عاش التضامن الوطني مع أساتذة الغد
بقلم : المصطفى المريزق
هل نصدق كل ما يقال عن “حركة أساتذة الغد”؟ إننا لا نسأل هنا على نمط محدد أو نموذج معين من التنظيم، و إنما نسأل عن معنى هذه الحركة قبل إن تتحول إلى نموذج و نمط معين.
إنه سؤال و جواب في نفس الوقت يحدده الإيمان بالقضية.
و قضية أساتذة الغد تتسم أولا بأكبر قدر من المساوات لكونها حركة إجتماعية من دون زعيم و اقعي واحد أو أكثر.
و ثانيا لأنها ليست كيان سياسي أو نقابي أو جمعوي له سيادته على رقعة جغرافية ما أو على خط ايديلوجي محدد أو توجه سياسي معين.
و ثالثا لكونها كسبت تعاطف شعبي وطني مع مطالبها. و إذا كانت أولوية هذه الحركة تتلخص في مطلب واحد ألا و هو إلغاء المرسومين المنظمين لسلك التأهيل التربوي و للمباراة، فإنها في العمق تكثف برنامج نضالي مرحلي يعبر عن وعي طبقي و على رؤية كفاحية مغربية-مغربية، ذات دلالات تمس طبيعة السلطة في بلادنا و إدارتها للصراع الطبقي و للأوضاع العامة التي تسود مجتمعنا.
إنها حركة مطلبية نوعية، تؤسس اليوم لنموذج مغاير للتفاوض من أجل الحق في التكوين و التأطير و الشغل، و بكل إصرار يقدم ذات النموذج للتحالف الحاكم المسيطر درسا في الوطنية و صمودا خارقا في وجه سياسة التركيع و المؤامرة على حقوق أبناء الشعب العزل الذين لم يفقدوا الأمل رغم القمع و التعذيب الذي لاحق مسيراتهم في كل المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين و فروعها.
إن السياسة التي تنهجها الحكومة في حق أساتذة “الغد”، تظهر عمق الأزمة التي تتخبط فيها مكموناتها، و تبين معارضتها للإستقرار الوطني، و تحرض على الحقد الاجتماعي، و تناهض السلم الاجتماعي في زمن تفتت و انقسام المجتمع المغربي إلى شرائح متباينة في مستويات أحلامها و عيشها و طموحاتها، و في زمن تاريخي و استثنائي يظهر التفاوت بين قدرات الناس النفسية و الاجتماعية و الثقافية، و يفرز التباين في القدرات و الوظائف و الكفاءات، ما يجل المغرب يدخل رأسا في مرحلة الصراع من أجل المساواة للإسهام في التطور الاجتماعي للمجتمع.
و هو ما لم تستوعبه الحكومة التي تعرف جيدا خصوصية هذه الظرفية و حساسيتها، و رغم ذلك تتمادى في اختياراتها الطبقية التي لن توصل المغرب إلا للتفكك و الإفلاس و المزيد من ضرب قطاعات الخدمات الاجتماعية من صحة و نقل و سكن، و ضرب تعميم و مجانية التعليم، و التنكر للحق في الشغل…كل هذا تحت التبرير المهزوز: انتهاج سياسة و اقعية ضدا على مصالح المغاربة و أبناءهم.
من جهة أخرى، أبان السيد رئيس الحكومة عن عدائه المطلق للحركات الاجتماعية عامة و لحركة أساتذة “الغد” خاصة، في زمن انتصار العديد من الحركات الاجتماعية في العالم، و آخرها ما حدث في فرنسا، حيث حققت حركاتها الاحتجاجية انتصارا جعل الحكومة تسحب مشروع “عقد العمل الأول” بعد إضرابات و احتجاجات و مظاهرات لم تخلف لا جرحى و لا معطوبين و لا معتقلين.
فمن يجرأ اليوم على الادعاء بأن “حركة أساتذة الغد” حركة وراءها من وراءها، هو تأكيد جديد على تخوين الحركات الاجتماعية و استخفاف بحركات المجتمع المدني، و هو ضرب في العمق للمساواة في الممارسة و ليس كما ينص عليها القانون.
انه تكريس لتوجه التهديد و الاستخدام العقلي للحرمان القاسي كنوع من العقاب إثر عدم الامتثال للسياسات الرجعية السائدة. في النهاية، يعتبر الأمر الجوهري في تعامل الحكومة مع “حركة أساتذة الغد” نوعا من إظهار “السلطة السياسية” ببلادنا كآلية لمواجهة النقابات و الأحزاب السياسية و الجمعيات و المنظمات و المؤسسات و كل من لا سلطة سياسية له.
و كل ما نخشاه هو أن يجعل رئيس الحكومة من منصبه المؤقت مركزا للسلطة السياسية التي قد تتحول إلى سلطة فردية أو شخصية.