سبة رئيس الحكومة في حق المجتمع المدني
بقلم : المصطفى المريزق
“لو كانت الإدارة والمجتمع السياسي كافيين لما كنّا في حاجة إلى المجتمع المدني”، هكذا نطق السيد رئيس الحكومة إحياء ل”اليوم الوطني للمجتمع المدني”.
إن مفردات رئيس الحكومة بهذه” المناسبة” و مفردات عامة الناس مترادفة تقريبا. ففي الكثير من “الذكريات” و المحطات يتحدث السيد رئيس الحكومة عن قضايا كبرى تهم “الشؤون العامة”، ناسيا أو متناسيا أن الحياة السياسية عموما لم تعد تقتصر على النشاط الذي تقوم به الأحزاب السياسية في تنظيماتها الموازية و مؤسساتها التشريعية أو الحكومية، و العالم يشهد اليوم أن لا ديمقراطية بدون مجتمع مدني قوي و منظم.
فمن البديهي أن العديد من التحولات الكبرى التي شهدها العالم كان في طليعتها حركات اجتماعية، جماهيرية، سارت فيما بعد ظواهر سياسة تعاملت معها المؤسسات القانونية من زاوية التوازن الاجتماعي كعامل أساسي في تجديد النخب من أجل إقرار الاستقرار و نجاح الانتقال الديمقراطي.
فكعادته، نسي السيد ريس الحكومة ماله و ما عليه، و هو الذي يعرف تمام المعرفة أن الرجات الثورية التي قادتها الحركات الاجتماعية في المغرب، أحدثت تغيرات جذرية في الحياة السياسية السائدة بشكل سلس و سلمي، و من دون عنف و توتر.
لأن الهدف كان هو تحقيق مصلحة عامة و أهداف مشتركة بين عموم الفاعلين الأساسيين في حقل الصراع. إن اللعب السياسي الذي يقوم به السيد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، و هو يحاكم المجتمع المغربي الذي يسمح (حسب رأيه) بوجود أطفال الشوارع “داعيا الأسر إلى التكفل بالأطفال المتخلى عنهم، مع الاستفادة من مساعدة من طرف الدولة، للقضاء على هذه الظاهرة”، هو كلام شعبوي، يتعارض مع ثقافة المواطنة و حقوق الإنسان، و مع دور المجتمع المدني في توعية المجتمع من أجل طرح بدائل تقوم على سيادة القانون و تفعيل دور مؤسسات حماية الشعب من كل الظواهر الاجتماعية الناتجة عن التوزيع الغير العادل للثروات، وسيادة القانون على طريق بناء دولة القانون، والمؤسسات، وذلك للحد من تغول السلطة.
إن تأصيل الثقافة المدنية يتعارض مع الاتهامات الخطيرة التي وجهها السيد رئيس للحكومة حينما تساءل عن الجهات التي يجب أن تتلقى دعم الدولة و التي يجب في نظره أن تتحلى ب”الحس الإنساني”! و هذه فضيحة سياسية و أخلاقية، تضعنا أمام جهل السيد رئيس الحكومة بالجمعيات الجادة التي تتوفر فيها صفات جمعيات المجتمع المدني كما هو متعارف عليه لدى الجميع، داخل المغرب و خارجه.
لقد دأب السيد ريس الحكومة بتشويه أهل السياسة و النقابات و الإعلام و الحركات الاحتجاجية، و ها هو اليوم يقوم يتسفيه الشخصية المدنية و يشكك في دور الفاعلين الجمعويين و هو يدعوهم “ألا يتخذوا العمل الجمعوي مطيّة للاغتناء”!
فعن أي جمعيات يتحدث السيد رئيس الحكومة؟ و ما محل مال اليتيم من الإعراب في هذه النازلة؟ إن المجتمع المدني المغربي الذي لعب دورا تاريخيا في الانتقال من مغرب سنوات الجمر و الرصاص إلى مغرب الانتقال الديمقراطي، هو تلك الجمعيات و المنظمات التي ساهمت في نشر قيم التسامح و المصالحة و إرساء دعائم الثقافة التشاركية و التكاملية في إدارة الشأن المحلي بشفافية و حكامة من أجل الحفاظ على السلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي و الاقتصادي و توفير الأمن و الحماية لعموم الشعب.
لقد تعاظمت أهمية المجتمع المدني المغربي منذ سبعينات القرن الماضي، و اتسعت في العقود الأخيرة ليصبح لها دور رقابي على الانتخابات و على القوانين المنظمة لها، و تقوم بتدريب مناضليها على قواعد الممارسة الديمقراطية، و على محاربة الرشوة و الغش، و العنف ضد النساء و الطلبة و المعطلين، و تقوم بتأهيلهم وتدريبهم على آليات الرقابة و المساءلة و المحاسبة و المعاقبة، و تدعوهم للقيام بحملات التوعية و التحسيس ضد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقترفها السلة ضد المواطنين العزل.
و يمكننا أن نستحضر في هذا الإطار الائتلافات الحقوقية و البيئية و التنموية، الجادة و المناضلة، و دورها في إرساء دعائم الحكامة و استقلال القضاء و تطبيق العدالة الاجتماعية و حماية المجتمع من العنف و القمع و الإقصاء و التهميش و الهشاشة و الاستبعاد الاجتماعي و التمييز و الكراهية، و كل ما يتنافى و مبادئ و مواثيق حقوق الإنسان.
كما لا يخفى على السيد رئيس الحكومة دور المجتمع المدني في إثراء النقاش العمومي في كل مجالات الحداثة و الديمقراطية، و تطوير آليات التشاور و الشراكة بينه و بين الدولة.
ن جمع جمعيات المجتمع المدني في “سلة واحدة”، هو سبة لأحد مكونات الدولة الديمقراطية، و استخفاف بالأدوار و الخدمات التي تدخل في إطار العلاقات و الروابط التي تنسجها هذه الأخيرة بين الأفراد و المجتمع من أجل ضمان الحرية و الحد من تدخل الدولة و التشجيع على قواعد التعاون و المنافسىة الشريفة و الحوار الديمقراطي و الإبداع.