بقلم : أحمد عصيد
يقوم التيار المحافظ بحملة ممنهجة ضدّ وزير الشبيبة والرياضة الذي صرح بأن إيقاظ الأطفال في الثالثة صباحا لصلاة الفجر في المخيمات عمل غير مقبول، كما أن تركهم في الشمس لمدة طويلة لأداء صلاة الجمعة سلوك لا يطابق وضعهم وسنهم، ويشكل خطرا على صحتهم.
ما صرح به وزير الشبيبة والرياضة سليم تماما من الناحية العلمية والبيداغوجية، وفيما يلي بيان ذلك:
إن ما يمارسه التيار المحافظ سواء الإخواني أو الوهابي السلفي يطابق أسس ومنطلقات التربية الدينية التقليدية كما كانت معتمدة في المراحل السابقة من تاريخ المجتمعات الإسلامية، وهي التربية التي كانت متداولة في “المسيد” أو في المدارس القرآنية، والتي فلسفتها متضمنة في العبارة التالية المعروفة في الدارجة المغربية “أنت تقتل وأنا ندفن”، العبارة التي كان ينطق بها الآباء معبّرين من خلالها لفقيه الكُتاب عن قبولهم بكل أشكال المعاملة القاسية التي تمارس على أطفالهم بحجة أن الهدف النبيل هو تحفيظهم القرآن وجعلهم مسلمين.
وكان من مظاهر هذا التعامل إيقاظ الأطفال باكرا جدا عند الفجر وتحفيظهم القرآن بالعنف والضرب الذي كان في بعض الأحيان يتحول إلى مشاهد تعذيب مروعة، وإرغامهم على سلوكات دينية وتعبدية هي من اختصاص الكبار البالغين الذين يقومون بها عن طواعية واختيار حرّ لا بالإكراه والتعذيب.
غير أن هذا المنظور القائم على ثنائية العنف والاستظهار بدون فهم، أصبح اليوم يتعارض مع حقوق الطفل تعارضا تاما، كما يتناقض مع أسس التعليم الحديث الذي تعطى فيه الأولوية للطفل بوصفه إنسانا وليس للدين أو لأي عنصر آخر.
فالاعتقاد في ضرورة إرغام الأطفال على سلوكات دينية مبالغ فيها حتى يتعودوا عليها ويحافظوا عليها في كبرهم هي مقاربة خاطئة تماما، لأنها تحرم الأطفال من أن يعيشوا طفولتهم التي لا يمكن استعادتها بعد أن تكون قد مضت إلى غير رجعة، ومن المظاهر الفاضحة في هذا النهج السلفي السلبي “تحجيب” الطفلات بذريعة جعلهن يتعودن على “الحجاب” أو “الخمار” أو “البرقع” دون انتباه إلى أن جسد الطفلة لا يمكن التعامل معه كما لو أنه جسد امرأة، إلا لدى المصابين بالأمراض النفسية الذين يرتكبون جرائم اغتصاب الأطفال.
ومن ذلك إيقاظ الأطفال عند الفجر وإرغامهم على الصلاة وقراءة القرآن اعتقادا بأن الطفل سيحافظ على ذلك السلوك عند كبره، بينما الحقيقة أنه سيعمل على التخلص منه بمجرد اكتساب قدر من الاستقلالية والتحرّر، لأنه سلوك كان بالنسبة له في طفولته أقرب إلى التعذيب منه إلى ممارسة شعيرة دينية يُفترض أنها اختيار شخصي وليست أمرا قسريا.
إن التربية السليمة للأطفال إنما تقوم قبل كل شيء على احترام طفولتهم وسِنهم، وكل من لم يأخذ بعين الاعتبار عامل السنّ ومستوى النضج النفسي والذهني لدى الأطفال إنما يقوم بعملية تخريب خطيرة لشخصياتهم، ومن شأن ذلك أن يترك آثارا سلبية في أذهانهم قد لا تزول بسهولة، فمن أخطاء التيار المحافظ الإخواني والسلفي معا إسقاطهم لشخصية الكبار على الأطفال، والتعامل القاسي معهم دون اعتبار المرحلة التي يجتازونها، ومن ذلك الحديث إلى الطفلات الصغيرات عن الزواج و”واجبات الزوجة” وأن مسؤولية الزواج تبدأ مبكرا قبل سن العاشرة.
أما عن المخيمات فالهدف الرئيسي منها هو الترفيه واللعب والتثقيف الممتع، وذلك لتخفيف العبء النفسي عن أطفال قضوا مدة غير يسيرة داخل حجرات الدرس، واستحقوا بعدها فسحة من الزمن يرتاحون فيها ذهنيا وجسديا، فإرغامهم على الاستيقاظ في الفجر للصلاة وقراءة القرآن وتحفيظهم أذكارا وأناشيد دينية يؤدي بهم إلى الانغلاق داخل بنية ثقافية دينية ضيقة، مما يعرقل فهمهم للعالم، لأن الثقافة الدينية وحدها لا يمكن أن تمكن المواطن من فهم العالم فهما واقعيا وعلميا، إذ لا بد من الانفتاح على مكونات الثقافة المختلفة كالفنون والآداب والعلوم والتجارب الإنسانية الغنية.
إنّ تحفيظ الأطفال أناشيد أو تلقينهم أفكارا إيديولوجية لا تتلاءم مع مقام العطلة والمخيم ولا مع سنّ الطفل، هو سطو على حقهم في الراحة والمتعة واللعب والتثقيف الإيجابي والممتع، الذي يجعلهم مقبلين على الحياة والإبداع والعمل بروح مواطنة مفعمة بالمشاعر الإيجابية.
وإن كل ما يتعلق بالدين هو اختيار شخصي ينبغي أن يتم بكل حرية عند بلوغ سنّ النضج العقلي والجسدي لدى الفرد، ولا ينبغي أن يكون ترويضا إيديولوجيا قسريا أوتعذيبا جسديا للأطفال. وعلى الدولة أن تعمل على مراقبة المخيمات المختلفة فيما يخصّ مضامين الخطابات التي يتم تمريرها للأطفال من جهة، وكذا أساليب معاملتهم من جهة أخرى، حتى يتم التيقن من تطابقها مع التزامات الدولة ومع القوانين والقيم التي ينص عليها الدستور.
في هذا السياق وللاعتبارات المشار إليها، أعتقد أن وزير الشبيبة والرياضة لم يعبر إلا عما يتلاءم مع مهامه ومسؤولياته، ومع ما يمليه عليه واجبه.