زنقة 20 . الرباط
قال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، عمر الشرقاوي، إن “حزب العدالة والتنمية أطلق أمس خلال مناقشته للبرنامج الحكومي عنوانا جديدا للممارسة البرلمانية، ينضاف للعناوين المثيرة التي دأبت آلة البيجيدي على صنعها باتقان منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي بعيدا عن الانماط المدرسية الصارمة التي تجعل من الأحزاب مؤيدة بلا هوادة للتجارب الحكومية او معارضة بشراسة لها. ومكنت الواقعية السياسية التي اكتسبها الحزب منذ أكثر من 25 سنة على ولوج الإسلامين للمؤسسات الدستورية من بلورة ملكات بيداغوجية سياسية تسعفهم على تحقيق مكاسب السياسية مهما كان موقعهم السياسي الذي اختاروه بطواعية أو دفعوا اليه دفعا”.
وأضاف عمر الشرقاوي في آخر مقال له: “لقد نجح النمط الذرائعي والواقعية السياسية التي أصبح يتقنها حزب العدالة والتنمية في تصليح الكثير من تماديات الطوباوية الاديولوجية والدينية التي ينهل منها، وأصبح أطره يفصلون مواقفهم السياسية لتنسجم مع الواقع المعيش، والتجاوب مع الإكراهات الموجودة من خلال النظر الى النتائج العملية وليس اعتمادا على الأفكار الديمقراطية الطهرانية أو المبادئ الأيديولوجية النقية. فهاته البرغماتية السياسية التي عبر عنها في لحظات متعددة تجعل الحزب يتماشى مع الرياح التي تجعله داخل القانون عوض أن تكون خارجه، وحاضر في مركز القرار الحكومي عوض أن تبقى بعيدا عنه”.
وفي ذات السياق، أكد المحلل السياسي أن نمط الثقافة السياسية الذرائعية لدى حزب العدالة والتنمية لها بواعثها الدينية والعقدية في تكوينه. فالفقه المقاصدي الذي تبناه الحزب يبقى هو ضمان للتوازن بين ماهو سياسي وما هو إيديولوجي، ما هو مبدئي وما هو مصلحي حيث يتم تسخيره في خدمة الواقعية والبراغماتية السياسية، لكن هذا لا يقلل من شأن دور السياق السياسي، في تحفيز النزعات البرغماتية والذرائعية. فهذا السياق أكسب الحزب مزيدا من النفعية والقدرة على إقامة علاقات متزنة مع باقي الفاعلين السياسيين والمؤسسات الدستورية، واعتماد الحلول الوسطى والتوافق مع المعطيات السياسية الطارئة التي قد تكون مخالفة لطموحاته.
واعتبر الشرقاوي، أن هذا بالفعل ما بدا واضحا في مواقف الذراع البرلماني لحزب العدالة والتنمية اتجاه موقفه حكومة يقودها بنفسه. فوجود تنازلات مؤلمة بنظر الكلمة السياسية للفريق النيابي لن يكون حائلا دون مساندة الحكومة التي يقودها أحد رموزه التاريخيين، لكن مع وجوب اصطحاب هذه المساندة دوما بالقاعدة الشرعية المعروفة في ارتكاب أخف الضررين وتحمل أهون الشرين وتفويت أدنى المصلحتين وهي قاعدة برغماتية سياسية تساعد على تقديم تبريرات شرعية لوضعيات سياسية مختلفة، مؤكدا أنه “يحاول شعار المساندة الراشدة والناصحة والمبصرة الذي استعمل جزء من مفاهيمه بشكل مغاير خلال حكومة اليوسفي عندما تحول الحزب من المساندة النقدية إلى المعارضة الناصحة، إلى محاولات تبرير وصفة حكومية “مهينة” بحسب بعض اصوات العدالة وفي نفس الوقت التباكي على حكومة لم يتم إدركها (حكومة بنكيران).”
وشدد الدكتور عمر الشرقاوي، على أنه بالرغم من الحضور اللافت لقاموس فقهي يؤطر سلوكات ومواقف حزب العدالة والتنمية اتجاه الحكومة خلال الولاية الحالية بناء على النصح والرشد والتبصر، إلا أن هذا الأخير يبقى حزبا براغماتيا بكل ما للكلمة من معنى، فهو يمارس اللعبة السياسية بكل دنيويتها بما فيها المناورات والتحالفات السياسية المبنية على المساومات والمقايضات مع الأحزاب الأخرى التي لا يجمعه معها أي مشترك ايديلوجي أو سياسي أو تاريخي.
وختم الشرقاوي مقاله بالقول: “مهما كان ثقل المكاسب السياسية التي تقف وراء اعلان فريق العدالة والتنمية لخيار المساندة الناصحة والمتبصرة، فهذا لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن جزء من التفسيرات المسكوت عنها للدعم السياسي المشروط لحزب العدالة والتنمية للحكومة هو الحاجة الجوهرية التي لا يستطيع الاستغناء عنها، أو الاستمرار في الوجود بدونها أي حزب، وهي حاجة المحافظة على كيانه وصيانته من التصدع و الانشقاق والانهيار، ففي بيت المساندة الناصحة يمكن أن يتعايش ويتساكن بشكل أخوي المعارض والمؤيد المستفيد والمتضرر من حكومة العثماني”.