المغرب ليس مسؤولا عن أزمة الرجال في الجزائر
بقلم : محمد إنفي
أول من تحدث عن “أزمة الرجال في الجزائر“، هو العقيد الهواري بومدين (بوخروبة) الذي استمر على رأس الدولة الجزائرية من سنة 1965 (تاريخ انقلابه على الرئيس الشرعي أحمد بنبلة) إلى حدود سنة 1978 حيث وافته المنية. وحسب بومدين، فالجزائر كانت تعاني في عهده من أزمة رجال، رغم ما كان فيها من قادة وسياسيين كبار من أمثال محمد بوضياف، حسين أيت أحمد، أحمد طالب الإبراهيمي،بوتفليقة، الأخضر الإبراهيمي، علي كافي، رضا مالك وغيرهم. فماذا كان سيقول بومدين على الجزائر لو أطال الله في عمره وعاش حتى صار على رأس الجمهورية الجزائريةعبد المجيد تبون وعلى رأس أركان الجيش سعيد شنقريحة،وأصبح فيها مهبولون قادة لأحزاب سياسية، كعبد القادر بن قرينة على سبيل المثال، وأصبح، بالتالي، حال الجزائر لا يرضي لا العدو ولا الصديق؟
إن الأزمة التي تحدث عنها بومدين في سبعينيات القرن الماضي، قد تفاقمت بشكل مأساوي وأصبح الرجال في الجزائر عملة نادرة. والمقصود بالرجال، هنا، ليس الذكور؛ بل الأشخاص الذين تتوفر فيهم صفات الرجولة. والفرق كبير بين الذكورة والرجولة؛ فالذكورة تعني النوع أو الجنس؛ وهو تعريف بيولوجي؛ بينما الرجولة لا علاقة لها بالبيولوجيا. فكم من مرة سمعنا ونسمع أن فلانة بألف رجل كناية عن شجاعتها وسمو أخلاقها ورجاحة عقلها…! فالرجولة، إذن،ليست حكرا على الذكور؛ وهي مجموعة من الصفات بعيدة كل البعد عن التمايز البيولوجي؛ ذلك أن الرجولة لها علاقة بالفكر والسلوك والموقف الذي يتسم بالحكمة والرزانة والحنكة والثبات وقت الشدة؛ كما تعني الرجولة الصدق في القول والفعل وتعني الوفاء واحترام الآخر وغير ذلك منالصفات الحسنة.
فهل يوجد شيء من هذا في الجزائر الحالية؟ إننا نادرا ما نسمع صوتا يصدح من داخلها بالحقيقة ويعري الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الجزائري؛ في حين، يملأ أنصار النظام العسكري، بمن فيهم أبناء بيوت الرذيلة كما يسميهم شوقي بن زهرة، يملؤون وسائل الإعلام بمختلفأصنافها بالتطبيل والتهليل لتبون والنظام العسكري ويتهجمون بأسلوب منحط على المعارضين الجزائريين، على قلتهم، في الداخل والخارج.
وتجد الإشارة إلى أن الفتيات الجزائريات يشتكين، هنأيضا، من أزمة الرجال. فكم من فتاة ترفض الزواج بالجزائري وتفضل غيره. لذلك، تغامر بنفسها وتركب موجة الهجرة لعلها تصادف رجلا شهما تقضي معه حياتها في الحلال. وفي حال فشلها في هذا المسعى، فربما لن تجد أمامها سوى أقدم مهنة عرفها العالم. وأقتبس من مقال للسيد بلقاسم الشايب بعنوان “صدق المقبور بومدين حين قال أنالجزائر ازمتها الوحيدة هي أزمة رجال” (نشر بـ”الجزائر تايمز” بتاريخ 9 يوليوز 2023)، أقتبس منه محتوى فقرة يؤكد فيها حقيقة اختلاط الجينات الوراثية في الجزائر منذ أمد بعيد، بدءا من المستعمرين الأوائل (الإسبان) مرورا بالعثمانيين والفرنسيين وصولا إلى الطفرة الجديدة مع الأفارقة والصينيين (فعبارة أخلاط الناس التي يستعمها الناشط في “اليوتيوب” حسن المرنيسي في فيديوهاته لها ما يبررها، ماضيا وحاضرا). “أما الجين العربي والأوربي، يقول بلقاسم الشايب، فذاك لم يعد يشكل اختلافا واضحا بيننا بعدما أصبحت بناتنا تسافر إليهم فالخليج العربي والمحيط الاوروبي امتلأ ببنات الجزائر وبغلمانها والأدهى من هذا أن الجنرالات هم من يسهلون لهم تأشيرات السفر والإقامة بهذه الدول والغريب في الأمر أنك عندما تسال هؤلاء الهاربات من البلاد عن السبب وراء ذلك يجبنك جوابا واحد الجزائر لم يعد فيها رجال…” (يبدو أن صاحب هذا المقال لا يعرف شيئا عن علامات الترقيم في الكتابة العربية. فليس في الصفحة لا نقطة ولا فاصلة. كل ما فيها نقطة تعجب واحدة وضعت بشكل غير صحيح وثلاث نقط في آخر المقال).
خلاصة القول، أزمة الرجال في الجزائر أمر مسلم به ومعطى ثابت وواقع ملموس، باعتراف أهل الدار. وليس للمغرب أية مسؤولية في هذه الأزمة؛ بل هي من إنتاج الدولة والمجتمع الجزائريين. فمؤسسات الدولة والمجتمع هي التي تنشئ إماالرجال أو أشباه الرجال. وإذا قارنا، مثلا، بين ديبلوماسية الجارتين المغرب والجزائر، ندرك الفرق الشاسع بينهما، سواء من حيث الاستقرار أو من حيث الفعالية. ففي المغرب، يشغل السيد ناصر بوريطة، منذ أبريل 2017، منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج؛ بينما في الجزائر، تعاقب على الخارجية ست وزراء منذ 2017 إلى اليوم؛ الشي الذي يدل على عدم الاستقرار وعلى عجز الدولة الجزائرية في إيجاد نِدٍ لرجل اسمه بوريطة والذي يقض مضجع الديبلوماسية الجزائرية، وله، ولا شك، نصيب وافرمن التأثير الذي يجعل الخارجية الجزائرية تعاني من عدم الاستقرار.
ونظرا لبعض التشابه بين كرة القدم كلعبة تتطلب المهارة والديبلوماسية كأسلوب وفن التفاوض، ارتأينا أن نقف قليلا عند اسم فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي يشكل، من جهته، كابوسا حقيقيا لمسؤولي “الفاف” (الاتحادية الجزائرية لكرة القدم) وبُعْبُاً دائم الحضور في الإعلام الرياضي الجزائري؛ هذا الإعلام الذي، بدل أن يناقش أسباب فشل الفاف وتقهقر المنظومة الكروية في الجزائر، يلقي باللوم على لقجع ويستجمع كل سلبيات مسؤولي الرياضة الجزائرية ويستحضر كل تلاعباتهم في “الكاف”، ليتهم بها المسؤول المغربي؛ إذ لن تجد بلاطو واحدا للإعلام الرياضي الجزائري لا يحضر فيه اسم لقجعالذي يُتهم بالكولسة وشراء الذمم وغير ذلك من السلوكاتالمشينة المألوفة لدى المسؤولين الجزائريين (نعرف الشيء الكثير عن ديبلوماسية الشيكات).
وإذا كان أسد الديبلوماسية المغربية، قد تسبب في تغيير خمس وزراء للخارجية الجزائرية والسادس (أحمد عطاف) في الطريق؛ إذ أيامه في الخارجية تبدو معدودة بسبب توالي الصفعات الديبلوماسية التي يتلقاها من هنا وهناك، فإن فوزي لقجع، ويا لها من صدفة، أنتخب في مارس 2017 (أي شهر بعد تولي بوريطة حقيبة الخارجية) عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي ممثلا لمنطقة شمال إفريقيا، متقدما على منافسه الجزائري محمد روراوة بـ 41 صوتا مقابل 7 أصوات. ومنذ ذلك التاريخ والجزائر خارج اللجنة التنفيذية للكاف؛ وما دام الأسد المغربي هناك، فلن يفرح أي مرشح جزائري بالعودة إلى الجهاز التنفيذي للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، خصوصا وأن أزمة الرجال في الجزائر أصبحت مزمنة.