زنقة 20 | الرباط
في تقرير مطول رصد عبد الغني الباهي الباحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية ، مكاسب المغرب الاقتصادية في أفق مونديال 2030.
الباهي أكد أن هناك علاقة وثيقة بين السياسة والرياضة، خاصة عندما توفر الرياضة فرص عمل تتجاوز جوهرها الرياضي لتحقيق الأهداف السياسية المتعلقة بالهيمنة والتفوق. ويمكن للدولة استخدام الرياضة كوسيلة لتعزيز نفوذها وزيادة شعبيتها وإظهار قوتها وتحقيق أهداف سياسية معينة.
من الناحية المثالية، يقول الباحث المغربي أنه يجب أن تظل الرياضة محايدة وخالية من السياسة؛ غير أنه يصعب في الواقع تحقيق ذلك في كثير من الحالات. علاوة على ذلك، غالبا ما زادت الحكومات والنخب الحاكمة من اهتمامها بالرياضة للأغراض التجارية أيضا.
لم يعد مفهوم كأس العالم أو الألعاب الأولمبية مجرد احتفال رياضي للترفيه لبعض المشاركين. بل أصبحت استضافة هذه الأحداث العالمية وسيلة مهمة لتنفيذ مشاريع الاستثمار الكبرى، وتوليد الدخل والأرباح، وزيادة الإيرادات الضريبية، وزيادة معدلات النمو والناتج المحلي الإجمالي، واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحفيز السياحة والتجارة، وخلق المزيد من فرص العمل.
قبل ستة وثلاثين عاما، أصبحت المملكة المغربية أول دولة أفريقية تقدم ترشحها لاستضافة أهم حدث رياضي في العالم، نسخة 1994.
واصل المغرب هذا الطموح من خلال أربع محاولات فاشلة أخرى، آخرها نسخة 2026. وكان المغرب أقرب من الفوز بنسخة 2010، وخسر في النهاية أمام جنوب إفريقيا بأربعة أصوات فقط. ولـم يــأت التفكير فـي تنظيم بـطـولـة كـأس العالم للعام 2030، ولـيـد الصدفة أو لمجرد الـتـجـربـة، ولــكــن جـــاء الـــقـــرار وفـــق خـطـوات مدروسة وفقا للإمكانات المتاحة والشروط التي يطلبها الفيفا، والاستفادة من تجارب الترشح السابقة.
لا تقتصر نتائج استضافة نهائيات كأس العالم على الجوانب الرياضية وحدها، ولكنها تمتد إلى أبعاد أخرى لا تقل أهمية، لا سيما الأبعاد الاقتصادية. وهذا يفسر المنافسة الشديدة بين البلدان لاستضافة هذه البطولات، لأنها تسلط الضوء على الدولة المضيفة وتضعها في طليعة الاهتمام العالمي.
إن تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 ليس مجرد حدث رياضي، ولكنه أيضا اقتصادي واجتماعي وثقافي، حيث يجمع ثقافات العالم في مكان واحد، مما يمثل إنجازا مهما للدول المستضيفة.
إن كأس العالم 2030 سيخلق فرصا واعدة لمختلف القطاعات، بما في ذلك مجال العقارات والتجارة، والسياحة، والطيران، والنقل. لا سيما على قطاع السياحة، وستصبح الدول المستضيفة مركزا للسياحة والاستثمار بعد الحدث.
استثمارات السياحة تعزز فرص تحقيق حلمنا المونديالي
تجدر الإشارة بداية إلى أن متوسط عدد السائحين للدولة المضيفة لبطولة كأس العالم لكرة القدم حسب إحصاءات الإقامة بالفنادق والوصول بالمطارات في تجارب الدول التي نظمت المسابقة من قبل يقدر بنحو 600 ألف سائح خلال فترة تنظيم المسابقة، حيث يقدر متوسط إنفاق السائح الواحد منهم بنحو 5000 دولار، أي أن الدخل السياحي المتوقع للدولة المضيفة يصل إلى نحو 3 مليار دولار.
تشكل المرافق السياحية أبرز مقومات الــدول لاستضافة بطولة كـأس العالم، فـالـفـنـادق والـمـطـاعـم ومــراكــز التسوق والمتاحف والأماكن التاريخية والآثــار الـنـادرة أمـور تأخد عين الاعتبار لاختيار الدولة المستضيفة لـلـمـونـديـال الـعـالـمـي، مــا يـحـفـز الــدول المرشحة إلـى رصـد عشرات المليارات مـن الـــــدولارات لتأهيل البنية التحتية السياحية.
وفي هذا الصدد حققت المملكة المغربية أرقاما قياسية، باستقبال 14,6 مليون سائح حتى نهاية أكتوبر 2024 و87,1 مليار درهم من عائدات العملة الصعبة حتى متم شهر شتنبر 2024.
وفي هذا السياق وتماشيا مع تنظيم المونديال أطلقت وزارة السياحة برنامج (CAP HOSPITALIty) الذي يهدف إلى تعزيز القطاع السياحي، وتطوير البنية التحتية الخاصة بالإيواء، عبر تحديث الفنادق والمؤسسات السياحية الأخرى، وذلك من أجل تجربة سياحية متميزة للزوار.
وتخطط المملكة مواصلة تأهيل وتعزيز العرض الفندقي ببناء 187 فندقا جديدا بحلول عام 2030، عبر الشركة المغربية للهندسة السياحية من خلال رفع السعة الإجمالية للقطاع السياحي ليصل الإجمالي إلى أكثر من 15,000 ألف غرفة فندقية.
واسـتـطـاعـت المملكة المغربية خـــلال الـسـنـوات القليلة الماضية إنجاز مشاريع عملاقة فــي الـبـنـيـة التحتية لـقـطـاع السياحية، شملت قطاع الفنادق والطيران المدني ومـــراكـــز الــتــســوق الــعــمــلاقــة بعدد من المدن المستضيفة البطولة.
إن القطاع الفندقي يعد حجر الزاوية في عالم صناعة السياحة حيث لا تستطيع الــدول أن تخطط إلى تنمية السياحة دون وضع اهتمام خاص لأهمية ودور قطاع الفنادق، حيث تكون الخدمات الفندقية الانطباع الأول عن الـــدول الـتـي يـرغـبـون فـي زيـارتـهـا مرة أخرى، لذلك يجب أن يعطي هذا القطاع أولـــويـــة لتحقيق النتائج المرجوة مــــــــــــن تــــنــــمــــيــــة السياحة.
وتتمتع فنادق المملكة المغربية بخبرة كبيرة وتمرسها على استضافة عدد كبير من الفعاليات والمؤتمرات العالمية، بجانب قدرتها على تقديم خدمات راقية تلبي رغبات الزبناء، وتكشف عن الوجه الحضاري للمملكة المغربية وكرم ضيفتها.
البنيات التحتية.. نمو متطور يدعم استضافتنا للمونديال
انخرط المغرب، منذ سنوات عديدة، في مشاريع البنية التحتية الكبرى التي كان لها تأثير على النسيج الاقتصادي الوطني. ويشهد قطاع النقل والمواصلات في المملكة المغربية تطورا لافتا وإنـجـازات متتالية فهو ليس بمنأى عما تشهده الدولة من تطور وازدهــار خلال الآونـة الأخيرة عــلــى جـمـيـع الــصــعــد الاقــتــصــاديــة والـصـنـاعـيـة، والتعليمية والـصـحـيـة والـتـنـمـويـة.
في إطار رؤية المغرب 2030 لتنظيم كأس العالم، وسعيه لتعزيز البنية التحتية للنقل، أطلقت المملكة مشروعا ضخما يهدف إلى تحديث شبكة القطارات وطرق السيار، لتلبية الطلب المتزايد وتحسين تجربة التنقل بين المدن الرئيسية.
وانجاز خطوط السكك الحديدية الجديدة والخط الفائق السرعة الدار البيضاء أكادير مرورا بمراكش، وكذا التجديد الشامل للقطارات بالنسبة لمختلف الخطوط لتكون بجودة عالية موفرة أعلى شروط الراحة والسلامة لزوار المملكة ومواطنيها. إضافة إلى المشروع إنشاء وتحديث 20 محطة جديدة للقطار الجهوي السريع، موزعة على ثلاث مناطق حيوية.
وعملت المملكة استعداد للمونديال على إطلاق دراسة لتطوير البنيات الأساسية لعدد مهم من المطارات خاصة بالنسبة للمدن المستضيفة للبطولة، ويهدف هذا المخطط إلى تزويد المطار ببنية تحتية عصرية وفقا أعلى للمعايير الدولية.
وتعتمد المملكة على تعزيز الربط الجوي لتحقيق هذه الأهداف، حيث فتحت المجالات لشركات طيران جديدة للتحليق في سماء البلاد، وحفزت الاستثمار الخاص في هذا المجال، كما تعتزم الخطوط الملكية المغربية المملوكة للدولة رفع أسطولها بأكثر من 200 طائرة جديدة مقابل 50 حاليا، لمواكبة الطلب المتوقع.
ملعب “الحسن الثاني” مــــــفــــــاجــــــأة مغربية
أكــــدت المملكة المغربية عــزمــهــا الــشــديــد على استضافة بطولة كـأس العالم إلى جانب إسبانيا والبرتغال بطريقة عـمـلـيـة مــن خـــلال مــشــاريــع الـمـلاعـب الـتـي قــررت بناءها أو تلك التي يعاد تأهيلها لإقامة مباريات مــونــديــال 2030 عـلـيـهـا، وبـمـا يتناسب ويلبي كل متطلبات ومواصفات الفيفا التي وضعها أمام الدول التي ترغب في استضافة كأس العالم.
وتتوقع الحكومة المغربية أن تبلغ تكلفة تجديد الملاعب لتكون مستجيبة لمعايير الاتحاد الأفريقي لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم نحو 15.5 مليار درهم، وقد بدأت معظم الأشغال هذا العام بالنظر لاستضافة المملكة لكأس أفريقيا للأمم 2025 التي ستكون مقياسا على جاهزية البنية التحتية.
ووصــل عـدد الـمـلاعـب الـتـي قدمتها المملكة المغربية إلى 6 ملاعب أبرزها ملعب الحسن الثاني، ويستوعب الملعب الذي سيتم بناؤه في مدينة بنسليمان ضواحي مدينة الدار البيضاء، 115 ألف متفرج ليصبح الأكبر عالميا.
وتبلغ ميزانية بناء هذا المشروع الرياضي 5 مليارات درهم. إلى جانب الملعب الرئيسي، ستبنى مجموعة من المرافق الأخرى تشمل؛ ملاعب للتدريب، وملعب مضمار ألعاب القوى، وصالة رياضية، وقاعة للجيمناستيك، كما يتضمن المشروع فندقا من فئة خمس نجوم، ومركزين تجاريين، ومركزا للمؤتمرات والمعارض، وفضاء للألعاب، ومسبح، بالإضافة إلى أربعة مواقف للسيارات والحافلات.
لن تضيف الاستثمارات التي يعتزم المغرب ضخها لاستضافة مباريات كأس العالم أعباء على ميزانية العامة المملكة إذ إنها تأتي ضمن مخطط تنموي مرصود بالفعل، كما أن المملكة تعمل على تطوير بنياتها منذ تسعينات القرن الماضي، ويتوقع أن تضخ استضافة المغرب لهذا الحدث الكروي نحو 1.2 مليار دولار في شرايين اقتصاد المملكة، بحسب تحليلات مختصة.
أخذا بعين الاعتبار احتضان المغرب ثلث إجمالي المباريات (عددها 104) فإن ذلك سيضيف لاقتصاده ما بين 850 مليون إلى 1.2 مليار دولار، بمعدل يتراوح ما بين 25 إلى 37.5 مليون دولار للمباراة الواحدة، لكن يبقى ذلك مجرد تقديرات، فتجربة المتفرج لا تتوقف عند نهاية المباراة بل قد تمتد إلى أيام.