يحلل الأكاديمي محمد بودن ، الأكاديمي والمحلل السياسي ،رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية، في الحوار التالي، منشأ عداء النظام العسكري للمغرب وانعكاساته على علاقة الجوار بين البلدين.
ويتناول رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية، القوة الإقليمية الصاعدة للمغرب حيث أصبح من أكبر القوى الاقتصادية في القارة الافريقية، و مستثمر افريقي ينافس القوى الكبرى في القارة، وهو ما يفسر نظرة عدم الارتياح لبعض الدول الأوربية تجاه المغرب الذي يشق طريقه بثبات نحو التقدم والرقي… ويستعرض المحلل السياسي مسار تطور قضية الوحدة الترابية للمملكة…
زنقة20/ الرباط_ أجرى الحوار: جمال بورفيسي
يتعرض المغرب منذ شهور لحملة عدائية ممنهجة من طرف النظام العسكري الحاكم في الجزائر ، كيف تواكبون هذه الحملة المسعورة وهل تعتقدون أن هذا التصعيد من طرف الجزائر قد يؤدي إلى الحرب؟
أصل الحكاية في هذه الحملة المحمومة على المغرب مرتبط بعقدة تاريخية وعلى مدار سنوات، تم اثبات هذا بعدم تلبية السلطات الجزائرية لليد الممدودة للمملكة المغربية، لكن النقطة المفصلية نشأت يوم 13 نوفمبر اثناء تحرير المملكة المغربية لمعبر الكركرات و بعد هذا التاريخ اثناء اعلان الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء وما تلاه من تطورات احدثت خلخلة في البيئة الاستراتيجية للمنطقة،فضلا عن تصاعد المؤشرات التنموية و الديمقراطية و القنصلية بالصحراء المغربية،
اذن امام هذه التطورات المتلاحقة لم يجد الطرف المأزوم الا حلا وحيدا للتنفيس عن ازماته الداخلية ويتعلق الأمر باختراع الاحداث و فبركتها و نقل مشاهد لا تنتمي للمنطقة و تقديمها كمستجدات وتغيير الحقائق عن عمد أو بالأحرى اعادة تفسير الحقائق الموجودة بمنطق ضيق لعلها تتناسب مع الرغبات الخاصة.
ان النظام الجزائري انكشف امام المجتمع الدولي و كل الخطوات التي قام بها لم تجد تأييدا دوليا.
النظام الجزائري يحاول لفت النظر اليه حتى لو تعلق الامر بخيارات سيادية لدولة أخرى و لكن نسبة هامة من الشعب الجزائري تدرك أن قدوم أي طرف من مناطق أخرى في العالم ليكون شريكا للمغرب انما يمثل دليلا على فشل سياسات الدولة الجزائرية بخصوص الجوار وكما يقال لا يمكن تحويل الفيل الى فأر او العكس فالحقيقة معيار ذاتها.
بخصوص سيناريو الحرب ثمة غموض استراتيجي بهذا الخصوص، لأن القوى الدولية الكبرى لها مصالح بالمنطقة ولذلك يبدو انها لن تسمح بحرب تقليدية في المنطقة لكنها تضغط من أجل مصالحها.
التوازن الاستراتيجي يستمر في الميل لصالح المغرب وفي أفق 2025 سيتم تكريس تفوق المملكة المغربية بشكل شامل على الجزائر وفي السياق الراهن فالمملكة المغربية لن تتردد في استخدام الوسائل اللازمة لحماية سيادتها ووحدتها الترابية و أمنها الاستراتيجي.
النظام الجزائري قام بكل الخطوات الضارة بالعلاقة بين الشعبين المغربي عبر قطعه للعلاقات بشكل أحادي او ” قطع الأرحام” بالأحرى وغلق المجال الجوي و الاجراء المتعلق بأنبوب الغاز ، لكن المملكة المغربية تصرفت بصبر استراتيجي.
أظهرت الوقائع أن بعض البلدان الأوربية لا تنظر بعين الارتياح إلى التطورات الإيجابية التي يعرفها المغرب على الصعيد الإقتصادي والاجتماعي. كيف تقيمون وضع المغرب الاقليمي؟
ان المملكة المغربية تدرك جيدا تاريخها و تتحرك بناء على فهم عميق لمعنى السيادة و جيوبوليتيك المنطقة ورصيد من الانجازات الاقتصادية و الحقوقية و الاجتماعية و الخبرة في التصدي للجيل الجديد من المخاطر و التهديدات و امتصاص الازمات.
المغرب اليوم يتمتع بدور هام في القارة الافريقية وشمال افريقيا وله شبكة علاقات مستقرة ومتفردة مع أكثر من طرف. والدور المغربي كان مؤثرا في أكثر من قضية وأعتقد أن المغرب اليوم بلد واعد وهو من أكبر القوى الاقتصادية في القارة الافريقية بل انه مستثمر افريقي ينافس القوى الكبرى في القارة كما ان الموقع الاستراتيجي للمغرب له ميزة خاصة ويتيح له حضورا مؤثرا في قضايا المتوسط وشمال افريقيا إلى جانب سياسته الخارجية كما رسمها جلالة الملك محمد السادس، والتي ترتكز على ثنائية الوضوح والطموح والدور النشط في القضايا الاقليمية كالملف الليبي.
المغرب قوة إقليمية واقعية و براغماتية بل مرجعية في المحيط المتوسطي وفي شمال افريقيا وله دور هام في خريطة النفوذ الاقليمي ولا يمكن لدولة لا تملك مثل هذا النفوذ أن تفرض و أن يصل صوتها إلى أبعد مدى فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية بل حتى دول لها وزنها في العالم باتت تحسب ألف حساب للديبلوماسية المغربية.
والمواقف الأخيرة للمغرب هي رسالة لأكثر من طرف على الرغم من أن المغرب يرغب دائما في منحنى تصاعدي للعلاقات مع المجموعة الأوروبية، لكن المغرب بإمكانه أن يرد بصرامة كلما تعلق الأمر بالوحدة الترابية والأمن القومي والسياسة الخارجية.
والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي رغم ذلك لن تنزل نحو الأسفل وأي مسلسل للتدهور مع أي دولة أوروبية قد تتم معالجته بحوار شامل وأجوبة واضحة حول الاستفسارات المطروحة أما تطور المغرب وطموحه فهو ليس على حساب أحد و لا يمكن للمغرب أن يمتثل لطلب تخفيف السرعة التنموية، فالأمر لا تتعلق بطريق سيار بل انها معادلة تنافسية ترتكز الخيارات الاستراتيجية وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أعلن المفرب قبل أيام قليلة عن ترشحه لعضوية مجلس الأمن والسلم بالاتحاد الافريقي. ما هي دلالة هذه المبادرة؟ وماهي الأهمية التي يكتسيها هذا المجلس؟
فعلا ثمة دلالات لترشح المغرب لمنصب عضو بمجلس السلم والامن بالاتحاد الافريقي وتتعلق أساسا بثقة القادة الأفارقة في جهود المملكة المغربية لحفظ السلم و الامن بالاتحاد الافريقي بعد تجربة المغرب كعضو بالمجلس 2018-2020 ومبادراته الاقليمية والقارية ووفائه بالالتزامات تجاه اطاره المؤسسي القاري خاصة في ذروة جائحة كوفيد 19 علاوة على احتضانه لمؤسسات اممية و قارية كالمرصد الافريقي للهجرة ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب و التدريب بافريقيا.
كما أن ترشح المغرب لعضوية مجلس السلم والامن بالاتحاد الافريقي يمثل قطعا للطريق على الاجندات الضيقة و المنطق الذي كان يسود عمل المجلس في السابق ونظرته لملف الصحراء المغربية بناء على دوافع شخصية و محركات بعض الدول المعادية للمصالح الاستراتيجية المغربية.
ترشح المغرب لعضوية مجلس السلم والامن لولاية 2022-2025 يمثل مكتسبا كبيرا للمغرب الذي يحقق مكاسب هامة منذ عودته للاتحاد الأفريقي بالخطاب التاريخي للملك محمد السادس في 31 يناير 2017.
مجلس السلم و الأمن بالاتحاد الأفريقي تم احداثه بموجب برتوكول مؤسس في يوليوز 2002 يمثل الاطار المؤسسي الأهم في هيكل الاتحاد الافريقي بعد القمة و المجلس التنفيذي ومفوضية الاتحاد الأفريقي ويختص بمهام صنع السلام ونزع السلاح و منع وادارة وحل النزاعات بالقارة فضلا عن متابعة الممارسات الديمقراطية في البلدان الأعضاء بالاتحاد الافريقي.
ولذلك يمثل اطارا هاما لتعزيز السلم و الامن و الاستقرار بالقارة رغم محدودية تأثيره في بعض الحالات ولهذا ثمة دعوات من عدة اطراف لاصلاحه و تكييف ادواره من احتياجات القارة للسلم و الأمن.
يتكون مجلس السلم والامن بالاتحاد الافريقي من 15 عضوا في تجربة افريقية لتشبه مجلس الأمن على الرغم من عدم وجود أعضاء دائمين، يتم انتخاب خمسة أعضاء لمدة ثلاث سنوات و عشرة أعضاء لمدة سنتين وفقا لمبدأ التمثيل الاقليمي للمناطق الخمسة للقارة الافريقية و هكذا تنال منطقة وسط أفريقيا ثلاثة مقاعد و منطقة شرق افريقيا ثلاثة مقاعد ومنطقة غرب افريقيا اربعة مقاعد ومنطقة افريقيا الجنوبية ثلاثة مقاعد ومنطقة افريقيا الشمالية مقعدان.
كيف تقيمون مسار التزاع المفتعل في الصحراء المغربية على ضوء القرار الأممي الأخير، وهل تعتقدون أن المبعوث الأممي الجديد بإمكانه أن يعطي دفعة جديدة لمسار المفاوضات بما يمكن ان يسهم في حلحلة الملف؟
في الواقع مسار نزاع الصحراء المغربية مؤطر بالمرجعية الأممية، و القرار 2602 يعتبر استمرارية للقرارات الأممية السابقة التي تهدف لتسوية النزاع عبر صيغة الموائد المستديرة وانخراط كافة الأطراف، بما فيها الجزائر، من أجل إيجاد حل دائم لقضية الصحراء.
اما الأطروحات البالية التي تروج لها الجزائر وصنيعتها البوليساريو أصبحت متجاوزة قانونيا وسياسيا وأمميا، لأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن اقتنعا بعدم جدوى إدراج تلك الأطروحات ضمن القرارات الأممية.
اعتقد ان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة يقوم الان بسلسلة من اللقاءات تمثل العمل الاساسي و الضروري لتعميق المامه بخصوص ملف الصحراء المغربية سواء من حيث مواقف الأطراف أو أعضاء مجلس الأمن و خاصة الدائمة منها أو من حيث المرجعية المتعلقة بالقرارات الأممية منذ القرار القرار 1754 سنة 2007 الى غاية القرار 2602 (18 قرار) قبل الوصول الى بناء رؤية موضوعية و جدول أعمال لصيغة المائدة المستديرة التي يشجعها مجلس الأمن في قراراته الأخيرة وترفضها الجزائر في معاكسة للارادة الدولية.
اعتقد ان أسلوب عمل ستافان ديميستورا وانطلاقا من تجاربه السابقة يعتمد دائما على المشاورات المغلقة و اشراك بعض الجهات الاقليمية و الدولية في مستوى معين.
اتصور ان الغرض من خلق هذا الزخم يتمثل في التشاور حول افضل السبل لتفعيل توصيات قرارات مجلس الأمن بخصوص العملية السياسية و صيغة المائدة المستديرة و معايير الحل السياسي.
لا شك أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة سيطلب دعما لانجاح مهمته و مشورة للقيام بمساعيه في اطار الصلاحيات الممنوحة له وفي صلب الشرعية الدولية.
افترض ان تواصل ديمستورا سيكون مفيدا لعمله ضمن سلسلة من المشاورات التي قد تقوده للمنطقة.
اللقاءات الاستكشافية الأولى تعكس اهتماما من طرف الامين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي الجديد بتجاوز وضع الانسداد في العملية السياسية و البناء على القرارات الأممية لتحقيق هدفين اساسيين تكثيف العمل بشأن تدابير الثقة في العملية السياسية و احترام الاتفاقات مع الأمم المتحدة وتحمل الأطراف الحقيقية في خلق النزاع الإقليمي بخصوص الصحراء المغربية لمسؤوليتها.