زنقة 20. الرباط / حوار
في تطور غير مسبوق للعلاقات الإسبانية الجزائرية، أعلن النظام العسكري الحاكم بالجزائر، تعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا بسبب دعم الأخيرة للموقف المغربي من الصحراء المغربية، في مؤشر على تحول هذه القضية إلى بوصلة لتحديد أجندة السياسة الخارجية للجزائر، الأمر الذي أدى بالنظام العسكري الجزائري لاتخاذ هذا الموقف التصعيدي تجاه دولة أوروبية كانت في الوقت القريب تعتبر حليفا استراتيجيا للجزائر.
ولفهم الموقف الجزائري الجديد وتبعاته السياسية والاقتصادية أجرت جريدة Rue20 بالنسختين العربية والإسبانية، حواراً حصريا مع الناشط الجزائري المعارض وليد كبير الذي أكد أن “قرار النظام الحاكم بالجزائر هو قرار انتحاري ينضاف إلى العديد من القرارات التي اتخذت في السنوات الأخيرة”.
سؤال : كيف تنظر إلى القرارين الاخيرين اللذين اتخذهما التظام الجزائري القاضيين بتعليق اتفاق الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع اسبانيا وتجميد التبادلات التجارية والبنكية بينهما؟
وليد كبير : القرار الأخير والقاضي بتعليق المعاهدة بين الجزائر وإسبانيا (معاهدة الصداقة وحسن الجوار) التي وقعت في أكتوبر 2002 هو قرار انتحاري ينضاف إلى مجموعة القرارات الانتحارية التي أقدم عليها النظام، خصوصا بعد قيام المغرب بإعادة حركة السير لمعبر الكركرات في 13 نوفمبر 2020.
والقرار الذي اتخذه النظام الحاكم في الجزائر يأتي بعد سويعات من تدخل رئيس الحكومة الإسباني أمام البرلمان وتأكيده دعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بسنة 2007، والقاضي بإيجاد حل سياسي لمشكل الصحراء المغربية المفتعل من طرف النظام الحالي في الجزائر منذ سنة 1975، وبعد تدخله وتصريفه بأن القرار اتخذته إسبانيا يوم 18 مارس بدعمها لمقترح الحكم الذاتي، وهو قرار دولة استشاط غضب نظامها واجتمع على الفور ممثلا في المجلس الأعلى للأمن وتم إصدار هذا القرار كنوع من ردة فعل على تجديد الدعم لفكرة الحكم الذاتي من رئيس الحكومة الإسبانية.
ولقد تبعت هذا القرار تعليمات وجهت من طرف جمعية البنوك والجمعية المهنية للبنوك والمصارف المالية الجزائرية تقتضي بمنع التوطين البنكي لعملية التصدير والإستيراد من وإلى إسبانيا؛ وهذه خطوة مضرة للغاية بمصالح المتعاملين الإقتصاديين الجزائريين بالأساس. وهنا نلمس مدى ارتباك السلطة الحاكمة باتخاذها هذا القرار الذي يؤكد أنها في وضع إفلاس وأن ما أقدمت عليه هو سياسة عدوانية لا تراعي فيها حسن الجوار مع دولة ذات سيادة اتخذت قرار صححت به موقفها التاريخي الذي كان ضبابيا منذ أن انسحبت من الصحراء المغربية سنة 1975 وبداية 1976.
سؤال : الجزائر تزعم أنها اتخذت هذا الموقف نظرا إلى اصطفاف إسبانيا إلى جانب المغرب. ألا تعتقد أن الجزائر تحاول تفجير الجبهة الجنوبية لاوروبا لارباك الاتحاد الأوروبي، من جهة، ولتخفيف الضغط على روسيا في الجانب الشرقي لأوروبا، من جهة ثانية؟
النظام الحالي في الجزائر لا يمتلك أية استراتيجية حتى يتخذ قرارا يروم من وراءه تفجير الجبهة الجنوبية لأوروبا، وهذا قرار غير محسوب وهم لايعلمون حجم الخطورة التي يعرّضون فيها الجزائر ومصالح البلد للخطر جراء نهجهم لهذه السياسة العدوانية مع دول الجوار. هم يظنون أنهم بتلويحهم لورقة الغاز خصوصا في هذه الظرفية التي نعيشها كالحرب الأوكرانية-الروسية التي خلفت ارتفاعا في أسعار الطاقة (يظنون) بهذه السياسة سيتمكنون من فرض زعامة وهمية على المنطقة.
ولا أعتقد أن ما يقوم به النظام الحاكم في الجزائر له ارتباط بروسيا أو بتنسيق مع بوتين، بل هي قرارات إرتجالية مضرة بمصالح الوطن ولا تراعى فيها مصلحة الجزائر بالأساس، ولكم في عدم إعادة تجديد اتفاق تدفق الغاز عبر أنبوب المغرب أوروبا أكبر دليل على أن القرار الذي اتخذته السلطة الحاكمة في الجزائر كلف الجزائر ومازال يكلفها مليارات الدولارات من الخسائر جراء عدم استغلال هذا الأنبوب الضخم الذي كان يضمن تدفق حوالي 13 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
هل الجزائر قادرة على مواجهة أوروبا بحكم ان ما يمس مدريد يمس كذلك بروكسيل؟
الجزائر ليست لها القدرة في ظل هذا النظام الحالي الحاكم الذي أعتبره قزما مقارنة بالجزائر كدولة وكوطن ليست لها القدرة على مواجهة أوروبا؛ لأننا لا نمتلك حجمها الإقتصادي، فالحجم الإقتصادي الجزائري لايتجازو سوى 175 مليار دولار في حين اقتصاد إسبانيا لوحدها يتجاوز 1500 مليار دورلا، إذن لاداعي للمقارنة، بالإضافة إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا لاتتجاوز 1 في المائة والميزان التجاري دائما كان في صالح الجزائر، وبالتالي ما أقدمت عليه السلطة الحاكمة في الجزائر هي خطوة في الإتجاه الخطأ وخطوة أضرت بالأساس بمصالح الوطن.
كيف تنظر الى مستقبل هذا التوتر؟
مستقبل هذا التوتر أنظر إليه بنوع من التفائل الحذر لأن هذه الأخطاء التي ارتكبها النظام الجزائري الحاكم هي من زاوية أخرى ستعجّل بطي ملف الصحراء المغربية لأن النظام الحاكم أعطى العديد من الأوراق للمغرب منذ إعادة سير الحركة بمعبر الكركرات، وبالتالي انتقل هذا الملف إلى السرعة القصوى التي ستفضي إلى طي هذا الملف.
ومن جهة أخرى هذه القرارات الخاطئة وهذه السياسة العدوانية التي ينتهجها هذا النظام هي قرارات ستزيد من عزلة الجزائر على المستوى الدولي والمسؤولية تقع علينا نحن كجزائريين من أجل إحداث تغيير حقيقي وجذري لمنظومة الحكم نسترجع من خلاله الجزائر وتعود الجزائر إلى محيطها الإقليمي والدولي؛ لأن هذا النظام أساسا بالنسبة للمنطقة المغاربية أصبح يشكل خطرا عليها بل يعتبر سرطانا في الجسد المغاربي.
هل تحولت الجزائر الى مشكل حقيقي في شمال أفريقيا بالنسبة للاوربيين والافارقة والدول الغربية؟
النظام الحاكم في الجزائر حوّل فعلا الجزائر إلى مشكل حقيقي في شمال إفريقيا ليست بالنسبة للأوروبيين والأفارقة فقط بل بالنسبة للمغاربيين بالدرجة الأولى وضرورة تغيير نظام الحكم في الجزائر هو مسألة حتمية ومطلب ليس فقط للجزائري بل مطلب مغاربي وإفريقي.
النظام الحاكم في الجزائر عطل المشروع المغاربي ويعطل مؤسسات الإتحاد الإفريقي بدعمه لجمهورية وهمية لاتوجد على أرض الواقع بل أقام لها كيانا فوق الأراضي الجزائرية، وبالتالي على جميع الأفارقة والأوروبيين وعلى المغاربيين بالدرجة الأولى تحمل المسؤولية إلى جانب إخوانهم الجزائريين من أجل إحداث التغيير الحقيقي الذي يعيد الجزائر إلى مصاف الدول التي تؤمن بسياسة حسن الجوار مع جيرانها.
ربما الجزائر ترى في اسبانيا ذلك الحائط القصير. كيف لم تعلق العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا والمانيا وفرنسا وهولندا والاتحاد الأوروبي و السعودية والإمارات ؟
النظام الحاكم في الجزائر يبرر هذا الكلام كون إسبانيا هي القوة المديرة للصحراء المغربية وهذه مغالطة يحاول من خلالها النظام تزوير الوثائق والتاريخ بالأساس؛ لأن الحقيقة تقول أن إسبانيا أبلغت الأمم المتحدة عن طريق سفيرها في فبراير 1979 بأنها لم تعد قوة إدارية بالصحراء المغربية.
والنظام الحاكم في الجزائر لايستطيع توجيه نفس الكلام نحو الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا وخصوصا فرنسا التي كانت دوما عبر ممثل في مجلس الأمن تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب منذ 2007، وبالتالي فإن الجزائر عبر النظام الحاكم تتعامل مع إسبانيا بحدة وعدوانية نظرا للتنازلات التي قدمتها لإسبانيا خصوصا بعد زيارة بيدرو شونسيز في أكتوبر 2020 لقصر مرداية، حيث تم تعديل العقد الذي أبرم بين الجزائر وإسبانيا سنة 2018 والذي يمتد إلى 2030 فكانت قيمته 35 مليار يورو قبل أن يتنازل أو تغري السلطة الحاكمة بالجزائر إسبانيا في أكتوبر 2020 ليتم تقليصه إلى 12 مليار يورو في ما يمثل خسارة 23 مليار يورو تكبدتها الجزائر جراء تقديمها لتلك التنازلات لإسبانيا فقط من أجل أن تبقي على موقفها الداعم بما تسميه “بتقرير مصير الشعب الصحراوي”.
بالمقابل فإن التغيير في الموقف الأخير لإسبانيا زلزل أركان النظام الحاكم الذي يعرف جيدا حجم التنازلات التي قدمها وحجم الإغراءات التي يعمل بها الآن مع إيطاليا حيث هرول عبد المجيد تبون إلى روما لتقديم تنازلات أخرى وإغراء إيطاليا كي لا تتبنى نفس الموقف، رغم أن هناك فرق بين إسبانيا وإيطاليا نظرا للسياق التاريخي، لكن أظن حتى إيطاليا ستصفع نظام العسكر في آخر المطاف لأن ما يمس إسبانيا يمس إيطاليا ويمس دول الإتحاد الأوروبي فهم جسد واحد ليس كالمنطقة المغاربية التي فرقها هذا النظام ولم يجعلنا نتكتل بسبب سياسته الحمقاء.