تحليل: هل يتجه ‘العدالة والتنمية’ لإستغلال العزوف عن الانتخابات لتحويل البرلمان قُبةً للمُتشددين لتشريع ‘زواج الطفلات’ وتكفير الأحزاب الحداثية؟
زنقة 20. الرباط
يواصل حزب العدالة و التنمية إخراج اللحظة الانتخابية من سياقها السياسي المحض، القائم على المنافسة فيما بين البرامج الحزبية، إلى لحظة جهاد تباح فيها كل الأسلحة المتاحة رغبة في ربح أكبر مساحة ممكنة من فضاءات تدبير الشأن العام كخطوة أولى في أفقت تثبيت المشروع الديني/السياسي للحزب الذي بدأت تتضح معالمه شيئا فشيئا.
إن حزب العدالة و التنمية أبى إلا أن يجعل من الدين مرة أخرى مطية لتحقيق أهدافه السياسية، لكن هذه المرة عبر بوابة سلفية لا يجمعها بالحزب لا القناعات السياسية و لا النضالات المشتركة و لا المنطلقات الفقهية.
لقد دفعت حمى الانتخابات حزب العدالة و التنمية إلى ترشيح السلفي حماد القباج على رأس لائحة الحزب بدائرة جليز النخيل بمراكش كهدية لدعمه لعبد الإله بنكيران خلال انتخابات 4 شتنبر 2015، و اعتباره آنذاك التصويت على حزب العدالة و التنمية “واجب شرعي” و من “تقوى الله”، و قصفه باقي الأحزاب الوطنية و نعت قياداتها “بالتكفير و الرجس والخروج عن ملة الدين”.
فأي موطأ لأفكار القباج ضمن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية و هو سليل مدارس محمد بن عبد الرحمن المغراوي صاحب فتوى زواج الطفلة ذات التسع سنوات، و الناطق الرسمي لجمعيته “الدعوة إلى القرآن و السنة”، بل هو الرئيس العام لتنسيقيات “دور القرآن” التي أثبتت الممارسة إنتاجها لأفكار عدمية دفعت البعض من تلاميذتها إلى الارتماء في أحضان بعض التنظيمات المتطرفة.
ترى هل استشعر حزب العدالة والتنمية أنه يحتاج خلال المرحلة المقبلة إلى من يذكره بالمنطلقات الفكرية التي تشبع بها قادته أيام العمل السري ضمن الحركات الإسلامية، هل الرغبة في وجود القباج ضمن الفريق البرلماني للحزب يحكمها الطموح في إضافة جرعة جديدة من الفكر الظلامي و تجسيده في القوانين والسياسات العمومية؟.
الأكيد أن هذه الخطوة كشفت عن تخلي الحزب عن جزء من “تقيته”، و الله وحده يعلم ما تبقى من هذه التقية، و ما تخفيه معها من مشروع سياسي بعيد كل البعد عما يرتضيه المغاربة.
إن حزب العدالة و التنمية يستغل بكل وضوح الآليات الديمقراطية، التي تم إرساؤها بفضل نضالات الأحزاب الوطنية، ليعبد الطريق أمام دعاة التطرف لولوج المؤسسات الدستورية، و ما يشكله ذلك من نكوص و تراجع عن القيم الديمقراطية، و من تخلف عن المنهج الوسطي المعتدل الذي اختارته المملكة المغربية كسبيل و خيار يحفظ وحدة المغاربة و يصون استقرارهم.
لقد كان من الأولى للحزب أن يحرص على احترام الممارسة الديمقراطية داخل صفوفه و أن يعكس إرادة تنظيماته المحلية، فكيف سيستسيغ أعضاء الحزب قيام قيادته بنسف مجهوداتهم التنظيمية لتضع على رأس اللائحة شخص لم يسبق له أن تحمل عناء العمل الحزبي.
فالقواعد تشتغل والقيادة تُرضي طموحاتها الفكرية بعيدا عن إرادة مناضليها و لعل هذا ما يفسر النزيف الذي أصاب صفوف الحزب خلال الفترة الأخيرة من خلال الكم الهائل من الاستقالات غير المسبوقة التي قدمها مناضلي الحزب في مختلف المناطق، كتعبير عن رفضهم لديكتاتورية القيادة، و سعيها إلى هندسة الخريطة الانتخابية للحزب بما يخدم مصالحها السياسية، ويضمن استمرارها على رأس الحزب ضدا في قوانينه و أنظمته الداخلية.
و إذا كان هناك من أعضاء الحزب السابقين من اختار الانسحاب بهدوء بعدما اكتشف الخديعة، فإن البعض الآخر اختار أن يوثق لتجربته داخل هذا الحزب ليبرز مستوى التناقضات الحاصل بين الخطاب و الممارسة، بل منهم من قدم اعتذاره للمغاربة لأنه كان من الآلات التي سوقت لوهم إسمه حزب العدالة و التنمية.
من جانب آخر، تبقى براغماتية الحزب أكبر مما يتصور خصومه، فاللجوء إلى الاستفادة من الخزان الانتخابي للتيار السلفي أتى مباشرة، من حيث التوقيت، بعد الفضيحة الجنسية لـــ “عمر وفاطمة” و استشعاره الحرج الذي وقعت فيه حركة التوحيد و الإصلاح من جراء هذا الفعل الشنيع الذي أماط اللثام على الوجه الحقيقي للحركة والحزب و اتخاذهما الدين مطية لتحقيق مآرب سياسية.
و من تم تفتقت عبقرية القيادة للبحث عن سند جديد قد تعوض به الأصوات الانتخابية التي قد تخسرها من جراء تراجع شعبية ذراعها الدعوي.
و لا عجب من ذلك فهي تبحث دائما عن الحلول من دائرة “تجار الدين”، وليس مما جادت به العقول من أفكار و مشاريع تقدم للمواطنين خلال الفترة الانتخابية.
حقا غريب أمر هذا الحزب ومثير للشك إصراره على التوجه رأسا نحو التطرف عوض الارتقاء بتجربته السياسية و جعلها مرجعا تستنير به الأجيال المقبلة على غرار ما ساهمت به الهيئات الوطنية المناضلة و القامات السياسية الكبرى الذي اختارت خدمة الوطن من زاوية مصلحته العليا واستمرارها على مر الأزمنة لا رهن هذه المصلحة المقدسة خدمة لأجندات معينة.
لقد سقط القناع و اتضحت نوايا الحزب في فرض هيمنته الإيديولوجية الظلامية على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة، و هو الآن يسعى، من خلال مثل هذه الترشيحات المشبوهة، لتجديد الدماء في صفوف قيادته بعدما انكشفت الحقيقة حول بعض هذه القيادات التي لم تقاوم نزواتها، و سقطت فريسة للنفاق بمختلف تجلياته الدينية و السياسية و الاجتماعية.
الأكيد أن تجربة كهاته لن يكون مصيرها سوى الفشل، لاسيما مع توالي الفضائح و الأخطاء التي ارتكبتها قيادات الحزب و ذراعه الدعوي و التي لا تولد لدى المواطن المغربي سوى الإصرار نحو حماية تجربته السياسية الرائدة و درء كل ما من شأنه أن يفسد تطورها.
فلا مكان بيننا إذن لمن يحلم بدولة تسعه لوحده، و لا مكان لمن يرفض قوانين الدولة و يعتبرها قوانين “مخالفة لشرع الله”، و لا مكان لمن قال فيهم عز و جل “أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”.