الصديقي : لم ينج أي بلد في العالم من لهيب إرتفاع الأسعار

يسلط عبد السلام الصديقي، الأكاديمي والخبير الاقتصادي، في الحوار التالي، الضوء على الزيادات التي تطول أسعار العديد من المواد الأساسية.

ويربط الوزير السابق، هذا بسياق ما بعد الأزمة الصحية العالمية مع اعتماد مخططات الانتعاش الاقتصادي وارتفاع الطلب على المنتجات وتنامي وتيرة الاستهلاك التي واكبت فترة ما بعد الجائحة…

زنقة 20/ الرباط- أجرى الحوار: جمال بورفيسي

تسجل عبر مختلف بلدان العالم ظاهرة ارتفاع الأسعار، ما هو تفسيركم لهذه الظاهرة؟

فعلا، تشهد الأسعار زيادات لم يسبق له مثيل منذ عقود من الزمن. ولم ينج من هذه الموجة أي بلد، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة وبقدرات مختلفة على الصمود.

على الصعيد الدولي، تسجل الاقتصادات العظمى، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي زيادات في الأسعار تتراوح ما بين3 في المائة و8 في المائة، وهي نسب عالية بالمقارنة مع الأسعار التي كانت مستقرة قبل انتشار جائحة كوفيد19، وتعزى هذه الظاهرة المكلفة والتي تهدد استقرار الاقتصادات العالمية إلى عوامل متعددة يمكن تلخيصها كالتالي:

هناك أولا، تأثير مخططات الإنتعاش الاقتصادي التي تبنتها مختلف الدول لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية، وهي مخططات تقدر بٱلاف المليارات من الدولار، وهو ما أدى إلى ارتفاع النفقات والطلب بشكل يتجاوز العرض والقدرة الإنتاجية. والمحصلة في نهاية المطاف، هي ارتفاع الأسعار والتضخم.

كما أن الأسر والأفراد الذين تمكنوا من تحقيق إدخار كبير أصبحوا ينفقون بلا حدود، بعد العودة إلى الحياة الطبيعية نسبيا.

أما العامل الثاني، فهو يتجسد في اختلال” سلاسل القيم” على الصعيد العالمي، وهو ما يؤثر على سير عملية الإنتاج وإنجاز المنتوج النهائي في موعده.

فمثلا إنتاج سيارة يتم في العديد من البلدان، حيث يتخصص كل بلد في إنتاج جزء من السيارة وذلك بهدف تقليص تكاليف الإنتاج والزياة في هوامش الربح.

إلا أن هذه العملية واجهتها صعوبات كثيرة مع الأزمة الصحية، إذ يكفي أن يحدث تعثر في حلقة إنتاجية واحدة لتتوقف سيرورة الإنتاج برمتها. وهذا ما حدث فعلا إثر تراجع انتاج”الرقائق الإلكترونية” في الصين.

وهكذا، لاحظنا أن الخصاص في ” قطعة بسيطة” أثر على المسلسل الإنتاجي بأكمله، وهذا يعتبر من انعكاسات التبعيات المتبادلة بين البلدان التي فرضتها عولمة الاقتصاد.

أما العامل الثالث، فهو يتجلى في الزيادة الصاروخية في تكاليف النقل التي ارتفعت نسيتها إلى400 في المائة، أي أنها ارتفعت بأربع مرات!! وهذا أمر مذهل حقا لم نعرف له مثيلا حتى في فترات الحروب العالمية.

أما العامل الرابع، فيتمثل في زيادة أسعار المواد الأولية والمعدنية والغذائية. وهكذا، ارتفعت أسعار مواد البناء بنسب خيالية، ما بين40 في المائة إلى 60 في المائة، كما ارتفع سعر البرميل من النفط إلى100 دولار في الأيام الأخيرة.

هل هناك عوامل أخرى تفسر الزيادات في الأسعار؟

هناك عامل خامس، وهو يجسد كل المخاطر التي لا يمكن تصورها، والتي تتمثل في التوترات السائدة على الصعيد الدولي، وأخص بالذكر ما يحدث الٱن على الجبهة الروسية الأوكرانية، دون أن ننسى الصراع الظاهر والخفي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهو صراع يتمحور حول من ستؤول إليه الهيمنة على الاقتصاد العالمي، وهذه قضايا جيو استراتيجية سيكون لها تأثيرها راهنا ومستقبلا.

كيف تفسرون ظاهرة ارتفاع الأسعار على الصعيد الوطني؟

المغرب ليس بمنٱى عن التحولات العميقة التي يشهدها العالم، فهو طرف معني، ولكن بالنظر إلى بنيته الاقتصادية، فهو يتأثر أكثر مما يؤثر. فاقتصادنا ما يزال هشا، وقدرتنا على الصمود محدودة، رغم الخطابات الرنانة التي لا تصمد أمام الواقع.

وبلادنا تعاني عجزا تجاريا هيكليا، فهي تستورد في المتوسط ضعف ما تصدره، وعليه، فجزء كبير من التضخم هو مستورد.

كل الزيادات التي عرفتها أسعار بعض المواد على الصعيد العالمي تجد امتدادها في المغرب، وهذا ما نسميه بالعوامل الخارجية للتضخم. بالإضافة إلى هذه العوامل الخارجية والتي يمكن اعتبارها مستقلة عن إرادتنا وخصوصا حينما يتعلق الأمر بمواد ضرورية مثل البترول والمواد الغذائية ومواد التجهيز، كل هذه المواد لا يمكن الاستغناء عنها بتاتا فهي” شر لابد منه” إن صح التعبير.

ما هي في نظركم الخيارات المتاحة أمام الدولة لضبط الأسعار؟

يمكن للدولة أن تتحكم نسبيا في العوامل الداخلية للتضخم والزيادات المتتالية في الأسعار. فمثلا، بإمكان الدولة أن تحد من تأثير ارتفاع البترول على القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال إعادة النظر في الضريبة الداخلية للاستهلاك والهوامش الربحية للموزعين، حيث يقر الجميع أن هذه الهوامش مرتفعة.

بإمكانها كذلك، أن تضبط أسعار بعض المواد من خلال تنظيم السوق والحد من الوسطاء وبعض السماسرة الذين ينتهزون فرصة الأزمة للاغتناء. فالسوق المغربية ليست سوقا تنافسية تخضع لقانون العرض والطلب، ولا هي ب” سوق مؤطرة” ، بل هي سوق تسوده الفوضى وقانون الغاب، وانظروا ما يحدث في بعض الأسواق من تلاعبات في الأسعار.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد