كورونا و عبث الإسلام السياسي
بقلم :رشيد قنجاع
في غياب المنطق يخلق الوحوش
فرانسيسكو دي غويا 1799
شكلت مرحلة ما سمي بالربيع العربي ،بفشلها الدريع في تحقق وصول أحلام الشباب و أهدافهم في دولة ديمقراطية بثلاثية الأولويات حرية كرامة وعدالة اجتماعية ،التي سطروها بعفوية شقية،و في غياب رؤية موحدة تأطيرية للتكتيكي و الاستراتيجي، فرصة تاريخية لتيارين بارزين للانقضاض على نتائج الحراك في دول الحراك ينايري، تيارين محافظين متصالحين ومتنافرين حسب كل دولة و تركيبتها و خصوصيتها و جغرافيتها، ديني و عسكري ،تياران اعتليا منصة الفعل السياسي العام ،على أنقاض جثت و أحلام فاعلين حقيقيين آمنوا باللحظة و دقتها الحاسمة و تناسوا و غفلوا عمدا أو عن غير عمد ، دقة المرحلة و حاجتهم فيها إلى الآليات التنظيمية و الفكرية و التخطيط و القيادة، فكان المآل، بروز نماذج للحكم و للممارسة السياسية في هذه الدول اتسمت طيلة عقد من الزمن تقريبا، بإعادة إنتاج السلطوية و الاستبداد، و الإغراق في النكوص و التراجع و التفقير و السوداوية، انبثق عنها حنين إلى نماذج ما قبل الحراك.
يحاول هذا المقال إستبيان ، ان حيثيات و مستتبعات ظرفية الربيع العربي و نتائجها ظلت هي نفسها و بتعميم نسبي سواء من حيث واقع حال دول انهكت بشريا و مؤسساتيا و بنية تحتية و في أمنها واستقرارها ، و بين دول الاستثناء التي اقتنص فيها المحافظون الجدد بأوجههم المتعددة سلطة القرار المتحكم في رقاب العباد و مصائر البلدان.
في مغرب الاستثناء، فهم التيار المحافظ ان اللحظة التاريخية التي تدور في محيطه ، و دون أن يكون فاعلا او مساهمة رئيسيا فيها، فرصة لا تعوض للتجلي و البروز، لإيهام الدولة و المجتمع عبر تقديم نفسه كبديل منقد ،الذي باستطاعته قيادة دفة سفينة الوطن نحو بر الأمان. فكانت له ما أراد، سياسيا و مجتمعيا، تسلم على إثرها دفة القيادة بشعبية محدودة ، تصلح فقط في الدول القزمية و ليست في الدولة الأمة العريقة في التاريخ و المتأصلة جغرافيا ، و ذات تركيبة مجتمعية واسعة، متعددة و متنوعة.
عقد من الزمن تقريبا و نحن نرهن مصيرنا إلى تنظيم أثبتت المحطات التاريخية عدم تملكه لرؤية مستقبلية قادرة على الوصول بالوطن إلى بر الأمان، تنظيم اثبت و يثبت يوميا و بالملموس عدم امتلاكه لأطر بشرية كفؤة سياسيا و معرفيا و تتحكم في آليات للخطاب،قادرة على قيادة دولة من قبيل الدولة المغربية.
أثبتت سبع سنوات من عمر هذه الحكومة بزعامة بنكيران و العثماني ،اننا أمام دولة تسير بدفتين متباعدتين، كل دفة تنسخ خطوط سير الأخرى في تجاذب لا يتوقف إلا بتدخل ملك البلاد لتقويم و تعديل المجرى. خلال هذه المدة و في غياب البوصلة و المنطق و المنهج ، أخرج التيار المحافظ المتحكم في توزيع الأدوار و المهيمن انتخابيا، أنيابه و مخالبه للعلن كاشفا عن الوحش الساكن فيه، عبر في تدرجه السياسي المتملق عن طبيعة بنيته التقليدية التي تستطيع التأقلم و الترعرع في نهج الاقتصاد الليبرالي، و لو حتى في الوجه المتوحش لهذا النمط من الإنتاج، و هنا أستحضر كتاب مهدي عامل ” أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازية العربية” في تناوله البعد الرأسمالي لبنية نمط الإنتاج التقليدي.
بحكم هذا الانتماء للبنية الاقتصادية،أظهر المحافظون الجدد انسجاما و تناغما ، حد تحولهم الى المدافعين الشرسين على مصالح أصحاب الشركات و المتاجر الكبرى محليا و دوليا،أقنعت كل المشككين في صحة أطروحة المرشحة للرئاسيات الأمريكية و وزيرة خارجيتها السابقة السيدة هيلاري كلينتون، التي تنبأت بأهميتهم و دورهم كحلفاء موضوعيين، يمكن الوثوق بهم و العمل معهم على رسم معالم مستقبل جديد للمنطقة.
عمدت الحكومة العدالة و التنمية منذ وهلتها الأولى بكرسي السلطة سنة 2013، الي تبني قاعدة حربية للعمل تقول على سن ضربات وقائية لتهديدات محتملة و ليست قائمة، وضعت في قائمة مستهدفيها بشكل مكشوف و متسلسل فئات و مكونات الطبقة الوسطى و الصغيرة،عبر ترسانة من الإجراءات و التدابير و القوانين الاستنزافية التفقيرية.
شكلت هذه الطبقة، هدفا فجا، لحكومتي بنكيران و العثماني و باقي مكوناتها، و هو استهداف تتقاطعان فيه مع باقي حكومات اليمين في العالم، و كأننا أمام عملية نسخ للقرارات فيما بينها، الهدف من ورائها زرع قيم غريبة و أدوار جديدة في جسم هذه الطبقة من قبيل قيم النفاق و المجاملة و التملق و البرغماتية الضيقة و نهج أساليب الوصاية و المحسوبية سواء في الإدارة او في التسلق الحزبي و كذا في كل مناحي فعلها الثقافي و الاقتصادي، بغية تحقيق مكانة اجتماعية في محيط الدوائر الغنية.
و لتحقيق هذا ، يريد المحافظون الجدد من مخططهم ابعاد و إلهاء هذه الطبقة على التركيز على دورها التاريخي المنصب حول مشروعها الثقافي و المجتمعي و الجماعي ذو بعد تنوير المرتبط بوعيها الطبقي، و جعلها عديمة التأثير في صنع القرار السياسي مع حرمانها تدريجيا من مد المجتمع بالأفكار و الفن و الثقافة و الإبداع ، كامتداد لدورها الحاسم في بناء الدولة الوطنية.
وقد نجحت هذه الحكومة بوجهيها طيلة سبع سنوات، اعتبرت من طرف اهم مراكز الدراسات بالسنوات العصيبة في تاريخ المغرب، نجحت في توسيع فجوة الفوارق إلاجتماعية، عبر تفقير الطبقة المتوسطة و تقريبها لملازمة الطبقة الفقيرة، عبر قرارات اقتصادية حساسة من قبيل رفع الدعم وزيادة الضريبة و غياب عدالة ضريبة مع فتح المجال للإثراء غير المشروع و اليوم عبر محاولة تمرير قانون مشؤوم يطبق على حق المغاربة في التعبير.
ان المتحكم في مخططات المحافظون الجدد، هو مزاوجتهم بين الأنانية الشوفينية العنيفة، و جهلهم بحركية المجتمع، و ولائهم للخارج عقيدة او مالا، و عقدتهم التاريخية من إشكالية المكتسبات الديمقراطية و الحقوقية و إلاجتماعية التي حققها الشعب المغربي بنضاله المرير إلى جانب قواه الحية، دون مشاركتهم.
ان الثقافة السياسية المغربية ،تتأسس على المركب العام بين المغاربة ،دولة و شعبا،المتجسدة في مثانة و صلابة الوطنية المغربية،و التمسك بالمؤسسات، و هو الزخم الذي عشناه في اللحظة العصيبة التي يمر بها كوكب الأرض بسبب تفشي وباء كورونا،و من من ضمنها المغرب ، زخم وطني حقيقي صادق ، كان من معالمه إجماع وطني ساهم فيه الجميع بضرورة حماية و المواطنين عبر التزام المغاربة بالإجراءات الاحترازية الوقائية.الى ان جاء مشروع قانون 20/22 ، ليبعثر و الأوراق، و يستهدف روح هذا الاجماع، بغرض تشتيت الانتباه حول المنجز الميداني في هذه الظرفية ، حتى لا يحسب لجهة دون غيرها، و هم في ذلك خبراء حيث يحكمون لعبة خلق الصدامات والمشاحنات و الاختلافات داخل المجتمع الواحد، رغبة في خلق الانقسام ، الذي في تحققه ،يتحقق عندهم فعل الاستقطاب ،عبر خطة تقسيم الأدوار و تجييش المريدين، فيظهرون أكثر تنظيما و أكثر تحكما.
إن سفينة الوطن مصابة بعطب ميكانيكي ،يمنعها من أخد مسار بر الامان، بل هي الآن بين يدي التيار البحري الذي يقودها رغما عنها نحو الشاطئ الصخري، في ظل أنباء عن أحوال الطقس غير المطمئنة،مما يتطلب تدخلا عاجلا من هيئة الانقاد الخبيرة في مثل هذه الحالات، للنجاة من عبثية العابثين، و أنانية الإطلاقيين، و تربص المرتزقين.