صلاح الوديع يكتب: ‘أهل الريف ليسوا بالغلظة والشدة التي تُشَاع عنهم فَهُم على قدر كبير من الطيبة والجدية وأنا طلبتُ الجنسية لديهم’

زنقة 20. الرباط

كلمات راقية، خط بها الكاتب والحقوقي ‘صلاح الوديع’ عن الريف وأهله، خلال تواجده بالمنطقة إبان ‘حراك الريف’ ضمن وفد حقوقي.

الأديب الراقي، لم يترك كلمة راقية إلا ونسج بها ما شاهده وما أحس به على وجه الخصوص وهو بين أهل الريف.

صلاح الوديع، خاطب المغاربة من الريف ليحمل اليهم تعريف الريف وأهله، عكس ما يشاع عن المنطقة وأهلها من مغالطات.

وفيما يلي مقالة ‘صلاح الوديع’ :

بعض المشاهد من الحسيمة
قضيت ثلاثة أيام في الحسيمة خلال بداية الأسبوع في إطار “المبادرة المدنية من أجل الريف”.
هذه سلسلة مقالات، أريد من خلالها أن أشرك الأصدقاء والصديقات وجمهور المتتبعين في بعض ارتساماتي وأن أنقل بعض سمات الجو العام في المنطقة، في انتظار صدور تقرير “المبادرة” وهو الآن قيد الإنجاز.
خلال هذه الأيام الثلاثة التقيت بالعديد من الفاعلين من مختلف الأوساط: نشطاء وناشطات الحركة الاحتجاجية أو من تبقى منهم غير متابع، شباب محتجون، عائلات المعتقلين، مسئولون، منتخبون، وأشخاص عاديون.
الوضع غير عادٍ في المدينة. خلال النهار، وعلى الرغم من مجيء وغدوِّ السيارات والراجلين في الشارع العام، يشعر المرء بالتوتر يرين على الفضاء. قبل أن يخرج المحتجون إلى الشارع بعد وجبة الإفطار من أجل التظاهر.
سبق لي أن زرت الحسيمة أكثر من 25 مرة خلال عمل هيئة الإنصاف والمصالحة سنوات 2004-2006، إضافة إلى الزيارات التي قمت بها إليها بعد زلزال 24 فبراير 2004 أو خلال الزيارات إلى الجبل من أجل إيصال المساعدات لمنكوبي الزلزال… لم اشعر أبدا بمثل ما شعرت به هذه المرة من توتر في الجو.
خلال رحلة الذهاب بالسيارة إلى الحسيمة بمعية عضو المبادرة خالد فاضل، اخترنا المرور من الطريق الرابطة بين تازة والحسيمة، حيث بدت لنا متعثرة. فبعد مغادرة مدينة تازة وباستثناء أجزاء محدودة من الطريق المزدوجة وعدد من القناطر التي تم إنجازها، يبدو أن العمل يسير ببطء لا يتناسب والانتظارات، ولا يتناسب بالخصوص مع روح المصالحة وجبر الضرر المعنوي التي أطلقتها وأكدت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة. قد يبدو أمر الطريق مسألة جزئية، لكن واقع الأمر غير ذلك. فهذه الطريق لها أولوية قصوى، لأنها الدليل الملموس على تجاوز المرحلة التاريخية التي حكمت على الحسيمة والريف عامة بالتهميش خلال سنوات القمع الأسود.
قمنا بمجموعة من الاتصالات مع بعض نشطاء الحركة المطلبية الاحتجاجية ممن لا زالوا قادرين على التجوال في شوارع المدينة، سهلها علينا عدد من الأصدقاء والصديقات. شكرنا لهم استعدادهم لمحاورة “المبادرة” وأوضحنا طبيعة وجودنا بينهم: الإنصات والرصد والتقصي لما يجري في الحسيمة وكل المنطقة.
حين دخلنا مكان الاجتماع وجلسنا حول الطاولة، وبعدما قدم كل الحاضرين أنفسهم، وبعد الترحاب، كان لومهم بادئ ذي بدء يتعلق بتأخر مثل هذه المبادرات، وكانوا على حق. وكان انتقادهم الحاد موجها لكل من تحامل على الحركة المطلبية ونعتها بالانفصالية، وكانوا على حق. وأعادوا التذكير بالسياقات منذ مقتل الراحل محسن فكري، مذكرين بلائحة المطالب المقدمة في شهر فبراير الماضي مع التأكيد على طابعها الشعبي باعتبار بلورتها تمت في التجمعات المفتوحة للساكنة، لكنهم رفضوا الحديث نهائيا عن أي نقطة من النقط قبل إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث.
في إحدى تدخلاتنا وبعد التذكير بوقوف “المبادرة” إلى جانب مطالبهم الاجتماعية المشروعة، ذكرنا برصيد هيأة الإنصاف والمصالحة الإيجابي وذكرنا كيف أنها وضعت الإصبع على جرح منطقة الريف وأكدتْ – فوق التعويض المادي المشروع للضحايا – على ضرورة إطلاق سياسات تجسد المصالحة وجبر الضرر المعنوي الجماعي. وأجزم أنه بدا لي في عيون الحاضرين من النشطاء بريقٌ أخَّاذ حين تحدثنا عن الجرح المعنوي. وتأكد لي مرة أخرى – كما كان الأمر خلال عمل الهيئة – أن المقاربة في الريف يجب أن تكون معنوية بمعنى أن كل السياسات الملموسة المطلوبة – فوق أهميتها في حد ذاتها – ستكون في الواقع تجسيدا لعودة الريف إلى حضن الوطن بعد طول غبن وإبعاد ظالمَين وصلاَ إلى حد نعتهم ب”الأوباش” حين انتفضوا سنة 1984…
أذكر حين انتهينا من عمل هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2005 وكنا واقفين أمام باب إحدى القاعات الكبرى ضمن عدد كبير من نشطاء وأطر المدينة، التفتتُ إليهم قائلا: لقد مكنتني الهيئة من أن أتعرف على المنطقة جغرافيا وبشريا وسياسيا… وبالأخص روحيا. واستنتجت خطأ الانطباع العام السائد عن أهل الريف. إنهم ليسوا بالشدة والغلظة التي تشاع عنهم، بل هم على قدر كبير من الطيبة والجدية. هناك نوع من الفَراش الأنيق المزركش ذو خصوصية لافتة. حين يشعر هذا النوع من الفَراش بالخطر فإنه يفرد أجنحته، دفاعا عن النفس، بشكل يجعله يكشف عن رسم على شكل قناع مخيف لمن يراه من بعيد، لكنك تكتشف فراشة رائعة مسالمة حينما تقترب. وأردفت مازحا: الآن يبدو لي أنه من حقي أن أطلب “الجنسية” من أبناء الريف ولو أننا أبناء وطن واحد، فهل تهبونها لي؟ كان جوابهم: إنها لك بالإجماع…

غدا: “من أعالي حي سيدي عابد، ياسين يقطع حصة التظاهر ويشرح معنى كونه مغربيا”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد