بقلم : أحمد عصيد
عندما كتبت لأول مرة قبل سنوات عن التقاليد السلبية لعيد الأضحى، والتي تتعارض مع الوعي والسلوك المدنيين، كان رد فعل التيار المحافظ عنيفا وخارج طور التعقل، كان الرد أن هذه عاداتنا ومن لا يحبها فليرحل عنا، هكذا أصبحت الأوساخ والقاذورات والمشاهد البدوية المروعة في الفضاء العام والروائح التي تزكم الأنوف، أصبحت عادات وتقاليد، بينما هي في الواقع من مظاهر التخلف الفاضحة.
كانت مناسبة مقالي آنذاك أن أحد موظفي وزارة المالية اشترى ثورا وصعد به في مصعد إقامة عصرية جديدة وأسكنه لثلاثة أيام في البلكون بعد أن عبر به صالون البيت، وظل الثور يصرخ طوال الأيام الثلاثة، وبعد أن تقدم الجيران بشكاية قيل لهم إنه العيد.
الْيَوْمَ، وحسب ما يبدو من النقاش العمومي، تزايد الوعي المواطن بأهمية مراعاة الجوار والفضاء العام في المدينة، وبدأ الناس يميزون بين أداء شعيرة دينية وبين السلوكات البدوية التي لا يقبلها الوسط الحضري.
غير أن الخطوة الحاسمة التي طالما طالبنا بها، ينبغي أن تكون هي تخصيص أماكن الذبح الرسمية للأضاحي كما هو الشأن في البلدان المتقدمة، وتنظيم ذلك وفق ما تقتضيه دواعي التمدن والقوانين المعمول بها، أما الحل الحقيقي لعيد الأضحى فيبقى هو اعتماد الفكرة الأكثر إنسانية، وهي تخصيص ميزانية عيد الأضحى (التي هي ميزانية ضخمة جدا) للفقراء، فتكون منها نفقات المأوى والتمدرس والعلاج للفئات الهشة، وحتى نصل إلى هذا المستوى الراقي من التحضر، سيكون علينا أن نقبل أولا بأن الإنسان أسبق من كل الأديان، وأسبق من كل الأكباش.