بلقاضي: بلاغ المجلس الوطني لـ’البيجيدي’ هو دعوة للسير على نفس منهجية بنكيران التي أفضت الى ‘البلوكاج’
بقلم : د. ميلود بالقاضي
كتبه لموقع : Rue20.com
شكل إبعاد بنكيران وتعيين العثماني لتشكيل الحكومة الحدث الأبرز الأسبوع الماضي بل انه كان زلزالا سياسيا ستكون له تداعيات على كل الفرقاء المعنيين بتشكيل الحكومة وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية الذي فوجئ بإبعاد السيد بنكيران في وقت كان السيد الرئيس المكلف يتحدث بقرب انفراج تعثر تشكيل الحكومة مما جعل بنيات الحزب تهتز وتدعو لعقد مجلس وطني استثنائي لمناقشة إبعاد بنكيران وتعويضه بالعثماني، وقد ختم هذا المجلس دورته الاستثنائية ببلاغ في العديد من الرسائل المشفرة الى من يهمه الأمر وفي مقدمتهم العثماني مفادها ان تغيير الأشخاص لا يعني تغيير المناهج التفاوضية وان تدبير ملف التفاوض لتشكيل الحكومة لا يخضع لمزاج العثماني ولرغباته بل لقرارات الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ولاجهزته مما يفهم منه ان اجهزة الحزب ستترك للعثماني مساحات ضيقة للتحرك.
1- إبعاد الملك لبنكيران قرار دستوري واستراتيجي : جاء إبعاد بنكيران عن تشكيل الحكومة وفق مقتضى الصلاحيات الدستورية للملك بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات من جهة ،وحرصا من جلالته لتجاوز البلوكاج الحكومي من جهة اخرى .وقد التزم ملك البلاد في ابعاد بنكيران وتعويضه بالعثماني المنهجية الديمقراطية بتعيين شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية في إطار الفصل 47 وفيه رسالة قوية من صاحب الجلالة لقيادة ومناضلي حزب العدالة والتنمية .
2- العثماني والمهمة الصعبة لكن ليست بالمستحيلة لتشكيل الحكومة: العثماني واع كل الوعي بان مهمته لن تكون سهلة في تشكيل الحكومة، وانه سيواجه نوعين من المشاكل: النوع الاول هو ضغوطات هياكل حزبه التي لن تقبل بأن يخرج العثماني على مضامين بلاغات الأمانة العامة وبلاغ المجلس الوطني الأخير لتشكيل الحكومة مع احزاب الأغلبية السابقة إضافة الى الاتحاد الدستوري او الاستقلال لكن مع رفض الاتحاد الاشتراكي ليؤكد للرأي العام الوطني بان سبب البلوكاج ليس هو بنكيران بل حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتشبث بالدخول للحكومة باي وسيلة ولو بالاصطفاف وراء احزاب ليبرالية لتصبح ناطقة باسمه . النوع الثاني ضغوطات باقي الاحزاب التي سيشاورها خصوصا مجموعة اخنوش هذا الاخير الذي لا يمكنه مساعدة العثماني اذا ما بقي متشبثا بمشاركة بالاتحاد الاشتراكي في الحكومة وفي هذه الحالة فقبول العثماني شروط اخنوش يعني تحميل مسؤولية البلوكاج لبنكيران وليس لادريس لشكر مما سيدفع هياكل ومناضلي حزب العدالة والتنمية مواجهة العثماني بعواصف من الاحتجاجات قد تأزم الوضع الداخلي للحزب خصوصا بعد صدمة هياكل الحزب بكيفية إبعاد بنكيران من تشكيل الحكومة هذا الإبعاد الذي لم يضعف بنكيران بل قواه وها ما يفسره الاستقبال الحماسي لبنكيران من طرف الأمانة العامة للحزب وأعضاء المجلس الوطني اثناء انعقاد دورته الاستثنائية الاخيرة. وامام ضيق مساحات التحرك سيعمل العثماني تدبير ملف تشكيل الحكومة وفق تعليمات ملك البلاد ووفق براكماتية سياسية حزبية لكن ليست بالضيقة حتى لا يتهم بان الحزب هو الذي يدبر ملف تشكيل الحكومة وليس العثماني الذي كلفه جلالة الملك ليكون ممثل كل الاحزاب وليس ممثل حزب العدالة والتنمية لكي لا يسقط في ما وقع فيه بنكيران.
3-بلاغ المجلس الوطني دعوة للعثماني للسير على منهجية بنكيران: بلاغ الأمانة العامة للحزب الذي أعقب صدور البلاغ الملكي، وبلاغ المجلس الوطني ثمنا التزام ملك البلاد بالاختيار الديمقراطي المنسجم مع مقتضيات دستور المملكة، باختياره رئيسا جديدا من نفس حزب بنكيران الذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الاخيرة ، لكن بلاغ المجلس الوطني رفع – في نفس الوقت- سقف شروطه بتوجيه رسالة واضحة للعثماني ولمن يهمه الأمر بان السيد بنكيران ليس مسؤولا عن البلوكاج نتيجة منهجيته الصارمة أثناء المفاوضات بل الأطراف الأخرى هي السبب الرئيسي وقد تجلى ذلك- بوضوح – في بلاغ المجلس الذي أكد اقتناع أعضاء المجلس التام بحسن تدبير بنكيران للتفاوض من أجل تشكيل الحكومة وهو ما يستنتج منه أن شروط بنكيران في تشكيل الحكومة هي نفسها شروط الأمانة للحزب وهي ذاتها التي يجب على السيد العثماني ان يتفاوض على أساسها بما فيها الموقف الصارم من مشاركة لشكر وحزبه، والذي مثَّل أحد أهم اسباب تعثر تشكيل الحكومة السابقة.
4-شروط مجموعة اخنوش الخط الأحمر بالنسبة للعثماني: لن يقبل العثماني شروط اخنوش والتي رفضها بنكيران خصوصا فرض الاتحاد الاشتراكي ولذلك جاء بلاغ المجلس الوطني ليلزم العثماني اتباع النهج الرافض لمشاركة حزب “الوردة” في الحكومة المقبلة ، وهو ما فسر اعتزاز الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في بلاغها الاخير بالمواقف التي عبرت عنها خلال مختلف مراحل تتبعها للتشاور من أجل تشكيل الحكومة”، ومنها الموقف من مشاركة حزب “الوردة”.والمتأمل في لقاءات العثماني بعد تعيينه لتشكيل الحكومة مع زعماء الاحزاب الممثلة بالبرلمان سيلاحظ ان هناك عدة مؤشرات تؤكد ان تماسك مجموعة اخنوش أصبح من الماضي خصوصا بعد تصريح لشكر الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بانه لا يحق لأحد الحديث باسم حزبه في لقاءات المشاورات مع العثماني، مما سيفهم منه ان إقحام حزب الوردة في المواجهة مع بنكيران كان مجرد تكتيك سياسي لإعفاء بنكيران لأسباب تتجاوز مسالة تشكيل الحكومة,لكن ما يجهله الكثيرون بان حزب العدالة والتنمية ليس حزب الأشخاص بل حزب المؤسسات .
5-حزب العدالة والتنمية حزب المؤسسات وليس حزب الأشخاص: حزب البيجيدي من الأحزاب القلائل بالمغرب التي هي حزب مؤسسات، وهو ما يعني ان كل قرارا ت بنكيران الرئيس السابق المكلف بتشكيل الحكومة هي قرارات صادرة عن أجهزة وهياكل الحزب، ولا علاقة له بالسيد بنكيران الذي أكدت كل بلاغات الامانة العامة عدم مسؤوليته عن أي تعثر لتشكيل الحكومة , لذلك يخطئ من يعتقد ان المشاورات الشكلية التي يجريها العثماني مع كل الاحزاب الممثلة بالبرلمان خروج عن منهجية بنكيران او خروج عن بلاغات الامانة العامة للحزب او تجسد تغييرات جذرية في منهجية المشاورات، بل ان حضور كل من الرميد والداودي ويتيم الى جانب العثماني في كل مشاوراته الحزبية هي رسالة موجهة لقادة الاحزاب لسعد الدين العثماني الرئيس المعين مفادها إما القبول بالشروط السالفة التي وضعها بنكيران ، وفي هذه الحالة إعلان براءة السيد بنكيران مما نسب إليه من المسؤولية على “البلوكاج” الحكومي، وإمَّا الاستمرار في رفضها، وفي هذه الحالة سيجد العثماني نفسه في نفس وضع بنكيران مما سيعيد “البلوكاج” الحكومي للواجهة والعودة إلى منطوق الفصل 42 من الدستور وهو احتمال مستبعد جدا، ما دام من بين اهداف إبعاد بنكيران الصلب وتعيين العثماني المرن هو تشكيل الحكومة وفق التوجيهات الملكية اكثر من مواقف الاحزاب المتهافتة على المشاركة في الحكومة وهي المهمة التي يمكن ان ينجح فيها السيد العثماني بمساعدة أحزاب الأغلبية السابقة التي من الأكيد انها فهمت أبعاد الكلمة الملكية الموجهة من صاحب الجلالة لاعضاء المجلس الوطني لحزب البيجيدي اثناء انعقاد دورته الاخيرة من مخاطر دخول المغرب في أزمة سياسية في وقت جد دقيق من تاريخ المغرب.
6-الخلاف بين منهجية العثماني و بين بنكيران هو آليات التفاوض والتواصل:لا حظ الكل ان العثماني الرئيس الجديد المكلف بتشكيل الحكومة بدأ مشاوراته من حيث انتهى سلفه بنكيران بانفتاحه على كل الأحزاب وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة وباقي الأحزاب الأخرى حسب ترتيب نتائج انتخابات 7 من اكنوبر 2016 منطلقا من نقطة الصفر. وقد اثار صمت العثماني الانتباه في محطة المشاورات مع كل الأحزاب أللممثلة بالبرلمان تاركا قياداتها يتكلمون,لكن صمت العثماني وحذره المفرط من التواصل مع الرأي العام لإخباره بمستجدات مشاوراته مع الأحزاب يقابله حضور تواصلي قوي راكمه بنكيران بأسلوبه التواصلي مع الرأي العام من الصعب على العثماني تجاوزه بل انه سيحرجه في القريب العاجل خصوصا مع الصحافة لكون بنكيران كان كائنا تواصليا من الصعب تعويضه بالعثماني السياسي الحذر والكتوم .
7- العثماني في مفترق الطرق رغبة في النجاح والخوف من مخاطر الفشل: يعرف الكل ان تعيين العثماني لتشكيل الحكومة في هذا الوقت بالذات ليس أمرا سهلا ، لانه يتفاوض من اجل تشكيلة الحكومة وهو واع ان كل تحركاته تحت المجهر خصوصا وانه ينتظره المؤتمر الوطني لحزبه نهاية السنة والذي يطمح فيه العثماني ان يجمع بين رئاسة الحكومة وبين رئاسة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية شريطة الوفاء لمنهجية بنكيران عبر الالتزام بمضامين بلاغات الأمانة العامة في تشكيل الحكومة حفاظا على مصداقية ووحدة الحزب لإقناع مناضلي الحزب انه ليس أداة بيد قوى ترغب في إضعاف وتشتيت البيجيدي من الداخل قبل انتخابات 2021 لوضع حد لاتساع قاعدته الشعبية التي من الاكيد انها ستتراجع مع رحيل بنكيران « الحيوان « التواصلي الظاهرة عن قيادة الحزب .
[email protected]