين اثنين : أولا، بيان مبادئ الدينالوسطي من أجل نزع الصورة السلبية للإسلام ،التي توجدفي أذهان الأوروبيين ،صورة أن الإسلام « دين تطرفوإرهاب وقتل الأبرياء ». وبذلك تكون المملكة المغربيةالشريفة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم عبر قنواتمتعددة بعمل كبير في الشأن الديني ينفذ إلى المجتمعاتالأوروبية ليظهر أن الإسلام هو دين سلام وتسامح وتعايشوخلق جسور الحوار بين الأديان والحضارات في ظل احترامتام للمجتمعات الإنسانية و لمختلف الثقافات.
هذا هو المنهج الذي يروم المغرب إلى تحقيقه في البلدانالأوروبية بالذات وباقي البلدان في أمريكا اللاتينية وآسياوالولايات المتحدة الأمريكية، وفق التعليمات والتوجيهاتالسامية لأمير المؤمنين نصره الله.
والأمر الهام هنا، هو أنه بالنظر إلى كون جلالة الملكأميرا المؤمنين وليس أميرا للمسلمين، فالمعنى الروحيالعميق هنا أنه أميرا للمؤمنين في الديانات الثلاث، يسهرعلى حفظ الشعائر الدينية لكافة الأفراد داخل المجتمعباختلاف ديانتهم، وخلق روح الانسجام بين مختلف المكوناتالدينية بهدف تحقيق السلام ونبذ كل أشكال النزاع والتطرفالعنيف.
وعليه، فإن الأمر الذي ينبغي أن يعرفه تلاميذ ادريسفرحان ووريثه المدعو “هشام جيراندو” أنه لا دولة في العالمقادرة على فرض ديانة معينة على دولة أخرى، مهما كاننوعها وحجمها لأن الأمر هنا يدخل ضمن الأمن القوميللبلدان. وبذلك فالأصل هو مجهود مغربي تحت إشراففعلي من أمير المؤمنين نصره الله عبر المؤسسات الدينيةالمغربية (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المجلس العلميالأعلى، مؤسسة دار الحديث الحسنية، معهد محمدالسادس للقراءات والدراسات القرآنية، معهد محمد السادسلتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، المعهد الملكي للبحث فيتاريخ المغرب، مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة).
وتسهر هذه المؤسسات الدينية على تنزيل منهجية عملتهدف إلى إشعاع الدور المحوري لإمارة المؤمنين وبيانمعالم ومبادئ الاسلام الحقة البعيدة كل البعد عن ما هومعروف عن الاسلام من روايات خاطئة في المجتمعاتالغربية الأوروبية منها والأمريكية.
و نجاح هذه المؤسسات الدينية المغربية يزعج بشكلمباشر أعداء المغرب الذين قاموا بتجنيد أشخاص مثلتلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو وأخرون،وضعت لهم المخابرات الجزائرية مخططا لمحاولة تشويهالمؤسسات الدينية بإطلاق بروباغندا تضليلية حول كل ماهومرتبط بهذه المؤسسات من شخصيات دينية ودبلوماسيةوأمنية .
ولايمكن لهذه البروباغندا التضليلية أن تغطي عن الحقائقالتالية :
– ثانيا، أن الرواية التي يرددها تلاميذ إدريس فرحان ووريثهالمدعو هشام جيراندو حول بعض المساجد والجمعيات فيأوروبا أو بخصوص قرار المحكمة الإسبانية غير صحيحة ،لان القضاء الإسباني المتمثل في محكمة النقض بمدريدنشرت حكم البراءة ،وهو منشور إعلاميا في صحف ومواقعإسبانية .
– ثالثا ، ان الصراع بخصوص المساجد في فرنسا كاذبوغير صحيح ولا دليل عليه بشهادة المؤسسات والأجهزةوالاعلام الفرنسي والأوروبي. وإنما العكس هو الصحيح،فعلى سبيل المثال لا الحصر، منحت سلطات الجمهوريةالفرنسية المسجد الكبير لستراسبورغ، ذا العمارة المغربية،علامة (label) “العمارة المعاصرة الاستثنائية” (Remarquable)؛ وهو المسجد الذي يعتبر من حيثالمساحة المخصصة للصلاة الأكبر بفرنسا، كما يعتبر المغربالمساهم الرئيسي في تشييده وتمويله بأزيد من ثلاثة ملايينو900 ألف يورو، أي بنسبة 38 في المائة. كما أن ملكيةالمسجد تابعة لوزارة الأوقاف.
وبناء على هذه المعطيات ،بات من الواضح أن تلاميذإدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو يعتمدون على مايقدملهم من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية ،والدليل أنمايطلقونه من أكاذيب هو نفسه ماينشر ويروج له في الإعلامالعسكري الجزائري ،ويضاف إلى ذلك ترديدهم لبعضالمعلومات القديمة الخاصة بسوء تفاهم بين بعض المسؤولينفي تسيير بعض المساجد والتي تم حلها في حينه. فأقاوليهم غير صحيحة ، ولا دليل على ما استندت إليه،فالأمر مجرد بروباغندا تضليلية استعملها أعداء المملكةبهدف الابتزاز والنيل من صورة سمعة المغرب .
إضافة إلى هذا، فالذي ينبغي أن يعلمه تلاميذ إدريسفرحان ووريثه المدعو “هشام جيرالدو” أن المغرب يقومبتعاون في الملفات الخاصة بتسيير الشأن الديني في إطارواضح وشفاف، وبتنسيق حكومي بين مؤسسات وأجهزةحكومية للبلدان التي يتعاون معها بوضوح و شفافية وطموح في خلق شراكات هادفة ومتميزة في نشر السلاموالتسامح والأمن الروحي المشترك وتحصين المواطنينالأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام، ليس كما تفعل بعضالدول ،وعلى رأسها إيران الشيعية والجماعات الإسلاميةالمتطرفة التي تسعى إلى نشر تعاليم الدين السياسيوالتشدد وبسط السيطرة على المساجد بطريقة خبيثة تهدفالى نشر خطاب العنف وخطاب الكراهية والتطرف والارهابومعاداة السامية التي يبدو أن تلاميذ ادريس فرحان ووريثهالمدعو هشام جيراندو يرددونه بوعي أو عن جهل قد يسقطهمبسهولة في فخ جرائم داخل الدول الغربية بمجرد تحريكدعوى حول خطاب الكراهية ومعاداة السامية .
ومن الواضح اليوم، أنها حربا ضد المغرب ،وهي حربتخاض من طرف المخابرات الجزائرية بمغاربة تم تجنيدهم،حرب خاطئة لأنها تؤكد بالملموس على مكانة النموذج الدينيالمغربي وعلى التدبير الأمثل للحقل الديني من طرف المملكةالمغربية في مختلف بلدان العالم ،حرب ضد صورة المملكةالمغربية التي تستضيف وتسهر على تنظيم كبريات المؤتمراتالدينية التي يحضر فيها القادة الدينيين والمنفتحة على تلاقحالحضارات والإيديولوجيات وحوار الأديان والثقافات.
وبذلك ،لم يكن غريبا أن تستفز تلاميذ إدريس فرحان والمدعو جيراندو مسألة الكشف عن مصدر معلوماتهم الكاذبة،المعلومات التي قدمها لهم الدبلوماسي الجزائري المدعوعمار بلاني صديق إدريس فرحان وصديق نورالدين بغدادسفير الجزائر بكندا، والوسيط الجزائري المدعو رافعالصديق القديم لادريس فرحان وهشام جيراندو ،وأنيستفزهم سؤال حول سكوتهم عن مسجد باريس وفضائحشمس الدين حفيز الجزائري عميد المسجد.
ولابد من تنبيه تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندوإلى حدثين يدلان على استحالة نجاح مخطط المخابراتالعسكرية الجزائرية الرامي إلى ضرب صورة ومكانة المغربالروحية والدينية :
الحدث الأول ،أن عبدالعزيز بوتفليقة لما وصل للحكم أرادإبعاد الجزائريين عن حقل إمارة المؤمنين فأسقطهم فيالتشيع الإيراني ،ووقعت فوضى في الجزائر لدرجة أنالجزائريين اليوم بمجتمعهم ومعسكرهم لايعرفون هل هم سنةأم شيعة أم شيوعيين لازالوا في الحرب الباردة .
الحدث الثاني ، أن وسائل التواصل الإجتماعي المغربية فيتناولها الإعلامي لأحداث الجزائر جعلت وزير الخارجيةالسابق رمضان لعمامرة يخرج لصلاة العيد بلباس قريبمن لباس المغول ،وأن وسائل التواصل الاجتماعي المغربيةنفسها لما تساءلت عن غياب المسؤولين الجزائريين عن صلاةالأعياد خرج تبون وشنقريحة إلى مسجد بوتفليقة الكبيرمرغمين تحت الضغط الإعلامي المغربي وأقاما الصلاة فوقكرسيين في مشهد شبيه بالصلاة في الكنسية .