زنقة 20. الرباط / حاوره جمال بورفيسي
يقدم عبد السلام الصديقي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وأستاذ الاقتصاد، في الحوار التالي الذي خص به جريدة Rue20 الإلكترونية، إضاءات حول الاستحقاقات الانتخابية التي جرت بالمغرب خلال الصيف المنصرم، ويقدم قراءته لنتائج الإنتخابات العامة التي أجريت في ثامن شتنبر المنصرم.
ويؤكد وزير التشغيل السابق، أن توحيد اليسار ما يزال ممكنا، وأن المطلوب استخلاص الدروس والعبر من الماضي لاستشراف مستقبل يلعب فيه اليسار دورا محوريا في الساحة السياسية…
1_ كيف تقيمون الدخول السياسي الراهن؟
الدخول السياسي لهذه السنة يكتسي طابعا خاصا وله طعم متميز، ذلك أنه يأتي بعد إجراء سلسلة من الانتخابات ابتدأت بانتخاب مندوبي العمل وأعضاء اللجن المتساوية، وانتهت بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين.
إن النتائج المحصل عليها، وإن كانت تحتاج إلى المزيد من التحليل،يمكن اعتبارها مفصلية في الحياة المؤسساتية للبلاد، حيث أدت إلى إعادة ترتيب الخريطة السياسية والحزبية، وأبرز ما يميزها بدون شك، هو الانهيار الذي لحق بالحزب الذي كان يقود الحكومة لمدة عشر سنوات.
هذا الحزب ذو المرجعية الإسلاموية عرف هزيمة لم يكن احد يتصورها بهذه الدرجة.
وبالمقابل، وهذا كذلك أمر جديد برز لأول مرة قطب ليبرالي محافظ من ثلاثة أحزاب تتمتع بأغلبية مريحة بما مجموعه270 مقعدا من مجموع 395 مقعدا ممثلا بمجلس النواب.
ومن جهة ثالثة، استطاع اليسار في تنوعه الصمود أمام استعمال المال بشكل لم يكن له مثيل في العمليات الانتخابية وتمكن من تسجيل تقدم كبير، مقارنة مع النتائج المحصل عليها في انتخابات سنة2016.
2_ ما هي في نظركم أهم الملفات المطروحة على الحكومة الجديدة؟
طبعا الحكومة التي ستنبثق من الأغلبية بقيادة السيد عزيز أخنوش، ستجد أمامها ملفات مستعجلة وساخنة، خصوصا منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي.
ومن بين الملفات التي تنتظر الحكومة الجديدة، يمكن ذكر أجرأة التوصيات المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، وعلى رأسها ملف تعميم الحماية الاجتماعية، والعمل على محاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومواصلة إصلاح منظومة التربية والتكوين، وغيرها.
وهذا كله رهين بتجاوز الأزمة الصحية، وبلوغ المناعة الجماعية، من جهة، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية ورفع وتيرة الانتعاش، من جهة أخرى.
على العموم، هذه الملفات كانت موجودة من قبل، لكن المنتظر من الحكومة الجديدة أن تأتي بمقاربة جديدة، وأسلوب جديد في العمل، خاصة وانها متجانسة ولها رؤية موحدة.
3 _في نظركم، هل يمكن أن يشكل وجود أحزاب يسارية في المعارضة منطلقا لبعث اليسار ولم لا توحيد صفوفه؟
لاشك أن وجود أطياف اليسار كله في الصف المعارض، لأول مرة منذ حكومة عباس الفاسي، هو أمر إيجابي في حد ذاته، إذ سيساهم في توضيح المشهد السياسي، والتمييز بين اليمين واليسار، بين الاشتراكي والليبرالي، بين التقدمي والمحافظ.
ومن ثمة نأمل أن يعرف المشهد السياسي، في المستقبل القريب، تحولات نوعية تبرز فيه الأقطاب على أساس المنافسة السياسية على البرامج والمشاريع المجتمعية. بالطبع وكما عبرت عن ذلك في مقال سابق، اليسار في حاجة إلى وحدة ليس بالمفهوم التنظيمي،بل بالمفهوم النضالي، أي الوحدة على مستوى العمل والتنسيق بين مكوناته حول أهم القضايا المطروحة وهو ما أسميه بالوحدة في التنوع.
وعلى هذا الأساس ننتظر في المستقبل القريب، مع الدخول البرلماني، والشروع في مناقشة النصوص التشريعية، من مكونات اليسار أن تقدم لنا صورة جديدة، عسى أن يستنتج كل طرف الدروس والعبر من التجربة الماضية ومن تشتت صفوف اليسار.
أمام يمين موحد على الأقل ظاهريا، ومتضامنا، لا محيد أمام اليسار من السير على نفس الخطى.
4_ أنتم تؤمنون إذن بإمكانية توحيد صف القوى اليسارية؟
طبعا وهذا ما أشرت إليه في جوابي السابق ، العمل البرلماني يشكل بداية جس نبض مكونات اليسار، وأعتقد شخصيا أن هناك قناعة مشتركة اليوم لدى كل فصائل اليسار بفتح صفحة جديدة في تعاملنا المتبادل لنستفيد من تجربتنا السابقة حينما كنا ننسق عملنا في البرلمان وفي المنظمات الجماهيرية، ونستفيد كذلك من أخطائنا في السنوات الأخيرة.
أنا لا أوجه اللوم لطرف دون آخر، فالجميع يتقاسم مسؤولية ما وقع، وكل طرف له نصيبه من المسؤولية، صغيرا كان هذا النصيب أو كبيرا، لا يهم. الأهم اليوم هو استشراف المستقبل، العالم يتغير من حولنا بسرعة البرق، ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.
وموازين القوى التي كانت موجودة في الستينات والسبعينات وإلى حدود نهاية القرن العشرين ليست هي موازين القوى السائدة اليوم. فقد برزت على السطح أفكار وقناعات وطموحات واجيال جديدة، وعلينا جميعا أن نستوعب هذه المتغيرات لما فيه مصلحة البلاد وخدمة لفئات واسعة من المواطنين الذين يؤمنون باليسار وبما يمكن أن يقدمه من أعمال جليلة.
المعركة، إذن هي سياسية وثقافية، واليسار في حاجة إلى التغيير من الداخل كمدخل لابد منه من أجل تغيير المجتمع.