زنقة 20. الرباط
أكد رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي السيد شكيب بنموسى، أمس الثلاثاء بفاس، أن النموذج التنموي الذي اقترحته اللجنة يطمح لأن يكون رؤية استشرافية لمغرب الغد.
وأوضح السيد بنموسى، في كلمة ألقاها أمام الملك محمد السادس بمناسبة تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة، أن هذه الرؤية المقترحة تستند على الروابط المتينة والمتجذرة بين الملك والشعب والتي شكلت عبر التاريخ الأساس لأي تحول هام في المسار التنموي للبلاد.
رؤية استشرافية ترتكز على التاريخ العريق للمملكة وعلى الهوية الوطنية الغنية بتعددية روافدها
اعتبر السيد بنموسى أن التقرير العام الذي أع د ته اللجنة ن تاج أفكار وتصورات واقتراحات تمت صياغتها وبلورتها من طرف المغاربة مع المغاربة ومن أجل المغاربة، كما دعا إلى ذلك الملك.
وبناء على مقاربة للذكاء الجماعي، يضيف السيد بنموسى، اقترحت اللجنة رؤية استشرافية لمغرب الغد، ترتكز على التاريخ العريق للمملكة وعلى الهوية الوطنية الغنية بتعددية روافدها وعلى القيم الدينية المبنية على مبادئ الانفتاح والاعتدال والحوار.
وأكد السيد بنموسى أن المكتسبات التي حققتها المملكة في عدة ميادين تشكل محل إجماع المواطنات والمواطنين وكذا كافة القوى الحية للبلاد التي استمعت إليها اللجنة. وهو ما من شأنه أن يشكل دعامة أساسية لبناء المستقبل.
وشدد على أن جلسات الإنصات المواطنة والمؤسساتية أبانت عن ضرورة بذل جهود إضافية، وأبرزت بعض الانشغالات فيما يتعلق بتعثر سبل الارتقاء في السلم الاجتماعي والشرخ الاجتماعي المترتب عنه. كما تم التعبير خلال هذه الجلسات أيضا بشكل جلي، يضيف السيد بنموسى، عن أزمة الثقة إزاء بعض المؤسسات، مؤكدا أنه “إذا كانت هذه الانشغالات لا ت ؤثر على الإحساس العميق بالانتماء للوطن إلا أنها ت غذي العزوف عن الشأن العام والشعور بعدم الرضا جراء الهوة ما بين الوعود المقدمة وترجمتها على أرض الواقع “.
وأشار إلى أن اللجنة رصدت أربع معيقات تشكل السبب وراء ضعف مردودية النموذج الحالي، تتعلق أساسا بغياب الانسجام بين الرؤية الاستراتيجية والسياسات العمومية، وببطء التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى القدرات المحدودة للقطاع العام فيما يخص تفعيل السياسات العمومية، والإكراهات التي تحد من المبادرة.
ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بثوابت الأمة
من بين الخيارات الاستراتيجية التي أوصت بها اللجنة، حسب السيد بنموسى، تنمية الرأسمال البشري وتفعيل آليات الارتقاء الاجتماعي، عبر تعزيز القدرات بواسطة نظام صحي ناجع وفعال بإمكانه إنتاج الأدوية واللقاحات الأساسية، من أجل استباق تدبير المخاطر الناجمة عن الأزمات الصحية المتكررة في المستقبل؛ وأيضا من خلال منظومة للتعليم والتكوين تهيأ الكفاءات لمغرب الغد، في إطار نهضة تربوية تضع التلميذ في صلب أولوياتها وتضمن التعبئة الشاملة لهيئة التدريس داخل مؤسسات تعليمية مسؤولة. كما ينبغي أيضا للمدرسة أن تضطلع بدورها فيما يخص ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بثوابت الأمة.
ومن أجل تقوية الرابط الاجتماعي، تؤكد اللجنة على أهمية تعزيز إدماج كافة المواطنين، خاصة النساء والشباب، من خلال التمكين والمشاركة الموسعة، بالإضافة إلى إرساء نظام حماية اجتماعية أكثر فعالية، وذلك وفق التوجيهات الملكية السامية . كما تؤكد اللجنة، في هذا السياق، على أهمية تعبئة التنوع الثقافي كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك الاجتماعي.
وتحث اللجنة أيضا، يضيف السيد بنموسى، على تكريس الدور المحوري للمجالات الترابية كنواة لترسيخ دينامية تنموية مستدامة وكذا تحسين إطار عيش الساكنة من خلال عرض سكني يستجيب لمعايير الجودة ويوفر خدمات للقرب سهلة الولوج.
وبموازاة مع هذه الخيارات الإستراتيجية، أكد أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، تقترح خمسة رهانات للمستقبل بإمكانها أن تجعل المغرب مركزا إقليميا في ميدان التعليم العالي والبحث والابتكار؛ وبلدا رقميا؛ ورائدا في مجال الطاقة التنافسية والخضراء؛ وقطبا ماليا على الصعيد القاري بالإضافة إلى إرساء علامة «صنع في المغرب» كوسيلة لتثمين إمكانات ومؤهلات المملكة وللاندماج أكثر في سلاسل القيمة العالمية.
ميثاق وطني وآلية للتتبع والتحفيز من أجل إنجاح النموذج التنموي
قصد إطلاق دينامية التغيير، أكد السيد بنموسى أن اللجنة تقترح تعبئة رافعتين أساسيتين، أولاهما تحديث الجهاز الإداري من حيث الكفاءات ومنهجية العمل، بالموازاة مع الإصلاحات القطاعية الضروري. فيما تتجلى الرافعة الثانية في الاعتماد على الرقميات بشكل مكثف بالنظر إلى آثارها من حيث الرفع من جودة الخدمات العمومية وتحسين الشفافية ودورها الفعال في محاربة الرشوة وترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن.
وشدد السيد بنموسى على أن تفعيل النموذج التنموي الجديد يتطلب قيادة حازمة من أجل ضمان التعبئة الشاملة وقدرات عالية من حيث التنفيذ والتتبع.
وفي هذا الصدد، أوضح السيد بنموسى أن اللجنة ترفع إلى الملك مقترح آليتين، تتمثل الأولى في ميثاق وطني من أجل التنمية، يهدف إلى تكريس النموذج التنموي الجديد كمرجعية مشتركة لكافة القوى الحية بكل تعدديتها.
أما المقترح الثاني فيتعلق بآلية للتتبع والتحفيز، تحت الإشراف السامي لجلالة الملك، مهمتها مواكبة الأوراش الاستراتيجية التي تندرج في الأفق الزمني الطويل وكذا دعم مسار التغيير.
وبإمكان هذه الآلية، حسب السيد بنموسى، أن تساهم في ترسيخ روح المسؤولية وتعزيز نجاعة الفعل العمومي، خدمة لمصلحة كافة المغاربة، نساء ورجالا. وتندرج هذه الآلية في إطار توازن السلط الذي ينص عليه دستور المملكة وبالنظر إلى الدور المركزي للمؤسسة الملكية كعماد الدولة والحاملة للرؤية التنموية وللأوراش الاستراتيجية ذات البعد الزمني الطويل والحريصة على تنفيذها بما يضمن مصلحة المواطنين.
وسجل أن تقرير اللجنة أبرز أن المغرب، في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، واعتبارا للإمكانات المهمة التي يزخر بها، قادر على تعبئة كافة ساكنته وقواه الحية بغية توطيد أسس مجتمع منفتح، عادل ومنصف، يعزز قدرات كافة أفراده ويؤمن الفرص للجميع، خدمة لتنمية البلاد وإسهاما منه في بناء عالم أفضل.