هل يتجه المغرب نحو تشكيل أصغر ائتلاف حكومي في تاريخه ؟

زنقة 20 | اكرام اقدار

بعدما طوى عزيز أخنوش، رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” صفحة السباق إلى رئاسة الحكومة، بات واضحا أن الأغلبية الحكومية التي سيشكلها رئيس الحكومة المعين، والتي ستظهر ملامحها هذا الأسبوع، ستتكون من الأحزاب الثلاثة الأولى التي تصدرت نتائج استحقاقات 8 شتنبر 2021؛ يتعلق الأمر بحزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يقود مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، والذي جاء متصدرا لنتائج الانتخابات بحصوله على 102 مقعدا في البرلمان متبوعا بحزب “الأصالة والمعاصرة” الذي حل ثانيا بـ 86 مقعدا، وحزب “الاستقلال” الذي حاز 81 مقعدا، مما يخول الأحزاب الثلاثة في حال تحالفها الحصول على أغلبية جد مريحة داخل مجلس النواب تتكون من 269 عضوا من بين 395 عضوا يشكلون العدد الإجمالي لأعضاء مجلس النواب.

ووفق المعطيات المذكورة يرجح أن تكون هذه أول مرة في تاريخ الحكومات المغربية تتكون فيها أغلبية حكومية من عدد قليل من الأحزاب، فيما كانت الحكومات الحزبية التي تعاقبت على تسيير الشأن العام في المغرب منذ عهد حكومة التناوب نهاية تسعينات القرن الماضي تتكون من أكثر من ستة أحزاب.

وعليه فإن تقليص عدد مكونات أغلبيتها سينعكس بالضرورة على عدد أعضاء الحكومة في سبيل تكوين حكومة مخففة بأقل عدد من الحقائب الوزارية قد لا تتعدى الثلاثين، عكس عدد وزراء الحكومات السابقة التي وصلت في بعض الحالات إلى 43 حقيبة وزارية.

تشكيل المعارضة

طرحت مسألة صعوبة تشكيل المعارضة المقبلة في الحكومة المقبلة، منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، على اعتبار أن تكوين الأغلبيات الحكومية في الماضي كان أكبر هاجس يؤرق مهندسي الخريطة السياسية وقادة الأحزاب السياسية المشاركة فيها بسبب توزيع المناصب والحقائب الوزارية، وهذه أول حكومة ستعاني من فائض في أغلبيتها، وفي الراغبين في دعم ظهرها من خارج صفوف الأغلبية، وهو ما سيترك مقاعد المعارضة البرلمانية، حتى لو كانت شكليا شبه فارغة؛ إذ أن حزب “العدالة والتنمية”، قائد الأغلبية المنتهية ولايتها وجد نفسه “مرغما لا بطلا” في صفوف المعارضة بعد عشر سنوات من إدارة الشأن العام كانت نتائجها “كارثية” على عدة أصعدة، مما أدى إلى التصويت العقابي الذي جعله يفقد أكثر من 90 في المائة من مقاعده البرلمانية السابقة، ويتراجع إلى الصفوف الخلفية في ترتيب الأحزاب الثمانية المتصدرة لنتائج هذه الانتخابات. وبما أن الحزب لن يجد من بين الأحزاب الصغيرة من سيتحالف معه لاستكمال العدد القانوني لتشكيل فريق برلماني، فإن مجموعته الصغيرة لن يكون لها أي أثر كبير داخل البرلمان وممارستها للمعارضة من داخله ستكون إعلامية بالدرجة الأولى أكثر منها إجرائية.

وعلى دكة معارضة الحكومة المقبلة سيتواجد حزب أخر هو “التقدم والاشتراكية” بفريق برلماني من 21 عضوا، سبق لأمينه العام نبيل بن عبد الله، الذي كان أكبر خاسر في الانتخابات الأخيرة، أعلن عن توجه حزبه نحو الاصطفاف داخل ما سبق أن سماه هو نفسه “معارضة صاحب الجلالة” مقابل “أغلبية صاحب الجلالة” كما كان يصفها إدريس لشكر، زعيم “الاتحاد الاشتراكي” عندما كان يوجد ضمن الأغلبية المنتهية ولايتها.

ومن خلال استشراف مستقبل الخريطة السياسية داخل المؤسسة الرقابية يبدو من الآن أن المعارضة هي التي ستواجه أكبر انقسام وعدم انسجام داخل صفوفها في الوقت الذي كانت فيه الأغلبيات السابقة تٌنتقد لعدم انسجام مكوناتها.

وفيما كانت صناعة الأغلبيات تعتبر أصعب مهمة في تاريخ إخراج الحكومات فإن صناعة المعارضة المقبلة تمثل أكبر تحدي أمام مهندسي الخارطة السياسية في المغرب، بما أن ضعف المعارضة المؤسساتية سيجعل الشارع والمجتمع بصفة عامة هو أكبر صوت معارض للحكومة المقبلة، مما سيخلق فراغا في صفوف المعارضة المؤسساتية.

“الاتحاد الاشتراكي” مرغم على المعارضة

تقليص عدد أحزاب التحالف الحكومي اتجاه لا يرضي الكثير من الأحزاب السياسية التي عبرت صراحة عن رغبتها واستعدادها لتكون جزءا من الحكومة المقبلة وركوب سفينة الأغلبية المقبلة، وعلى رأسها يوجد حزب “الاتحاد الاشتراكي” الذي أعرب زعيمه إدريس لشكر أكثر من مرة عن رغبة حزبه في المشاركة في الحكومة، وفي آخر اجتماع لبرلمان حزبه الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي، ترك الباب مواربا أمام هذه المشاركة، رغم أن الحزب وزعيمه أعلنا علانية بأنهما لم يتلقيا أي عرض من رئيس الحكومة المكلف لمشاركته أغلبيته المقبلة وهو ما فسره الكثير من المراقبين بأنه نوع من “الاستجداء” للالتحاق بالأغلبية التي أرادها رئيسها أو هكذا قيل أن تكون محصورة في ثلاثة أحزاب، وأن هذا الأمر محاولة “لدفع” “الاتحاد الاشتراكي” نحو صفوف المعارضة، في الوقت الذي تتشبث فيه قيادته بالالتحاق بالأغلبية.

وبحسب القراءة التي يقدمها من يدافعون عن هذا التوجه ، فإن الاتجاه المستقبلي هو تكوين قطبية حزبية ثنائية من اتجاهين كبيرين، اتجاه ليبرالي يمثله حزب “التجمع الوطني للأحرار”، قائد الأغلبية المقبلة، ويضم في صفوفه الأحزاب ذات التوجه الليبرالي المحافظ مثل حزب “الاستقلال”، وفي المقابل تشكيل اتجاه يساري اجتماعي يقوده حزب “الاتحاد الاشتراكي” وتلتف حوله الأحزاب ذات النزعة اليسارية مثل “التقدم والاشتراكية” الذي موقع نفسه مسبقا في صفوف المعارضة المقبلة، وحزبي “الاشتراكي الموحد” و”فيدرالية اليسار” اللذان أعلنا اصطفافهما مسبقا في المعارضة.

وفق ما ذكر يتبين أنه تم دفع حزب “الاتحاد الاشتراكي” للخروج إلى المعارضة مرغما وقد كان واضحا من خلال الكلمة التي تلاها لشكر أمام برلمانه المنعقد نهاية الأسبوع الماضي، مشيرا إلى “خبرة” و”دٌربة” حزبه على ممارسة المعارضة البرلمانية وتلويحه بأن المعارضة المؤسساتية المقبلة ستكون قوية، في حال أٌرغم حزبه على ممارستها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد