بقلم : ميلود بلقاضي
مصادقة المجلس الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية السبت الماضي بالرباط على تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن يومي 09 و10 دجنبر 2017 دون ذكر أي إشارة واضحة بإمكانية تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب لتمديد ولاية ثالثة لبنكيران يحمل بين طياته عدة إشارات مفادها صعوبة عودة بنكيران للأمانة الحزب في المؤتمر المقبل. وهو ما جسده شكل ومضمون بلاغ البيان الختامي للمجلس الوطني في دورته الاستثنائية عكس البلاغ السابق لشبيبة العدالة والتنمية التي دعت فيه بنكيران إلى “الاستمرار في ممارسة أدواره الوطنية حالا ومستقبلا باعتباره أملا لفئات واسعة من الشعب المغربي التي آمنت بمنطق الإصلاح في ظل الاستقرار”، وحيّته على ما وصفتها “المواقف الصامدة له في مواجهة إرادات التحكم بمختلف تعبيراته الحزبية والسياسية، وتشبثه بالمبادئ والمواقف الثابتة لحزب العدالة والتنمية التي لا تلين بين يدي المواقع والمناصب”. وعليه يمكن اعتبار شكل ومضمون بلاغ البيان الختامي للمجلس الوطني ليس بالبريئ بل انه يطمر بين طياته عدة مؤشرات توحي على ان نهاية مرحلة بنكيران قد اقتربت .
المؤشر الأول له دلالات سيمولوجية وخطابية: يتبين من إيماءات وجه بنكيران ونبرات صوته ونظراته وحركاته وطريقة القاء كلمته أمام أعضاء برلمان حزبه ان الرجل يشعر بقلق ما ،ويحس ان هناك امورا تحاك ضده الامر الذي جعل بنكيران يخاطب اعضاء المجلس بطريقته الإيمائية والإيحائية غير المعهودة، بل انه شعر حتى بالتفاعل البارد للحضور مع كلمته عكس التفاعل الحار مع كلماته في دورات سابقة وهوما يفهم منه ان بنكيران يدرك – جيدا- ان نهاية قيادته أمانة الحزب قد اقتربت،وان اللحظة التي يمر منها الحزب توحي بأنها ليست لحظة بنكيران خصوصا بعد الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس الوطني ورئيس الحكومة والتي تجاهلت الحديث عن طريقة إعفاء بنكيران من ولاية ثانية وما أحدثه ذلك من زلزال داخل الحزب وكأن العثماني يريد ان يقول لبنكيران ان الأشخاص زائلون والمؤسسات باقية ولا يمكن تعديل النظام الأساسي للحزب – المادة16- لترضية رغبات شخصية او نزوات سياسية وان مرحلتك انتهت منذ البلاغ الملكي حول إعفائك وعليك ان تقبل بأن لكل مرحلة رجالها ونساؤها’
المؤشر الثاني له دلالات تنظيمية : تبين من جدول أعمال المجلس الوطني في دورته الاستثنائية سكوته الممنهج على إثارة تعديل المادة 16 من النظام الأساسي الداعية بعدم تولي الأمين العام ورئيس المجلس الوطني والكاتب الجهوي والكاتب الإقليمي والكاتب المحلي المسؤولية لاكثر من ولايتين متتاليتين كاملتين رغم ان المادة 23 من نفس النظام تنص على ان المؤتمر الوطني -الذي هو أعلى هيئة تقريرية في الحزب – يصادق على النظام الأساسي للحزب وتعديله عند الاقتضاء، وهي حال غير متوفرة في وضعية بنكيران.
والأكيد ان عدم طرح المادة 16 للنقاش خلال الاجتماع الأخير للامانة العامة للحزب بهدف تمكين بنكيران من ولاية ثالثة يفهم منه معرفة بنكيران المسبقة بأنه لا يتوفر على النصاب القانوني المحدد في ثلث أعضاء الأمانة العامة؛وبان أي تمديد ولاية ثالثة لبنكيران ستضع الحزب في مفترق طرق : اتجاه القصر وبعض اعضاء الامانة العامة واتجاه بعض مناضلي الحزب وبعض القيادات الحزبية .
المؤشر الثالث رفض صقور الأمانة العامة تمديد ولاية بنكيران: قرار إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة قسم الأمانة العامة لفئتين او تيارين: تيار بنكيران وتيار العثماني .التيار الاول مع تمديد ولاية ثالثة لبنكيران والتيار الثاني ضد ويقود هذا التيار عبد العزيز الرباح والحسن الداودي وموحد يتيم ومصطفى الرميد واعمارة الذين يؤكدون بأنهم لن يقبلون تغيير القوانين لإرضاء الأشخاص بل ان اخطر تصريح في الموضوع هو تصريح الدودي واتهام بنكيران بتصفية حساباته مع الدولة عن طريق الحزب.
والاكيد ان التيار الرافض لتمديد ولاية جديدة لبنكيران هو التيار الذي قبل أعضاءه إعفاء بنكيران والانحياز للعثماني لانهم فهموا ان مدة صلاحية رئيس الحكومات بالمغرب يحددها القصر وليس الاحزاب او المؤسسات مما جعلهم يتهافتون على المناصب والمواقع بالتقرب من العثماني والابتعاد عن بنكيران ما جعل حزب العدالة والتنمية يدخل لمرحلة صعبة توحي بان إعفاء بنكيران وتعيين العثماني مكانه له أهداف استراتيجية ترتبط بوضع حد لشعبية الحزب وتقزيمه وطرح البديل له قد يكون حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة اخنوش او حزب الاستقلال بقيادة نزار بركة لقيادة اغلبية حكومة 2021 والتي من الاكيد ان حزب العدالة والتنمية لن يقودها لانه فقد الكثير من المصداقية وعرف الناس حقيقته و منهجيته الانتخابية المغلفة بالمرجعيات الدينية,
المؤشر الرابع حديث بنكيران ذاته عن خوفه من فقدان استقلالية بالحزب: من القضايا الهامة والحساسة التي تعرض لها بنكيران في كلمته أمام أعضاء المجلس الوطني تخوفه من فقدان الحزب استقلالية اتخاذ قراراته وهي رسالة قوية الدلالة في وقت بدأ الحزب يعرف فيه تصدعات واختراقات واتهامات وتيارات بين مكوناته.وتخوف بنكيران من فقدان الحزب استقلالية القرار لم يأت اعتباطيا بل انه إحساس ووعي واعتراف غير مباشر باختراق قوى التحكم مؤسسات حزب العدالة والتنمية وبعض ووزراءه مستدلا على هذا الاختراق بكيفية إعفاءه وتعويضه بالعثماني وانبطاح هذا الاخير امام قوى التحكم بقبول حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة وفوزه رئاسة مجلس النواب .
المؤشر الخامس رفض صقور الأمانة العامة اقتراح بنكيران اضافة أعضاء للأمانة: لم يتمكن بنكيران إضافة لائحة الأعضاء الستة التي قدمها للأمانة العامة للموافقة بعد رفض صقور الأمانة العامة خصوصا الوزراء عضوين هما النائبة البرلمانية، أمينة ماء العينين، والنائب البرلماني محمد خيي بسبب مواقفهما من حكومة العثماني وقبلوا أربعة هم من سعيد خيرون وعبد العزيز العماري وجامع المعتصم ومحمد الحمداوي الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح بعد نقاشات شاقة وصعبة رغم ان المادة 37 من النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية تعطي لابن كيران الحق في إضافة 7 أعضاء بموافقة الأمانة العامة.وهذه أول مرة يرفض وزراء الأمانة العامة حزب العدالة والتنمية مقترحا لبنكيران وبكيفية صارمة خوفا من تقوية أغلبيته داخل الأمانة العام،وهذا مؤشر مهم على ظهور تيار رافض لاستمرار هيمنة ابن كيران على هياكل الحزب.
المؤشر السادس الإعفاء الملكي لبنكيران: إعفاء ملك البلاد لبنكيران بالكيفية المعروفة لم يكن اعتباطيا بل حمل في طياته دلالات عميقة من أهمها عدم رضى القصر على استمرار بنكيران لرئاسة الحكومة ولاية ثانية خصوصا بعد خرجاته وتصريحاته المتعددة غير المحسوبة وغير المدروسة والمزعجة لصناع القرار، تصريحات حولت بنكيران – وهو رئيس الحكومة- الى إلى معارض شرس لما يسميه “التحكّم” او الدولة العميقة , بل انه ذهب، في احدى تصريحاته، إلى الحديث عن وجود دولتين في المغرب، رسمية يرأسها الملك، وأخرى لا يعرف من يُسيرها، لكنها هي التي تُعين وتقرر.
. اضافة الى تمادي شعبية بنكيران التي بدأت تزعج العديد من المسؤولين وحتى باقي قادة الأحزاب الذين تضايقوا – كثيرا- من استمرار بنكيران في رئاسة الحكومة وما يمكن ان يشكل لهم من مخاطر على اجندتهم الانتخابية والسياسية المستقبلية|.
المؤشر السابع ظهور براغماتييين كثر داخل حزب بنكيران: لاحظ الكل كيف تشبث جل أعضاء الأمانة العامة بالمناصب الوزارية بعد اعفاء بنكيران وتقربهم من محيط القصر ومن العثماني وتقديم براهيين واهية على قبولهم اعفاء بنكيران بكيفية مهينة رغم ان الرجل هو من صنعهم وصنع مجدهم ويكفي ان نبرهن على ذلك بمواقف وزارء حكومة العثماني المنتمين لحزب العدالة والتنمية الذين كانوا ضد دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة او ترأسه لمجلس النواب ومباشرة بعد اعفاء بنكيران غيروا مواقفهم واعتبروا دخول الاتحاد امرا عاديا الامر الذي عرى حقيقة بعض اعضاء الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذين تحولوا من معادلة تقديس المواقف والمبادئ الى تقديس معادلة المواقع والمناصب الأمر الذي فضح عورتهم وبين نفاقهم الديني وبانهم لا يختلفون في افكارهم وفي سلوكاتهم عن باقي السياسيين المغاربة الذين يمارسون ما لا يقولون وان اختبائهم وراء المرجعية الدينية ما هو الا تكتيك خداع ومناورات لغايات انتخابية .
بصفة عامة كلمة العثماني وكلمة بنكيران وإيحاءاته ونظراته وسيمولوجية وقوفه ووجهه وحركاته بالمجلس الوطني الاخير تفيد بن الرجل قد فهم ان مهمته قد اقتريت وان القصر لم يعد بحاجة اليه وبان أعضاء أمانة حزبه يفضلون رحيله في صمت والا سيدخل الحزب الى مرحلة صعبة ودقيقة من تاريخه قد بدت معالمها في تدبير رئيس الحكومة الحالي العثماني ملف حراك الحسيمة وفي فقدان الحزب لعدد من الدوائر الانتخابية الجزئية التي اعيد انتخابها وفي نسبة متابعة الناس للجلسات البرلمانية التي فقدت فرجتها مع بنكيران.
كل هذه المؤشرات تؤكد نهاية الظاهرة -بنكيران – منذ الإعفاء الملكي لتطوي بذلك مرحلة رئيسية من المسار السياسي لهذه الشخصية التي أحدثت ثورة في خطاب وتواصل وسلوك رؤساء الحكومات المتعاقبة بالمغرب.
لذلك نقول ،مؤاخذات كثيرة تسجل ضد عقلية وخطاب وسلوك وتواصل وتصريحات بنكيران لكن هناك شبه اجماع انه ظاهرة سياسية وتواصلية بامتياز في تاريخ المغرب الحديث اعاد للسياسة معناها الحقيقي و فرجتها وديناميتها وقربها للمواطن بطريقته . لكن عفويته وشعبيته واخطاءه دفعت ملك البلاد اعفاءه . لكن إعفاء بنكيران لم يكن سابقة في تاريخ الحكومات المغربية منذ استقلال المملكة، إذ سبقه إلى نفس المصير- مع اختلاف السياق- الزعيم عبد الله إبراهيم الذي تم إعفاؤه سنة 1960 بعد أن ظهور مؤشرات اكتساح حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للانتخابات مما ادخل الحزب الى الانشقاقات والتصدعات وهو ما يمكن ان يعرفه حزب العدالة والتنمية بعد انتخاب امين عام جديد له في المؤتمر المقبل.
استاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس الرباط
“