زنقة 20. الرباط
تلى فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية، الرسالة الملكية السامية للملك محمد السادس، اليوم الاثنين، إلى المشاركين في مؤتمر إطلاق المنتدى الإفريقي للمستثمرين السياديين الذي تحتضن أشغاله مدينة الرباط.
وفيما حملت الرسالة الملكية مضامين قوية حول السيادة الطاقية والغذائية والصحية بالقارة، فإن تكليف السيد فوزي لقجع بتلاوة الرسالة الملكية السامية، هي رسالة في حد ذاتها، يكشف عن مستوى الثقة التي يضعها الملك محمد السادس شخصياً في كفاءة الرجل ووفاءه لخدمة ملكه ووطنه والشعب المغربي.
ففي ظل هجوم شرس، قاده أعداء المملكة، في حق النجاحات التي تحققها كرة القدم المغربية كان آخرها تتويج الوداد بعصبة أبطال أفريقيا و تتويج نهضة بركان بكأس الكونفدرالية، وقبل ذلك، الفوز بنسختين متتاليتين من كأس أمم أفريقيا للمحليين، دون الحديث عن إحتضان المملكة لتظاهرات ومناسبات كبرى من قبيل نهائيات أمم أفريقيا للمحليين وكؤوس السوبر الفرنسية والإسبانية، ونهاية أبطال أفريقيا لمرتين متتاليتين، وتنظيم كأس أمم أفريقيا للسيدات، وإحتضان مركب محمد السادس لدورات الكاف التدريبية لفائدة المدربين الأفارقة، وإجتماع المكتب التنفيذي للكاف، كما توجت هذه النجاحات بتعيين فوزي لقجع عضواً بمجلس الفيفا لأول مرة، جاءت المكافأة من الملك محمد السادس شخصياً للرد على أحقاد أعداء نجاحات المملكة المغربية ورجالاتها، بتكليفه بتلاوة رسالته السامية، في أضخم منتدى بالقارة الأفريقية المخصص الصناديق السيادية الإستثمارية، علماً أن الرسائل الملكية نادراً ما يتلوها غير مستشاري الملك محمد السادس.
وفيما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية السيد فوزي لقجع :
“الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سرورنا أن نخاطب المشاركين في مؤتمر إطلاق المنتدى الإفريقي للمستثمرين السياديين. وبهذه المناسبة، يطيب لنا أن نهنئ الصناديق السيادية والاستراتيجية الإفريقية الملتئمة اليوم بالرباط على هذه المبادرة الجديرة بالثناء، التي لا يمكن إلا أن تساهم في دعم التنمية وإنجاح المشاريع المهيكلة ذات الأثر الإيجابي الكبير على مساعي التكامل والاندماج في قارتنا، والتي لا يسعنا إلا أن نرحب بها وندعمها.
كما يسعدنا أن نرحب بضيوفنا الكرام، القائمين على الصناديق السيادية والاستراتيجية، أعضاء هذا المنتدى، وبجميع المتدخلين والمشاركين في هذا الملتقى الهام.
إن هذه المبادرة لتشكل دليلا جديدا على عزم القوى الحية في إفريقيا على أن تتولى بنفسها أمر تقدم القارة وتنميتها. وذلك ما نعتبره تجسيدا لإفريقيا التي نتطلع إليها: إفريقيا المباد رة الج سور التي تتصدى للتحديات التي تعترضها وتحولها إلى فرص ثمينة.
فمن واجبنا جميعا ، نحن الدول الإفريقية، أن نأخذ زمام مصيرنا بأيدينا ونعمل، فرادى ومجتمعين، من أجل تحويل مواردنا وطاقاتنا إلى إنجازات واعدة بالنفع لمواطنينا وأجيالنا القادمة.
وكما تتوافر لإفريقيا فرص غير مسبوقة، لاسيما في ميادين الاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، والتكنولوجيا الرقمية، فهي أيضا ملزمة، بموازاة ذلك، بمواصلة جهودها لرفع مختلف التحديات المرتبطة بسيادتها الغذائية والصحية، واحتياجاتها من البنيات التحتية، وتثمين مواردها الطبيعية وثرواتها.
وإننا على يقين بأن التحديات التي تشهدها العديد من القطاعات اليوم تنطوي، في واقع الأمر، على فرص كثيرة ينبغي اغتنامها لتحقيق قفزات تنموية نوعية أضحت ممكنة بفضل ما تحقق من تقدم، خاصة فيما يتصل بالإنتاجية الزراعية، والولوج إلى المعلومات، والتعاملات المصرفية الرقمية، والعلاجات والتعليم عن بعد.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن قارتنا الإفريقية في حاجة إلى صناعة استثمارية إفريقية حقيقية قادرة على ضمان التعبئة الكافية والمستدامة لرؤوس الأموال وتحقيق الاندماج الفعلي في الأسواق المالية.
ولا شك أن الصناديق الاستثمارية السيادية والاستراتيجية تشكل أدوات فعالة لرصد الفرص، وتساهم في زيادة تدفق رؤوس الأموال نحو القطاعات المنتجة للقيمة الاقتصادية وذات الأثر الاجتماعي الكبير.
ومع ذلك، فلا بد من الإقرار بأن فرص الولوج إلى رؤوس الأموال ما زالت دون المستوى المأمول، في ظل هيمنة تمويلات وكالات وبنوك التنمية، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة في القارة الإفريقية على مستوى الإصلاحات المعتمدة في العديد من بلدانها.
لقد آن الأوان اليوم كي تقول إفريقيا كلمتها وتأخذ زمام مصيرها بيدها، وتتبوأ المكانة اللائقة بها. كما يجب أن تتغير نظرة بقية العالم إلى إفريقيا بصفة كلية. أليست هي قارة القرن الحادي والعشرين؟ فهي التي ستمثل شعوب ها، المكونة أساسا من شباب مبدعين، ربع سكان العالم في أفق العام 2050؛ وهي القارة التي ستشكل سوقا لأكثر من 1.2 مليار شخص وناتجا محليا تراكميا يفوق 3.400 مليار دولار عند تفعيل منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية.
إن تحقيق طموح كهذا يستوجب بالأساس تسريع وتيرة الاستثمار العمومي وترشيده قصد تحفيز الرأسمال الخاص، بما ينعكس إيجابا على القطاعات الاستراتيجية والمنتجة.
وتحقيقا لهذه الغاية، فأنتم مدعوون، بصفتكم صناديق استثمارية سيادية، للتحلي بالحنكة والصبر اللذين يتطلبهما دوركم كحلقة وصل بين الأولويات الوطنية على المدى الطويل والمستثمرين الخواص، في إطار مقاربة تشاركية تروم تحقيق التنمية المستدامة.
وتتعاظم أهمية هذا المسعى حينما يتعلق الأمر بضمان ملاءمة إفريقيا مع النظام المالي الدولي الخاص، لاسيما عن طريق تقوية القدرات والكفاءات وتعميمها للارتقاء بها إلى مستوى المواصفات والمعايير الدولية، بما يكرس مكانة إفريقيا كوجهة للمستثمرين والاستثمارات.
وبهذه المناسبة، لا يفوتنا أن نعرب عن سعادتنا وترحيبنا الحار بالدعم المقدم لمنتداكم من لدن بعض الصناديق السيادية لدول الخليج الشقيقة، من خلال إعلان الرباط الذي يبرز كذلك الجهود التي تبذلها المملكة من أجل تعزيز الحوار والتعاون بين إفريقيا وبقية جهات العالم.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لقد ظل المغرب وما يزال يدافع عن مصالح قارتنا ويعمل من أجل إقلاعها الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق، حرصنا دوما على توطيد وشائج الأخوة والتضامن بين شعوبنا، جاعلين التعاون الاقتصادي من أولويات المغرب، كما تشهد على ذلك الزيارات العديدة التي قمنا بها إلى عدد من الدول الإفريقية الشقيقة.
نعم، إن إفريقيا اختيار وجداني وعقلي في الآن نفسه. إنه اختيار واضح وإرادي يجسده التزامنا من خلال العديد من المبادرات الرامية إلى تعزيز ودعم التعاون والتنمية الاقتصادية في إفريقيا. وهو اختيار أردنا من خلاله اليوم أن نجعل من الاستثمار محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكامل الإقليمي والقاري في إفريقيا.
وح س ب نا شاهدا على ذلك المقاربات الشاملة والتشاركية التي انخرط فيها المغرب من أجل رفع التحديات العديدة الراهنة والمستقبلية. ويمكننا أن نذكر في هذا السياق بمشاريع إنشاء وحدات إنتاج اللقاحات، وإقامة مصانع لإنتاج الأسمدة والمخصبات، والتي تهدف على التوالي إلى ضمان السيادة الصحية والغذائية للقارة. كما يمكن أن نشير كذلك إلى الجهود المبذولة من أجل تسريع وتيرة الإدماج المالي للقارة، فضلا عن المشاريع الرامية إلى تعزيز السيادة الطاقية للقارة مثل المشروع الضخم لأنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب.
وفي ظل ما نواجهه اليوم من رهانات وتحديات جسام، يتعين علينا بذل قصارى الجهود لتسريع التدابير الاستباقية والمنسقة في مجال الاستثمار، استجابة للتطلعات المشروعة لشعوبنا على نحو مستدام.
وإجمالا، فإننا نتطلع إلى قارة إفريقية تشق طريقها بواسطة أبنائها ومن أجل أبنائها.
وختاما، نجدد الترحيب بكم على أرض المغرب، راجين أن تتكلل أشغالكم بكامل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.