زنقة 20 . الرباط
اعتبر ‘المصطفى المعتصم’، رئيس حزب ‘البديل الحضاري’ المُنحل بأمر قضائي، أن ‘الفتنة الحقيقية هي عندما يتم الدعوة لعدم المشاركة في وقفات التضامن مع المواطنين حين يتعرضون للحگرة’.
وقال ‘المعتصم’ في مقال رأي نُشر على نطاق واسع، أنه ‘لا يستقيم ادعاء أن هناك تهديد لوحدة البلاد وأمنها واستمرار ممارسة الحگرة في حق الشعب المغربي خصوصا على الفئات الفقيرة والمهمشة اقتصاديا وجهويا’.
وفيما يلي نص مقال الرأي :
بكثير من الاخفاقات والقليل من الإنجازات راكمنا في المغرب خلال عقود، كل المعيقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى البيئية.
عقود من سوء التدبير والفساد والنهب والريع وإضعاف الأحزاب والاستبداد مما خلف أوضاعا معقدة ونذوبا في الجسم المغربي ليس من السهل علاج آثارها بسهولة مهما كانت المجهودات الكبيرة التي بذلت وقد تبذل مستقبلا لإخراج البلاد من الإكراهات والخطوب التي تحاصرها داخليا وخارجيا وللجواب بنجاح على الأسئلة الحيوية والمصيرية التي ستحدد مصير الوطن.
المغاربة اليوم مفتونين والفتنة أشد من القتل. مفتونين بتوفير الخبز اليومي، و بإيجاد المدرسة المناسبة للأطفال، والخوف من المرض، والخوف من فقدان العمل، وعدم الإحساس بالأمن، والخوف من المستقبل.
فتن كقطع من الليل المظلم. لكن هذه الفتن شيء وفتنة إدخال البلاد إلى الفوضى الهدامة شيء آخر.
سيقول قائل هناك فتن دون فتن، هذا مؤكد. والفتن المؤدية للتفكيك والتجزيء و الفوضى الهدامة في المغرب تبقى هي الأخطر . نعم، هناك مخطط لضرب وحدة المغاربة وتجزيء المغرب.
ولن يجادل في هذا الأمر إلا بليد لم يستوعب ما يجري فينا وحولنا في العديد من الدول العربية والإسلامية بل وفي العديد من دول اصطلح عليها في الماضي بدول العالم الثالث أو متآمر يريد تنويمنا ليستمر في تنفيذ مخططاته التخريبية والاستعداد لحين ساعة الصفر .
ومن يظن أن المغرب يشكل استثناء من بين كل الدول العربية التي تعيش على إيقاع التفكيك والتقسيم واهم. فإذا كان هكذا مخطط يهدد اليوم السعودية ودول الخليج وليس فقط العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا والجزائر فبالأحرى المغرب والأردن وتونس.
المشكل ليس الوعي بهذا المخطط الرهيب ولكن المشكل العويص هو في طريقة التعاطي والتعامل مع هذا المخطط لإفشاله وتفويت الفرص على المتربصين بأمن ووحدة المغرب أرضا وشعبا. فلا يستقيم ادعاء أن هناك تهديد لوحدة البلاد وأمنها واستمرار ممارسة الحگرة في حق الشعب المغربي خصوصا على الفئات الفقيرة والمهمشة اقتصاديا وجهويا.
لا يستقيم ادعاء المعرفة بوجود مخطط تجزيئي وحقوق الإنسان المغربي الأساسية تنتهك يوميا بأشكال مختلفة. لا يستقيم هذا الوعي بمخطط نيواستعماري والفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى أي هناك نعم موفورة عند قلة قليلة جدا مقابل حقوق مضيعة عند أغلبية مطلقة.
لا يستقيم القول بأننا مهددين في وحدتنا وأمننا وما زالت الداخلية تصر على مصادرة الحقوق السياسية لمواطنين ارتضوا لأنفسهم حزبا أو جمعية غير الأحزاب والجمعيات الموجودة. لا يستقيم هذا الوعي والقول والإيمان بوجود مؤامرة والمغرب لم ينجز فعليا الانتقال الحقيقي إلى الديمقراطية ولم يتمم المصالحة الوطنية بالشكل المطلوب والتام بدلالة استمرار الاحتقان والخوف بين الإدارة وعلى رأسها السلطة والمواطنين في الصحراء والريف منذ العهد الذي ولى حيث لا تزال بعض المؤشرات السلبية في هذا الصدد اليوم بالرغم من المجهودات التي بذلت وتبذل منذ مجيء الملك محمد السادس حتى لا نبخس الناس أشياءهم.
فمن السذاجة التصور أن أحقاد وجراح السنين بل الخوف والشك في نوايا الطرف الآخر ستزول بالسرعة والشكل الذي نريد. أبدا، خصوصا بوجود المتربصين اللذين يستغلون الأخطاء الصغيرة والكبيرة لإعادة فتح الجراح ووضع الملح فوقها حتى لا تلتئم.
من جهة ثانية أقول: بليد وفاقد للقدرة على فهم وتمييز ما يجري فينا وحولنا من كان سيظن أن ما جرى مع الشهيد محسن فكري كان سيمر بسهولة وسلاسة وباتخاذ قرار فتح تحقيق أو توقيف هذا المسؤول أو ذاك وينتهي الأمر وتطوى الصفحة على الأقل لثلاثة أسباب: -السبب الأول، تكرار أخبار حوادث تعنيف المواطنين وابتزاز هم من طرف رجال السلطة بغض النظر عن أسباب ذلك وصدقية الأخبار والحيثيات المحيطة بهذه الأحداث. -السبب الثاني؛ فظاعة المشهد وطريقة استشهاد محسن فكري في حاوية للأزبال والتي تعكس منتهى الاستخفاف بحياة المواطنين وتأجج الإحساس بالحگرة والرغبة في التعبير عن الغضب. -السبب الثالث، أن الحادثة وقعت بالحسيمة حيث ما زال آثار الخوف والرفض مما جرى في سنوات الرصاص يراود الكثير من الريفيين.
باستحضارنا لكل ما سبق أقول وبدون تحفظ إن قرار بعض القيادات الحزبية بمنع مناضليها من الخروج والمشاركة في التظاهرات والوقفات، ما دام التحقيق قد انطلق وما دام ملك المغرب قد أعطى تعليماته كي يأخذ التحقيق مجراه الطبيعي ويكشف الحقيقة كما هي، قرار فاقد لأدنى درجات الرشد والنضج السياسي .
فهؤلاء القيادات نسوا أو تناسوا أن الشعب المغربي لم يعد يطمئن إلى تحقيقات لا تكتمل أو لا تتم أصلا أو يتم التحفظ عليها ويشكك في مصداقية نتائجها حتى ولو تمت ولا يرى بعين الرضى إلى طريقة التفاعل مع التوجيهات الملكية ويعتقد أنه يتم الالتفاف عليها. لقد كان على هذه القيادات أن تعلم علم اليقين أنه من الصعب جدا أن تمنع المواطنين المغاربة من التعبير عن ألمهم لما جرى لمحسن فكري ومن قبل لبائعة الخبز في القنيطرة وبامرأة الدورة وغيرهم و من التعاطف مع الضحية وعائلته والتعبير عن ذلك التعاطف بوقفة سلمية وباشعال شمعة والدعاء لروح الفقيد. وكان عليها أن تعلم أنه من الصعب منع المغاربة في ظل الحيثيات التي رافقت هذا الحدث الجسيم من التنديد بمن يقف وراء ما جرى .
كان على هذه القيادات أن تعلم علم اليقين أن النزول الحتمي للمغاربة يوم الأحد 30 أكتوبر هو أيضا من أجل وضع بويصلة تأمين لعائلة الشهيد ولجيرانه وأبناء مدينته ومنطقته وقبيلته عبر التأكيد لهم أن المغاربة من طنجة للگويرة لن يقبلوا هذه المرة أن لا يأخذ التحقيق مجراه الذي يجب أن يأخذ أو يتم التلاعب فيه.
كان على هؤلاء الزعماء الحريصين على أمن ووحدة البلاد والخائفين من استغلال الحدث من طرف الخصوم السياسيين والمتربصين بالأمن والوحدة المغرب أن يعلموا أن إفراغهم للساحة وإخلائهم لها لن يمنع من يريد استغلال الحادث وتأجيج الغضب عند المغاربة من النزول بل سيتيح لهم الفرصة لينفردوا بالساحة وتوجيه المحتجين كيفما شاؤوا أو على الأقل إعطاء الانطباع للرأي العام الوطني وللرأي العام الدولي ومن يساندهم ويمولهم ويدعمهم أنهم قادرين على تحريك الساحة وفرض وجودهم ولهم تعاطف شعبي مع توجهاتهم وأطروحاتهم.
كان على هؤلاء الزعماء اللذين طلبوا من مناضليهم عدم المشاركة في الوقفات والمسيرات أن يفكروا ويتصرفوا بشكل آخر أي أن يغرقوا الوقفات والمسيرات بمناضليهم الحاملين للافتات المناسبة المعبرة عن الحزن والتضامن والمطالبة بتحقيق العدل وبالمناضلين الحاملين للأعلام الوطنية والرافعين للشعارات المسؤولة.
أقول لمن أتعب نفسه وأزعجنا بمحاولة إقناعنا أن قرار هذا الزعيم أو ذاك بمنع مشاركة مناضلي حزبه في الوقفات والمسيرات، كان قرارا حكيما، عفوا، لقد أخطأتم وجانبتم الصواب فدور الأحزاب هو الإحساس بنبض الشارع والقدرة على التفاعل واستيعاب مطالبه وفهم توجهاته واتخاذ القرار المناسب الذي يجعل منها فعليا صلة وصل بين الدولة والشعب.