زنقة 20. الرباط
تتزايد وطأة التحولات العميقة التي يعرفها المشهد النقابي بالمغرب، ومن ذلك ما يشهده أحد مكوناته الرئيسية من تطورات خطيرة ومتسارعة.. الحديث هنا عن الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، التي لطالما اعتبرت المرجع في الممارسة النقابية، والتي بصمت نضالات الطبقة العاملة المغربية بمحطات مفصلية لازال التاريخ يحفظها لها بقيادة زعيمها التاريخي الراحل نوبير الأموي.
فبعدما كانت الكونفدرالية في مرحلة مشرقة من تاريخها، غير متسامحة في استقلالية قرارها، وحريصة على وحدة صفها، وتضع المصالح العليا للوطن فوق كل الاعتبارات، وكانت كلمتها مسموعة ويحسب لها ألف حساب، أصبحت الآن عقب وفاة زعيمها نوبير الأموي سنة 2021، ضحية صراع الأجنحة على الزعامة، يقودها نحو التشظي، ويهدد مصالح الشغيلة المنتسبة لها.
ورغم أن السياق الحالي يفرض على الممارسة النقابية الوطنية الكثير من الوضوح، فقد أصبحت للأسف هذه المركزية وفق مصادر عليمة، تعيش على وقع الصراعات والتناقضات.. فلم يعد خافيا على أحد أن الظروف الصحية لزعيمها الحالي عبد القادر الزاير، فرضت تناقضات صارخة داخلها، حيث أصبحت تسير برأسين كلاهما يتربص بالآخر في سباق الصراع على الظفر بقيادة المنظمة.
فالكونفدرالية، هي المركزية النقابية الوحيدة التي تحضر كل الاجتماعات الرسمية بوفدين، لأنها برأسين، وعقب كل اجتماع تقدم تصريحين، وعين كل طرف على الآخر في انتظار هفوته لاستغلالها مع القواعد لكسب النقط في صراع الزعامة.
هذا الوضع الذي تطبعه المزايدات، التي باتت العملة الرائجة داخل هذه المنظمة التي تعد إرثا وطنيا لجميع المغاربة،ط.. والمزايدات هنا مقرونة بالهروب إلى الأمام وتصدير الأزمة، وهو ما يتضح جليا من خلال عدم قدرة هذه المركزية على بلورة موقف موضوعي واحد واختلاقها الأزمات والمبررات للتنصل من التزاماتها.
هروب إلى الأمام، تترجمه الدعواتُ المسترسلة إلى المسيرات والاحتجاجات، والركوب الشعبوي على تداعيات الأزمة التي تجتاح العالم بأسره وليست بلادنا وحدها، كل المؤشرات تعكس الحجم الحقيقي الذي آلت إليه هذه النقابة، فقد دعت إلى إضراب وطني لم تتعد نسبة المشاركة فيه 4 في المائة بالوظيفة العمومية
ويشير العارفون، إلى أن هم ممثلي الكونفدرالية لم يعد هو الدفاع عن مصالح الشغيلة، بقدرما يحكمهم هاجس الصراع التنظيمي المحتدم، وهو ما تجلى في وضعية البلوكاج التي كانوا يتعمدونها بمناسبة الحوارات القطاعية، والمثال الصارخ على ذلك ما شهده الحوار الاجتماعي داخل قطاع المطارات إذ خيمت الصراعات الداخلية للكونفدرالية على المفاوضات، مما ساهم في هدر زمن الحوار الذي استغرق أزيد من ثلاثة أشهر.
هذه المظاهر وغيرها، تؤشر على أن القادة الجدد للمنظمة يستغلون الظرفية الحالية التي تفترض التحلي بالوطنية الصادقة، ويسابقون الزمن من أجل مواصلة تصدير أزمتهم الداخلية ذات الحسابات الضيقة ولو على حساب الوطن والمواطنين.