زنقة 20 /خاص
شهدت عاصمة المملكة، خلال السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً على مستوى البنيات التحتية، ضمن أوراش المشروع الملكي الضخم “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية”.
هذا المشروع الملكي الهام الذي يروم الارتقاء بعاصمة المغرب إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى، ساهم في تحديث عاصمة المغرب من جهة، وتعزيز مكانة المملكة باعتبارها وجهة سياحية رائدة ومنارة ثقافية.
هذا المشروع الملكي، جعل أيضاً العاصمة الرباط قطبا للإشعاع الثقافي للمملكة، من خلال الارتقاء بالبنيات التحتية المتوفرة وإنجاز أخرى جديدة، وتطوير الإنارة العمومية والمرافق الإدارية والثقافية والترفيهية.
و أصبحت العاصمة الرباط، قيمة مضافة مكنتها من تحقيق هذا الإشعاع عبر بوابة تثمين التراث، وحماية الفضاءات الخضراء، وتحسين الولوج إلى مختلف الخدمات وتعزيز حكامة المشاريع المهيلكة التي ستساهم في ضخ دينامية جديدة وتكثيف وتيرة الأنشطة الثقافية، كل هذا إنطلاقا من التاريع الثقافي للعاصمة.
الرباط … عاصمة الأنوار — الحصن السياسي والثقافي للمملكة
تقع مدينة الرباط، عاصمة المملكة المغربية بجهة الرباط سلا القنيطرة يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة وتقع على ساحل المحيط الأطلسي في سهل منبسط فسيح، وعلى الضفة اليسرى لمصب نهر أبي رقراق الذي يفصلها عن مدينة سلا، حيث تشتهر المدينة بصناعة النسيج، كما أن بها جامعة محمد الخامس أول جامعة حديثة أُسِّسَتْ بالمملكة.
وتشير المصادر التاريخية المتوفرة، أن تأسيس العاصمة السياسية والثقافية للمملكة المغربية، تم على يد الموحدين في أواسط القرن الثاني عشر للميلاد، حيث قام عبد المؤمن بإنشاء رِبَاطَ الفَتْحِ ، وهي نواة مدينة محصنة شملت بالإضافة إلى القلعة، مسجدا ودارا للخلافة.
ويعتبر حفيده يعقوب المنصور، المؤسس الحقيقي لمدينة الرباط، فقد ذكر عدة مؤرخين أن اكتمال بناء المدينة كان على عهد أبي يوسف المنصور، بما في ذلك السور والبوابات.
وبحسب المصادر التاريخية الرسمية، خاصة تلك المعتمدة من طرف وزارة الثقافة، فإن مدينة الرباط عرفت خلال العهد الموحدي إشعاعا تاريخيا وحضاريا، حيث تم تحويل الرباط (الحصن) على عهد عبد المومن الموحدي إلى قصبة محصنة لحماية جيوشه التي كانت تنطلق في حملات جهادية صوب الأندلس.
وفي عهد حفيده يعقوب المنصور، أراد أن يجعل من رباط الفتح عاصمة لدولته، وهكذا أمر بتحصينها بأسوار متينة، وشيد بها عدة بنايات من أشهرها مسجد حسان بصومعته الشامخة، وفي القرن الرابع عشر بدأت الرباط تعرف اضمحلالا بسبب المحاولات المتتالية للمرينيين للاستيلاء عليها، وإنشائهم لمقبرة ملكية بموقع شالة لخير دليل على ذلك.
وفي عهد السعديين 1609 سمح للمسلمين القادمين من الأندلس بالإقامة بالمدينة، فقاموا بتحصينها بأسوار منيعة والتي ما زالت تعرف بالسور الأندلسي.،وفي هذا العهد تم توحيد العدوتين (مدينة الرباط وسلا) تحت حكم دويلة أبي رقراق، التي أنشأها الموريسكيون، ومنذ ذلك الحين اشتهر مجاهدوا القصبة بنشاطهم البحري، وعرفوا عند الأوربيين باسم “قراصنة سلا” وقد استمروا في جهادهم ضد البواخر الأوربية إلى غاية سنة 1829.
الرباط تفتح أحضانها للموريسكيين
واحتضنت الرباط الأندلسيين الذين لجؤوا إليها بعد طردهم من إسبانيا واستقروا فيها على موجات متلاحقة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وجاءت أولى هذه الموجات عام 1239م، وكانت تضم مهاجرين من بلنسية وأنحاء أندلسية أخرى وضمن الموجة الأخيرة، وصل آلاف الموريسكيين الذي طردوا بقرار من الملك فيليب الثالث في عام 1609م واستقروا في قصبة الأوداية وبنوا المدينة الحالية، وما يزالون يحتفظون بفنونهم وصنائعهم الرفيعة، ولا تزال كنية بعض العائلات اليوم شاهدة على أصلها الأندلسي مثل، مُلين، وتريدانو وبيرو وفينجيرو وبركاش وبالافريج .
وتزخر الرباط بمعالم تاريخية تشهد على عراقتها، وتستقطب عددا متناميا من الزوار والسياح، مغاربة وأجانب.
قصبة الأوداية
وتقول المصادر ذاتها، إن قصبة الأوداية كانت في الأصل قلعة محصنة، تم تشييدها من طرف المرابطين لمحاربة قبائل برغواطة، وازدادت أهميتها في عهد الموحدين، الذين جعلوا منها رباطاً على مصب وادي أبي رقراق لشن حملات عسكرية ضد الإسبان وأطلقوا عليها اسم المهدية.
وبعد الموحدين، أصبحت مهملة إلى أن استوطنها الموريسكيون الذين جاءوا من الأندلس، فأعادوا إليها الحياة بتدعيمها بأسوار محصنة وجعلها مقرا لدويلة أبي رقراق التاريخية، وفي عهد العلويين، عرفت قصبة الأوداية عدة تغييرات وإصلاحات ما بين سنة 1757و1789، وكذلك ما بين سنة 1790 و1792.
وقد عرف هذا الموقع تاريخاً متنوعاً ومتميزاً، يتجلى خصوصاً في المباني التي تتكون منها قصبة الأوداية، فسورها الموحدي وبابها الأثري (الباب الكبير) يعتبران من رموز الفن المعماري الموحدي، بالإضافة إلى مسجدها المعروف بالجامع العتيق، أما المنشآت العلوية فتتجلى في الأسوار الرشيدية، والقصر الأميري الذي يقع غرباً وكذلك منشأتها العسكرية كبرج صقالة.
شالة
وبقيت شالة مهجورة منذ القرن الخامس حتى القرن العاشر الميلادي حيث تحول الموقع إلى رباط يتجمع فيه المجاهدون لمواجهة قبيلة برغواطة لكن هذه المرحلة التاريخية تبقى غامضة إلى أن اتخذ السلطان المريني أبو يوسف يعقوب سنة 1284م من الموقع مقبرة لدفن ملوك وأعيان بني مرين حيث شيد النواة الأولى لمجمع ضم مسجدا ودارا للوضوء وقبة دفنت بها زوجته أم العز.
وتراجعت شالة مباشرة بعد قرار المرينيين بإعادة فتح مقبرة القلة بفاس، فأهملت بناياتها، بل وتعرضت في بداية القرن الخامس عشر الميلادي للنهب والتدمير لتحتفظ بقدسيتها العريقة وتعيش بفضل ذكريات تاريخها القديم على هامش مدينة رباط الفتح، وتصبح تدريجيا مقبرة ومحجا لساكنة المنطقة، بل معلمة تاريخية متميزة تجتذب الأنظار.
في القرن الرابع عشر الميلادي (1339) أحيط الموقع بسور خماسي الأضلاع مدعم بعشرين برجا مربعا وثلاث بوابات أكبرها وأجملها زخرفة وعمارة الباب الرئيسي للموقع المقابل للسور الموحدي لرباط الفتح. أما داخل الموقع فقد تم تشييد أربع مجموعات معمارية مستقلة ومتكاملة تجسد كلها عظمة ومكانة مقبرة شالة على العهد المريني.
صومعة حسان
وتعتبر صومعة حسان رمزا لمدينة الرباط، كما تعتبر من بين أشهر المواقع الأثرية بالمملكة، فضلا عن كونها هي الأثر التاريخي الوحيد الذي تبقى من أعمال السلطان ألموحدي يعقوب المنصور (القرن الثاني عشر) والذي كان يعد أكبر جامع في العالم الإسلامي.
ولم يكن لهذا المشروع الضخم أن يصمد بعد موت السلطان ألموحدي سنة 1199، وبعد الزلزال الذي ضرب لشبونة سنة 1755، حتى أنه، لم يبق منه إلا الصومعة التي أصبحت تحمل اسم هذا الجامع، والبالغ علوها 44 مترا والتي تضاهي هندستها كلا من جامع الكتبية بمراكش وجامع جيرا لدا باشبيلية.
السور الموحدي
شيّد هذا السور من طرف السلطان يعقوب المنصور الموحدي، حيث يبلغ طوله 2263م، وهو يمتد من الغرب حتى جنوب مدينة الرباط، ويبلغ عرضه 2.5م وعلوه 10 أمتار وهذا السور مدعم ب 74 برجا، كما تتخلله 5 أبواب ضخمة (باب لعلو، باب الحد، باب الرواح، وباب زعير ).
السور الأندلسي
وشيد هذا السور على عهد السعديين من طرف المورسكيين، يقع على بعد21م تقريبا جنوب باب الحد، ليمتد شرقا إلى برج سيدي مخلوف، وهو يمتد على طول 2400م. وقد تم هدم جزء من هذا السور 110م بما فيه باب التبن، والذي يعتبر الباب الثالث لهذا السور مع باب لبويبة وباب شالة. وهو على غرار السور الموحدي مدعم بعدة أبراج مستطيلة الشكل تقريبا، ويبلغ عددها 26 برجا، وتبلغ المسافة بين كل برج 35 مترا.
زنقة القناصلة
أصبحت هذه المعلمة مجالا مرجعيا للصناعة التقليدية المشهورة، حيث نجد فيها الزرابي والخزف والمعدات الخشبية والأحجار المنحوتة القادمة من مختلف جهات المغرب، إلا أن أهم ما يروج فيها هو تجارة الزرابي والحلي، حيث يمكن العثور على قطع من الفضة الأصلية المتنوعة لترضي جميع الأذواق ولتكون في متناول جميع الأثمان.
عاصمة الثقافة
تعتبر الرباط عاصمة ثقافية بامتياز، وقد تعززت ببنيات ثقافية أساسية في الفترة الأخيرة، في إطار المشروع الملكي وهي أيضا مدينة المتاحف، فمتحف الأوداية المقام في مبنى يعود للقرن السابع وتم ترميمه حاليا، يعرض قطعا فنية مختلفة من الخزف والحلي والمجوهرات والملابس التقليدية والمطرزات والسجاد والاسطرلابات وبعض المخطوطات من عصر الموحدين، أما على شاطئ النهر فيقع متحف الفنون الشعبية مقابل مجمع الصناعات التقليدية، حيث يمكن تأمل الحرفيين أثناء عملهم، ويقع متحف التاريخ والحضارات في المدينة الحديثة، ويقدم للزائر نماذج من القطع التي تعود إلى عصر ما قبل التأريخ، وأخرى إلى العصر الإسلامي الوسيط.
وتضم المدينة عدة قاعات رسمية للمعارض التشكييلية، منها دار الفنون وقاعة باب الرواح، وفي القطاع المستقل، تعد الشقة 22 من أبرز الفضاءات الفنية وتقدم فنانين مغاربة وعالميين.
متحف محمد السادس
دُشن متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر يوم 7 أكتوبر 2014، ويعتبر أول مؤسسة في المملكة تعنى بصفة حصرية بالفنون العصرية والمعاصرة، كما أنها أول مؤسسة عمومية تستجيب للمعاير الدولية التي يتعين مراعاتها بالنسبة للمتاحف، وقد أقيمت به عدة عروض منها: جياكوتي، قيصر، بيكاسو، كويا، مغرب القرون الوسطى…
ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر ، الذي يقع في قلب العاصمة الرباط، هو جزء مهم في منظومة تطوير وتعزيز الثقافية الرئيسية في المغرب، وهو أول مؤسسة متحفية في المملكة للفنون الحديثة والمعاصرة، و يغطي المتحف تطور الإبداع الفني المغربي في الفنون التشكيلية والفنون البصرية منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا، ويستقبل إلى جانب ذلك مؤتمرات و معارض مؤقتة بانتظام.
متحف التاريخ والحضارات
أحدث المتحف في العشرينات من القرن الماضي ويقدم المتحف تاريخ المغرب مند فترات ما قبل التاريخ حتى الفترة الإسلامية وذلك بواسطة قطع مختلفة (أدوات الإنسان القديم، أدوات العصر الحجري الحديث، كتابات ليبية وبربرية، مجموعات رومانية برونزية ومرمرية، وقطع خزفية إسلامية)، كما يتوفر المتحف على أشهر التحف البرونزية خاصة رأس الملك جوبا الثاني ورأس كاطون وكذا التماثيل البرونزية الأخرى، ككلب ليلى والصياد الشيخ.
متحف الرباط الأثري
ويعرض هذا المتحف بدوره مجموعة أثرية لمختلف الحضارات التي تعاقبت على المغرب من خلال مسارين، يروي الأول تاريخ المغرب منذ فترة ما قبل التاريخ إلى فترة الحضارة الإسلامية، أما الثاني فهو يركز على مختلف مجموعات الرخام والبرونز, وقد أصبح المتحف وجهة ثقافية مميزة, ويساهم في تلبية الطلب المتعلق بالشأن الثقافي وذلك من خلال عرض مجموعات أثرية ترسم مسار تاريخ المغرب وتعرج على مختلف الحقب التي مر بها، ما يمكّن الزائر من التعرف على التراث المغربي.
ويعد متحف الرباط الأثري أحد أهم المعالم السياحية في الرباط ، و هو أيضاً من أشهر المتاحف العريقة في المملكة المغربية، ويستمد المتحف الأثري أهميته من كونه يعرض تاريخ المغرب منذ عصور ما قبل التاريخ و يضم معروضات ذات صيت عالمي كبير. ويعود تاريخ المتحف الأثري بالرباط إلى عشرينيات القرن الماضي حيث تم إنشاؤه في فترة الحماية الفرنسية على المغرب، ولكن مع مرور الوقت تمت توسعته و إضافة أجنحة و معروضات جديدة إليه، وهو اليوم واحد من أكبر نقاط الجذب السياحي في الرباط و يزوره مئات الآلاف سنويا من السياح الأجانب والسكان المحليين.
متحف دار الفنون
تحتل دار الفنون بالرباط مكانة مهمة في خريطة المؤسسات الثقافية الحيوية، حيث تقدم أنشطة وبرامج ثقافية في مجالات متنوعة، مثل الأدب، والفنون التشكيلية، والنحت،والتصوير الفوتوغرافي.وتعد دار الفنون بالرباط من المؤسسات العريقة، إذ شيدت سنة 1929، كما أنها تتموقع حاليا إلى جانب مجموعة من الأروقة والمتاحف، لتشكل بذلك واحدة من الوجهات المساهمة في بناء الصرح الثقافي المغربي.وتتميز دار الفنون بالرباط بهندستها المعمارية الفريدة، والتي تجعلها من بين البنايات الفريدة من نوعها في العاصمة.
ومن الاستثمارات الهامة التي أطلق في المجال الثقافي والسياحي بالعاصمة أسهمت في بلورة ملامح قطب ثقافي واعد، تشكل مدينة الرباط فضاءه الواسع، ومكن من دون شك من تعزيز صورة العاصمة كوجهة ثقافية بارزة، ووجهة جذابة للسياح من متخلف دول العالم لاكتشاف تراث ثقافي زاخر.