ظاهرة التبخيس-قراءة في المشهد المجتمعي التداعيات والأسباب
بقلم : العبدلاوي محمد
إن الناظر بعين التبصر والبصيرة يلاحظ سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتي أتاحت لكل واحد منا الحديث عما يجول بخاطره من أحاسيس ومشاعر، انتشارَ ظاهرة التبخيس لعمل الاخرين سواء في قطاعه أو قطاعات اخرى، تحت ما يسمى بعملية النقد ومحاولة الإصلاح، ، وانا هنا سأضع الاطار النظري الذي أريد الحديث عنه، فلست أريد في هذا المقال الموجز المساس بحرية التعبير ولا التحجير عليها أبدا، بقدر ما أريد تناول ظاهرة التبخيس كظاهرة مجتمعية، الغاية من هذا الرفع من الوعي المجتمعي للتفريق بين النقد الإيجابي والنقد الهدام والتبخيس الذي يروم الاهتمام بالتشويه والتدمير أكثر من البناء والتحسين.
تعتبر ظاهرة التبخيس مشكلة اجتماعية واقتصادية خطيرة تترك آثاراً سلبية ومدمرة على المجتمعات، حيث تؤثر على الصحة العامة والاقتصاد والمجتمع بشكل عام، فعندما يتم تبخيس العمل الوظيفي لقطاع معين وإلقاء الأحكام بالجملة فنحن نتحدث عن التبخيس، فعندما نزدري نمطيا المنتوجات الوطنية بدعوى أنها صنعت محليا وبالتالي فلا جودة لهافنحن نتحدث أيضا عن التبخيس، وعندما نتحدث عن المجهودات الوطنية والدولية ونبخس عمل أصحابها وأجهزتها فنحن نتحدث عن التبخيس، والذي أثار حفيظتي إلى هذا الموضوع كوني كنت مسافرا على متن القطار وكان معنا سياح من دول مختلفة، وقام أحدهم بانتقاد جودة المكيف الهوائي، فقام أحد المواطنين بازدراء كل ما هو مغربي أو يمت للمغرب بصلة بلغة فرنسية ركيكة تشم منها رائحة الاستهزاء والسخرية من كل ما هو مغربي، فلم يفرق صاحبنا بين التبخيس والانتقاد، فظاهرة التبخيس تؤثر على حياة الناس وصحتهم وأمنهم، كما تؤثر على البيئة والتنمية المستدامة. وبسبب هذه الآثار السلبية، ينبغي علينا جميعًا العمل معًا لمكافحة ظاهرة التبخيس وتحقيق جودة عالية للإصلاح البناء من خلال النقد الإيجابي من أبوابه.
ويمكن القول إن أهم الأسباب وراء تفشي هذه الظاهرة هي أولا العوامل النفسية التي تساهم في انتشار ظاهرة التبخيس، من انتشار السلبية والمناخ المكهرب الذي يصنعه بعض الفاعلين المجتمعين بل وحتى الحقوقيين بدعوى الإصلاح، فتشمل عدم قدرتهم على تحمل الضغوط النفسية والتوترات المالية، وعدم الشعور بالرضا العام فيلبسه صاحبه ثوب الانتقاد والإصلاح، فضلا عن الجهل والأنانية التي يتصف بها الشخص.
لا يعني البتة تحليل ظاهرة التبخيس الحد من حرية الرأي، فحرية الرأي هي حق يتمتع به الأفراد للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية، دون أي تدخل أو قيود من الجهات الحكومية أو الأفراد الآخرين، ويعتبر هذا الحق من الحقوق الأساسية التي تضمنها العديد من الدساتير والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
بينما يعد تبخيس الجهود المبذولة ممارسة غير أخلاقية ومدانة، ويتمثل في إفشاء أخبار كاذبة أو معلومات مغلوطة عن مشروع أو حملة أو فعالية ما، بهدف التشويه والتقليل من جهود المسؤولين أو المشاركين في تلك المبادرة.
وبالرغم من أن حرية الرأي والتعبير حق أساسي، إلا أنه يتعين على المتحدثين باسم الحرية والتعبير أن يتحلى بالمسؤولية والحيادية وعدم تبخيس الجهود المبذولة، حتى لا يتسببوا في الإضرار بالمصالح العامة ويؤثروا على سمعة الأفراد أو المؤسسات المعنية.
الفرق بين النقد الايجابي والنقد السلبي
النقد هو عملية تحليل وتقييم لشيء ما، سواء كانت فكرة أو عمل علمي أو منتج تجاري أو غيرها، بهدف تقديم رأي أو تحليل مفصل لهذا الشيء، فيتم استخدام النقد في العديد من المجالات مثل الفنون والأدب والعلوم والتكنولوجيا والسياسة والاقتصاد، وهو يساعد على فهم وتحسين هذه المجالات، فالنقد الإيجابي والنقد السلبي هما نوعان يمارسهماالأفراد في مختلف المجالات والأنشطة ويختلف الفرق بينهما في النهج والهدف والتأثير.
النقد الإيجابي: هو النقد الذي يهدف إلى تحفيز الأفراد على تحسين أدائهم أو تطوير مهاراتهم. ويتم ذلك من خلال التركيز على الجوانب الإيجابية للعمل أو الفعل، وإبراز الأمور التي تحتاج إلى تحسين وتطوير بشكل مشجع ومحفز. ويتم ذلك بأسلوب محفز وبناء، مما يعزز الثقة في الذات ويحفز على العمل الأفضل.
أما التبخيس: فهو النقد الذي يركز على الأخطاء والسلبيات في العمل أو الفعل، ويهدف إلى التحسين والتطوير من خلال إبراز العيوب والنواحي السلبية، ويتم ذلك بأسلوب حاد وغير بناء، وقد يؤدي إلى الشعور بالإحباط والضعف والتراجع في الأداء.
يمكن القول إن النقد الإيجابي يستخدم لتعزيز الأداء وتحفيز الأفراد على العمل الأفضل و يركز على الجوانب الإيجابية والمميزة ، بينما يستخدم التبخيس لإبراز الأخطاء والنواحي السلبية لتحسين الأداء وتطويره لكن تطغى عليه النظرة السوداوية والتشاؤم والتقنيط بالتركيز على الأخطاء والعيوب والمشاكل كما يهدف إلى تدمير الأفكار والقيم والمفاهيم والثقافات الحاضرة بدلاً عن البحث عن الحلول والتحسينات من خلال استغلال أخطاء حقيقية وواقعية لتأييد نزعته، حيث يهدف إلى إلحاق الأذى بالأفكار والعمل على تشويهها لأسباب محددة سيأتي الحديث عنها قريبا.
فالنخب المثقفة لا شك تفرق بين المنهجين وتميز بين الطريقتين، ويمكن تحديد بعض سمات النقد الهدام من خلال:
وتأتي لذلك مجموعة من الأسباب من وراء ظاهرة التبخيس من أهمها:
أولا: الغرض الشخصي: فقد يستخدم بعض الأفراد النقد الهدّام لتحقيق أغراضهم الشخصية، سواء كانت الانتقام من شخص ما أو جهة ما أو الحصول على انتباه الجمهور.
ثانيا: الجهل: قد ينتج التبخيس عن عدم فهم الشخص للموضوع الذي ينتقده، وعدم امتلاكه للمعلومات الكافية حوله، مما يؤدي إلى إصدار تقييمات خاطئة.
ثالثا: العداء الموجه: حيث يعرض الشخص الموضوع للانتقاد دون النظر في جوانبه الإيجابية.
ثالثا: خدمة الأهداف السياسية: يستخدم بعض الأفراد والجماعات التبخيس كوسيلة لترويج أجندات سياسية، حيث يهدفون إلى تشويه صورة المنافسين والخصوم لتصفية الحسابات السياسوية.
رابعا: الرغبة في الشهرة السريعة: فيستخدم بعض الأفراد والجماعات التبخيسكوسيلة للانتشار السريع، حيث يعتقدون أن هذه الطريقة ستجلب لهم المزيد من الانتباه والشهرة.
خامسا: ربح الوقت والجهد: يستخدم التبخيس أيضا كوسيلة سهلة وسريعة لإبداء الرأي دون الحاجة للاستثمار الكثير من الوقت والجهد في دراسة الموضوع أو التعمق فيه.
تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة التبخيس تمثل خطراً على المجتمع ويؤدي إلى تشويه الصورة الحقيقية للبلاد والأشخاص والمؤسسات والأشياء وإخفاء مزاياها وإساءة تقديرها، وبالتالي يؤثر على الثقة العامة في تلك الأشخاص والمؤسسات العامة حكوميةكانت أو غير حكومية، وبشكل عام، يعتبر النقد البناء والإيجابي هو الأسلوب الأفضل لتحسين الأفكار والمفاهيم والثقافات، وتعزيز التنمية والابتكار والتطور في المجتمع.