مجلس الحسابات يحيل فضائح إمبراطور بوزنيقة على النيابة العامة…فوضى التعمير وخروقات جسيمة لرئيس فوق القانون
زنقة 20. عبد الحريم المسكاوي
أعادت محكمة النقض بالرباط، مؤخرا، ملف محاكمة البرلماني رئيس جماعة بوزنيقة، امحمد كريمين، إلى بدايته، في وقت كان من المنتظر عزله وإسقاطه من الرئاسة، بعد أن أدانته غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بأربع سنوات موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم بتهمة تتعلق بـ”تبديد أموال عمومية”.
رئيس الجماعة المذكورة أو كما يسمى بـ”إمبراطور بوزنيقة”، والذي عمر على رأس المجلس الجماعي لأزيد من 20 سنة ويروج المقربون منه على أنه “يستوقي بجهات نافذة في الدولة”، وفق مصادر، كان موضوع تقارير المجلس الأعلى للحسابات من بينهم أحد التقارير رصد تسيير جماعة بوزنيقة برسم الفترة 2012 – 2017 سجل خلالها عدد من الإختلالات والخروقات.
وجاء في التقرير، أن المجلس “سجل غياب برنامج عمل الجماعة حيث لم يقم بوضع برنامج العمل المنصوص عليه في القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات،والذي كان يجب أن يُعد ويُعمل به منذ سنة 2016، بالإضافة إلى عدم اتخاذ المجلس للقرارات الكفيلة بتحسين الخدمات الجماعية وتطوير الأداء الجماعي، وذلك من قبيل ضابط البناء الجماعي والأنظمة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية، ووضع استراتيجيات لتنمية الموارد الجماعية وتنظيم الإدارة الجماعية وتحديد اختصاصاتها”.
ورصد التقرير “منح تفويضات لنواب الرئيس مشوبة بنقائص حيث منح الرئيس تفويضي إمضاء لنائبه الأول والثاني يهمان تباعا، من جانب أول الوثائق المرتبطة بالميدان الإداري والمالي ومن جانب ثان الوثائق التي تخص قطاع التعمير والبناء”، وأشار التقرير أنه بـ”الرغم من أن هذين التفويضين ألغيا تباعا بتاريخ 23 مايو 2016 و 10 أبريل 2017 ، تجب الإشارة إلى أن التفويض الأول الممنوح للنائب الأول للرئيس يهم أصلا مجالا غير قابل للتفويض بموجب المادة 103 من القانون التنظيمي رقم 113 – 14 التي تستثني التسيير الإداري والأمر بالصرف(الشق المالي) من ميادين التفويض. كما لوحظ استمرار النائبين المفوض لهما سابقا في إمضاء بعض الوثائق رغم إلغاء تفويضيهما” .
وأظهرت المراقبة التي قام بها المجلس الجهوي للحسابات لتدبير الموارد البشرية والتسيير الإداري “عدم تحديد المهام المتعلقة بكل وظيفة أو وحدة إدارية وعدم إعداد دلائل المساطر ذات الصلة، وذلك بغية درء كل تداخل في الاختصاصات أو غموض في المسؤوليات، حيث يقوم قسم تنمية الموارد المالية مثلا بمهام متنافية كإحصاء وتحديد الوعاء الجبائي، وتصفية المداخيل، وتبليغ الإعذارات، وتحصيل المداخيل، بالإضافة لأعمال المراقبة”.
كما رصد التقرير توزيع غير متوازن للموظفين “إذ تضم الجماعة 6 أقسام و 24 مصلحة يعمل بها 174 موظفا جماعيا مع تسجيل حالات بعض المصالح التي تضم موظفا واحدا وحالة مكتب حفظ الصحة الذي يبلغ عدد موظفيه، رغم أهميته، اثنان في حين أن مصلحة المرآب الجماعي تضم 15 موظفا”. بالإضافة إلى نقائص في تدبير مكتب الضبط تهم أداء مصلحة مكتب الضبط من قبيل عدم مسك سجل معلوماتي لضبط الإرساليات والوثائق الواردة أو الصادرة عن الجماعة مع تسجيل غياب دليل مساطر معالجة الإرساليات مما يحد من مساعي تجويد الخدمات المقدمة للمرتفقين ومدى إنسيابية تدفق المراسلات ما بين مختلف مصالح الجماعة”.
أما على مستوى تدبير قطاع التعمير رصد المجلس الجهوي للحسابات في هذا المجال الاختلالات تهم “غياب نظام معلوماتي لمعالجة وتتبع طلبات وملفات التجزئة والتقسيم والبناء، حيث لا تتوفر الجماعة على نظام معلوماتي لمعالجة وتتبع طلبات وملفات التجزئة والتقسيم والبناء.
ويترتب عن هذا النقص عدم ضبط آجال البت في ذات الطلبات بما يتوافق مع المقتضيات القانونية والتنظيمية ذات الصلة. كما لا يتيح الوقوف على مآل الملفات وإضفاء المهنية على العلاقات التي تربط الجماعة بمرتفقيها وشركائها. وأخيرا لا يسمح هذا النقص بضبط العلاقة التي تربط قسم التعمير بالمصالح الأخرى وخصوصا منها قسم تنمية الموارد المالية لتفادي ضياع مداخيل إضافية على الجماعة”.
ورصد التقرير في هذا الباب أيضا “غياب معايير للاستفادة من الاستثناءات وضعف في المراقبة حيث يستفيد مجموعة من المنعشين العقاريين على تراب الجماعة من استثناءات في مجال التعمير في غياب معايير محددة، كما جاء في الدورية الوزارية المشتركة رقم 31/10098 الصادرة بتاريخ 6 يوليوز 2010 ، بدليل أن مشاريع عقارية أو خدماتية تهم نفس الوعاء العقاري أو متجاورة يتم الترخيص لبعضها دون الأخرى . وقد لوحظ عدم تعليل قرارات منح الاستفادة من الاستثناء، التي لا تشير للمقتضى الذي تم تجاوزه في وثائق التعمير (تخصيص المنطقة، العلو المسموح به . …) ولا تبين بشكل صريح ودقيق الالتزامات التي يجب أن يفي بها صاحب المشروع مقابل استفادته من الاستثناء .
كما تم الوقوف على ضعف مراقبة مدى احترام المنعشين العقاريين لالتزاماتهم المترتبة عن قرارات الاستثناء كما هو الحال للمجمع السكني والتجزئة المنجزتين تباعا من طرف شركة “ف.أ” وشركة “االق”.
وسجل التقرير “تعدد اجتماعات لجنة دراسة طلبات الإذن بإنجاز التجزئة، أو التقسيم أو البناء وعدم احترام آجال البت فيها، وذلك نتيجة عدم إرسال مجمل الوثائق اللازمة إلى كل أعضاء لجنة دراسة المشاريع أو إرسالها إليهم بصورة متفرقة، أو بسبب غياب عضو من أعضاء اللجنة. وهكذا يبلغ في المتوسط أجل الترخيص لمشاريع التجزئات بمدينة بوزنيقة 428 يوما، وقد يصل أحيانا إلى ست سنوات كحالة تجزئة “ك” كما يبلغ أجل الترخيص لمشاريع البناء في المتوسط أربعة أشهر وقد يصل إلى سنة كما هو الحال بالنسبة لشركة “م.ن”.
ورصد التقرير قصور في مراقبة أشغال التجزئات إذ يتجلى ذلك من خلال عدم توقيع كل أعضاء لجنة الدراسة للوثائق المكتوبة والمرسومة لملفات طلب الترخيص أو توقيع وثائق متضاربة؛ وعدم إعمال آلية الكفالات الشخصية أو البنكية عند تقسيط أشغال التجزئات، وذلك بهدف إلزام صاحب المشروع على تنفيذ برنامج التقسيط واحترام الآجال المحددة؛ وعدم مراقبة إلزامية مسك دفتر للورش من طرف المهندس المعماري وعدم التصريح بالتسلم النهائي للتجزئات. و الإدلاء بمعطيا ت ناقصة بخصوص عدد الرخص المسلمة بحيث، وعلى سبيل المثال، صرحت الجماعة سنة 2017 بتسليم 149 رخصة بناء خلال السبعة أشهر الأولى من هذه السنة، في حين أن عد د الرخص المسلمة، المدونة في السجلات الممسوكة من طرف قسم التعمير ، بلغ عن نفس الفترة، 241 رخصة؛ وضعف وعدم جدوى مراقبة الجماعة لأوراش البناء حيث لوحظ، خلال الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى سنة 2016 ، تراجع وتيرة تسجيل المخالفات سواء بصفة مطلقة أو بصورة نسبية مقارنة مع عدد رخص البناء ورخص السكن الممنوحة كما لم تُسجل سنة 2017 ، أي بعد دخول القانون رقم 12 – 66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء حيز التطبيق، سوى ثلاث مخالفات من أصل 410 رخصة بناء ممنوحة. كما أن كل المخالفات المسجلة لا تُستكمل مسطرتها حتى تقضي إلى معالجتها ووضع حد لها”.
أما على مستوى المداخيل ذات الصلة بقطاع التعمير، فقد سجل قضاة المجلس الأعلى، عدم قيام الجماعة بإحصاء الأراضي الحضرية غير المبنية، وعدم قيام مصالح الجماعة بإحصاء الأراضي الحضرية غير المبنية وفق القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، مما يترتب عنه ضياع مداخيل مهمة تفوق، حسب تقديرات المجلس الجهوي للحسابات، مبلغ
9.501.182,35 درهم عن الفترة الممتدة من 2014 إلى 2017، وعدم تتبع شروط وآجال الاستفادة من الإعفاءات الكلية الدائمة والمؤقتة من أداء الضريبة على الأراضي الحضرية غير المبنية كتلك الممنوحة لمشاريع السكن الاجتماعي أو الأراضي موضوع رخصة تجزئة أو بناء لمدة ثلاث سنوات. ويعزى هذا التقصير إلى غياب التنسيق بين قسم التعمير وقسم تنمية الموارد المالية لضبط استيفاء المشروع لشروط الاستفادة من الإعفاء وكذا احترام آجال الإعفاء ثم إلى غياب نظام معلوماتي مندمج ومتكامل لضبط تلك الآجال. وبهذا تكون الجماعة قد ضيعت، بالنسبة لخمس تجزئات فقط، مداخيل ناهزت مبلغ 2,74 مليون درهم”.
أما على مستوى المداخيل المحولة مكنت المراقبة بهذا الخصوص من الوقوف على عدم إجراء الإحصاء السنوي مع تفويت مداخيل مهمة على الجماعة، حيثي لا تقوم المصالح الجماعية، بمعية مديرية الضرائب الإقليمية وكما جاء في القانون، بإحصاء سنوي للعقارات والعناصر الخاضعة للرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الاجتماعية ولو كانت معفية منها. وعند مقارنة عدد الزبناء النشيطين المسجلين لدى المكتب الوطني للماء والكهرباء بتراب جماعة بوزنيقة مع عدد الملزمين المحصيين تبين للمجلس الجهوي للحسابات إغفال 12546 شخص أو نشاط. مما يُفوت سنويا على الجماعة مداخيل تفوق 15 مليون درهم”.
ورصد قضاة المجلس الأعلى للحسابات ” عدم استخلاص بعض الرسوم المستحقة إذ وقف المجلس الجهوي للحسابات على 32 حالة ملزم لم يؤد على الأقل الرسم المهني لسنة 2013 إلى سنة 2016 رغم كونه لم يعد يستفيد من الإعفاء المؤقت، على اعتبار أن تاريخ إحداث النشاط الذي يزاوله يرجع إلى ما قبل سنة 2007 . أما بالنسبة لرسم السكن ورسم الخدمات الاجتماعية، فقد اتضح أن 250 ملزما لم يؤدوا أية ضريبة، برسم السنوات الممتدة من 2013 إلى 2016 .
من جهة أخرى كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه” على مستوى التدبير المفوض للنفايات الصلبة أبرمت الجماعة مع شركة “أوزون Environnement ” الاتفاقية رقم MB/2009/1 المتعلقة بالتدبير المفوض للنفايات الصلبة ابتداء من 31 مارس 2010 . وقد وصل مجموع البيانات التي تم أداؤها للشركة المفوض لها عن الفترة التعاقدية ما بين سنة 2010 و 2017 مبلغ 91.854.053,82 درهم. كما تم إبرام الاتفاقية رقم ST/2017/01 مع شركة “أوزون BAY ” لمدة سبع سنوات ابتداء من أكتوبر 2017 بمبلغ سنوي قدره 15.530.262,00 درهم.
وقد سجل المجلس الجهوي للحسابات بهذا الخصوص على مستوى الاتفاقية رقم MB/2009/1 تغيير معالم الاتفاقية نتيجة اللجوء المتكرر للعقود الملحقة، فخلال مدة 7 سنوات أبرمت الجماعة أربعة عقود ملحقة أسهمت في تغيير الظروف الأولية التي رافقت إرساء طلب العروض على شركة “أوزون Environnement ” حيث تم مثلا تغيير مكان تفريغ النفايات المنزلية ورفع سعر الخدمات المقدمة من طرف الشركة ليتم لاحقا رفعه من جديد، مع اعتماد الثمن الجزافي. هذه التغييرات تدخل ضمن الأمور التي كان يتوجب أخذها بعين الاعتبار عند إعداد الاتفاقية وليس بعد الشروع في تطبيقها مما كان سيحول دون تكبيد الجماعة تكاليف إضافية وفتح تدبير هذا المرفق أمام المنافسة وفق هذه الشروط.
وسجل التقرير “عدم ممارسة حق المراقبة والاطلاع وعدم تحقق الجماعة من الكميات المؤدى عنها لا تقوم لجنة التتبع والمراقبة بالدور المنوط بها لمراقبة تنفيذ الاتفاقية إذ لم تعقد أي اجتماع منذ تعيينها. الأمر الذي نتجت عنه أداءات غير مستحقة تم تقديرها في 369.761,15 درهم خلال شهر غشت فقط من سنة 2015″ .
أما على مستوى الاتفاقية رقم ST/2017/01، فقد رصد القضاة، خلل في تحديد أجرة المفوض إليه، حيث إن طريقة الأداء المنصوص عليها في الاتفاقية رقم ST/2017/01 المشار إليها أعلاه لا تتماشى مع مقتضيات مع المادة رقم 4 من القانون 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، التي تنص على أنه يجب على الأطراف المتعاقدة ضمان الحفاظ على التوازن المالي لعقد التدبير المفوض مع مراعاة متطلبات المرفق العام والأجر العادل للمفوض له. وبالتالي فإن اختيار الثمن الجزافي، كما جاء في الاتفاقية المذكورة، عوض الأثمنة الأحادية المطبقة على
الحمولة الحقيقية لا يمكن من تحق يق هذا التوازن حيث أدى إلى رفع الكلفة بنسبة 53 بالمائة مقارنة مع الاتفاقية السابقة، فضلا عن ذلك، فإن نهج طريقة الثمن الجزافي لا يمكن الجماعة من إجراء المراقبة على أساس كمية النفايات الصلبة التي يتم جمعها فعليا”.
وبخصوص هذا الملف، وغق مصادر متكابقة، صدر قرار قضائي مؤخرا يقضي بتوقيف الاستقلالي “امحمد كريمين”، عن ممارسة مهامه كرئيس لجماعة بوزنيقة، وذلك استنادا لمقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات، مشيرة إلى المصالح المركزية، أحلت ملف عزله على المحكمة الإدارية بالدار البيضاء.
وارتباطا بالموضوع، أكدت ذات المصادر أن تحريك مسطرة العزل في حق البرلماني الاستقلالي “امحمد كريمن”، رئيس جماعة بوزنيقة، جاء بعد إجراء لجنة تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية لافتحاص، رصدت من خلاله اختلالات وتلاعبات شابت صفقة للتدبير المفوض، إلى جانب تضارب المصالح، في إشارة إلى أن اللجنة سالفة الذكر، توصلت بوثائق تثبت وجود علاقة تجارية بين”كريمن”، ومالك شركة “أوزون” عزيز البدراوي، التي فازت بصفقة تدبير قطاع النظافة.
يذكر أن زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، أعلنت اليوم الثلاثاء، أن المجلس أحال على القضاء 18 ملفا ذات طابع جنائي تتعلق بعدد من الجماعات المحلية ومؤسستان تابعتان لقطاع التعليم العالي وشركات للتدبير المفوض.
وأكدت العدوي خلال تقديم تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2021، في جلسة عمومية مشتركة لغرفتي البرلمان، أنه “بشأن الأفعال التي قد تستوجب عقوبة جنائية أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 28 أبريل 2023 على الوكيل العامل للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة 18 ملفا تخص 14 جماعة ترابية ومؤسستان عموميتان تابعتان لقطاع التعليم العالي”.