ما الفرق بين القباج وبنكيران و الرميد ؟
بقلم : أحمد عصيد
يجوز لكل واحد أن يوجّه النقد لغيره، وأن يعبّر له عن عدم اتفاقه مع مواقفه وأفكاره، بل وحتى عن قلقه أو امتعاضه وعدم رضاه، وأن يقدّم في بيان ذلك ما بحوزته من حُجج وبراهين يستقي بعضها من الواقع أو يستمدّها من التاريخ أو من منطق الفكر، أو من المرجعيات الحقوقية أو الدينية أو الأخلاقية المختلفة، شرط أن تكون تلك المواقف غير مُجرّمة قانونيا، لكن ليس من حق أي كان أن يمنع غيره من حق من الحقوق الأساسية، بسبب مواقف وآراء سابقة له لم تعد هي بالتحديد مواقفه الحالية. إن حرمان المواطن السلفي حماد القباج من حقه في الترشح إلى الانتخابات ودخول البرلمان هو إجراء لا يخلو من سلطوية وتعسف، للأسباب التالية:
ـ أولا لأن الأفكار التي تنسب إليه لم يؤكدها في خرجاته الإعلامية بعد ترشحه ولم يدافع عنها، بل عبر عن عكسها تماما، وتبرأ منها بشكل من الأشكال، وهو موقف يعبر بشكل واضح عن مراجعة للمواقف السابقة، وخاصة منها كراهيته لليهود والتحفظ على قيم الديمقراطية.
وقد بدا في تصريحاته واثقا من نفسه مطمئنا إلى أفكاره التي لا تتعارض مع القوانين ولا مع قواعد العمل المؤسساتي، الذي يتهيأ للدخول إليه.
ـ ثانيا إن القول بأن مواقفه الأخيرة مجرّد تقية لا يبرّر حرمانه من حقه في المشاركة في الحياة السياسية، لأن هذا نوع من محاكمة للنوايا، بدليل أن أمثاله من أعضاء حزب “العدالة والتنمية” الذين أصبحوا وزراء ونوابا برلمانيين يحملون نفس الأفكار في بواطنهم سواء تجاه اليهود أو القيم الديمقراطية أو اغتصاب القاصرات باسم الزواج ولكنهم يمارسون التقية ويظهرون الولاء للدولة وللقوانين من منطلق شعورهم بعدم إمكان الدفاع عن أفكار لم تعد ذات مصداقية في السياق الراهن.
ولهذا تجدهم مثلا عندما يتجمهرون في الشارع خلال مسيرة التضامن مع فلسطين يقفز المكبوت النفسي إلى السطح فيصرخون جميعا بصوت واحد “خيبر خيبر يا يهود”، وهو شعار يحيل كما هو معلوم على الذبح والقتل ويستهدف اليهود عامة لا بعضهم دون بعض، وهؤلاء الذين يرفعون هذا الشعار من حركة التوحيد والإصلاح على الخصوص لا يجرؤون على قول مضمونه أفرادا بشكل علني أو الدعوة إليه أو الدفاع عنه، وذلك من منطلق علمهم بأن موقعهم في الدولة لا يسمح لهم بذلك، وبأن مثل تلك الأفكار لم يعد لها سياق في عصرنا الحالي الذي تعدّ فيه حقوق الإنسان والمساواة في المواطنة من مرتكزات الدولة الحديثة.
ومن المعلوم أن العمل المؤسساتي يجعل الإسلاميين المتشدّدين أكثر واقعية وتقبلا للقوانين بحكم التجربة والاحتكاك بغيرهم من الفرقاء الآخرين داخل دواليب الدولة.
فالسيد القباج لا يختلف في مواقفه سواء السباقة أو الحالية عن رئيس الحكومة وعن وزير العدل والحريات مثلا، الفرق بينهم هو المواقع التي تفرض واجب التحفظ على البعض دون البعض الآخر، كما تمكن من المراجعة والتصحيح.
ـ ثالثا ليس السيد القباج وحده من عبّر عن طموح سياسي ورغبة في الترشح بل هناك سلفيون آخرون مترشحون ومنهم من عبّر في السابق عن آراء أكثر تطرفا من السيد القباج، لكنه اليوم يقول خلافها تماما ويعبر عن استعداده لأن ينال ثقة الدولة والمواطنين وخوض غمار العمل السياسي المشروع.
إن الحكم على حماد القباج بالتواجد خارج العمل السياسي هو إجراء متعسف بلا شك، ونخشى أن يكون ضحية الصراع بين الحزبين الكبيرين، اللذين نتمنى ألا تسفر المواجهة بينهما عن خسائر للديمقراطية البطيئة والمتعثرة في بلدنا.
هذا الأحمق يمسك بطرف كل حديث حتى وإن كان لا يعنيه. تماما كما يفعل أطفال الشوارع يتعلقون يالسيارات والشاحنات لتجرهم.