الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية..صراع سياسي أم إيديولوجي؟.
بقلم : عبد المطلب أعميار
يتساءل الكثير من المتتبعين، والفاعلين، وجزء كبير من الرأي العام عن طبيعة الصراع الظاهر والخفي بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية. وهو تساؤل بقدر ما يعلن الرغبة في فهم الخلفيات والأسباب الحقيقية للتوتر السياسي الذي يستحوذ على مساحات مهمة من الفضاء الإعلامي ببلادنا، ويسم المشهد الحزبي بغير قليل من العنف اللفظي، ومن المواجهة المباشرة أحيانا، بقدر ما يدفعنا لطرح السؤال المباشر الأتي..هل الصراع بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة صراع سياسي ، وتكتيكي عاد قد يسمح بفهم ردود الأفعال المختلفة، من هذا الطرف أو ذاك ،أو من هذا الموقع أو ذاك ، لأن الصراع السياسي في نهاية المطاف صراع حول السلطة من بوابة المؤسسات، وبالاحتكام للاقتراع العام، وبالتالي قد يكون من الطبيعي أن يشهد الحقل السياسي ، بين الفينة والأخرى، تجاذبات لفظية قد تكتسي طابعا عنيفا، أم أنه على العكس من ذلك، صراع تحكمه خلفيات إيديولوجية تفسر إلى حد بعيد درجات الصدامية المباشرة في المشهد السياسي، مما يصوغ عمليا إمكانية الحديث عن الصراع بين مشروعين سياسيين، لهما مستندات ثقافية وإيديولوجية متناقضة ؟
مما يعني بأن الصراع ليس سياسيا ، بل إيديولوجيا في الجوهر، يهم طبيعة النظر في منظومة تشكل وبناء الدولة ، وأنماط التحديث المجتمعي، وقضايا الهوية،والمسألة الدينية، وحقوق الإنسان، والنموذج الثقافي..ناهيك عن سؤال المشروعية السياسية في علاقتها بالمسألة الديمقراطية، وأسس تدبير الاختلاف السياسي، وقواعد الترسيخ الديمقراطي.
ولأن بعض الآراء تذهب إلى القول بأن السياسة قد تجمع الحزبين ذات يوم ما دام أن منطق السياسة لا عدو فيه دائم ولا صديق دائم ، ولأن حزب العدالة والتنمية يشتغل في رقعة ” الأصالة” بادعائه ” المرجعية الإسلامية” ، وهي مساحة مشتركة مع أصالة البام، فان الوفاق السياسي ، من منظور البرغماتية، والتوافقات التي نسجت ( على النموذج المغربي) قد يسمح بتبرير التقاء الحزبين ، وبالتالي الترويج لهذه الطرح بإسقاط السند الإيديولوجي الذي يعتبره البعض عاملا غير حاسم أو محدد في الاستراتيجيات السياسية. مما يعني عمليا تبخيس الفكرة الداعية إلى تأسيس المشروعية الحزبية على قواعد الأطروحة الإيديولوجية، والنظر للسياسة كحقل للمصالح الحزبية الضيقة وشرعنة التلاقي – غير المبرر تاريخيا- بين مشاريع حزبية متناقضة، مرة باسم المصلحة العليا للوطن، ومرة باسم ” المرحلة تقتضي”.
ولأن هذا النوع من الطروحات يخضع لقراءات ، إما تبسيطية ، وإما نفعية انتهازية ،- وهي طروحات ساهمت في قتل فكرة السياسة ومشروعيتها الأصلية- فإننا نطرح السؤال مجددا..هل الصراع بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية صراع سياسي أم صراع ايديولوجي؟.
يحلو لزعماء البيجيدي ومناصريهم أن يطلقوا أوصافا ضد خصمهم السياسي “الأصالة والمعاصرة” لمحاولة تصويره لدى الرأي العام بأنه حزب ضد ” الدين” ، وجاء لتجفيف منابع الإسلام”، حسب ما ادعاه رئيس الحكومة عبد الالاه بنكيران، وأنه ” حزب شيطاني ” و ” علماني”(بالمعنى الذي يفيد من منظور العدالة والتنمية وإيديولوجيته الدعوية أن العلمانية تعني الكفر،و معاداة الدين، والتشكيك في إسلامية المجتمع والدولة)، وأن مشروعه خطر على البلاد…الخ.وهذه التوصيفات والأحكام، لا تشتغل طبعا بدون خلفيات إيديولوجية لأن العدالة والتنمية يعرف جيدا بأن المشروع السياسي للبام لا يعادي الدين الاسلامي ، ولكنه يحارب فكرة استغلال الدين في السياسة ، و”خونجة” المجتمع والدولة، وهذا هو المشروع الايديولوجي لحركات الإسلام السياسي بمختلف تلاوينها.وبالتالي، يختار الحزب الاسلاموي خوض المعركة السياسية من بوابة الهوية والأخلاق ، لأنها من منظوره معركة رابحة تمكنه من ربح مساحات مهمة في الرقعة السياسية، على اعتبار أن ” شيطنة” الخصم من بوابة المسألة الهوياتية قد يعفيه -مؤقتا- من الإجابة عن قضايا التأهيل الاقتصادي،والحكامة التدبيرية، والتنمية الاجتماعية..لفائدة الايديولوجية العقديةالذي تنعش المشروعية السياسية لحزب يغذي قاعدته الجماهيرية والانتخابية من مجموع المؤسسات الدعوية والاحسانية والخيرية، ومن مجموع المعارك التي يحركها، أو يستغلها في قضايا يحلو له الاشتغال بها- وعليها باعتبارها الحطب الإيديولوجي لمشروعه السياسي. ولنا أن نستحضر مثلا كيف تحركت الآلة الدعوية للعدالة والتنمية ،بأذرعها المختلفة، في قضايا تشريعية أو مجتمعية أو ثقافية لتجييش المجتمع من قبيل ما سمي بدفاتر تحملات الإعلام السمعي البصري، أو زواج القاصرات،أو تعدد الزوجات، أو الإجهاض،أو المساواة، أو شرطة الأخلاق واللجن الشعبية ، أو قبلة الناضور، أو”صاية”انزكان، أوفيما يتعلق بتنظيم بعض المهرجانات الفنية، أوبعض الأعمال السينمائية…الخ…وكلها قضايا كشفت طبيعة التمثلات الثقافية، والفكرية للمشروع السياسي للعدالة والتنمية. وهو مشروع ايديولوجي يقوم على تصور خاص للمسألة الهوياتية،ينظر إليها من زاوية أصولية محافظة، تعاكس تطور التاريخ، وتنظر إلى قضايا الدين،والمجتمع، والتشريع، والثقافة، والفنون، من مداخل ماضوية تعتبر السلف الصالح، والتراث أمورا مقدسة تستوجب تنميط المجتمع وفق أحكام العدالة والتنمية…وهو ما يخالف ايديولوجية الأصالة والمعاصرة، حيث لا تعني الأصالة المنظور الأصولي ، بل الهوية المتجددة، والمنفتحة على مستلزمات التحديث.ومن ضمنها تبني قيم العقل، والاجتهاد ، والانفتاح ، والتقدم.هنا تفترق أصالة البام عن اصولية البيجيدي.
إن أصولية العدالة والتنمية تعتبر بأن معالجة قضايا المجتمع تتطلب العودة إلى الأصول لأنها تمثل الحقيقة والصفاء،وتدعو المجتمع إلى الاحتراز من كل مظاهر الحداثة، والتطور.وتسيد خطابات مناهضة للدولة المدنية، وأسس الفكر العقلاني، ومظاهر التحديث.وتحكم على أنماط الثقافات المختلفة ،وعلى الفنون، والآداب،والفكر،والفلسفة انطلاقا من معايير اخلاقية ، قيمية محافظة.وهي تتبنى فهما وتأويلا وتفسيرا ضيقا للنص، وترفض أي اجتهاد، أو قياس عقلي للإجابة عن اكراهات ومتطلبات الواقع. من هنا تعتبر أصولية العدالة والتنمية شكلا متطرفا في التعبير عن الهوية أو الخصوصية. وتسعى، من بوابة السياسة إلى فرض نموذج معين من التدين.ومن بوابة المؤسسات إلى فرض نموذج الدولة الدينية.
فيما تعتبرالهوية من منظور الأصالة والمعاصرة ،بحكم انتصاره لنموذج الدولة المدنية، ” منظومة متحولة، ذات أبعاد تاريخية.لا تعيد إنتاج الأنماط السائدة بالضرورة، بل تعمل على تشكيل وإعادة بناء منظومات جديدة من وجهة نظر التحولات الاجتماعية المطلوبة.”كما يعتبر”الثقافة إرثا جماعيا لتحرير الأفراد، وليست أداة لتسييد إيديولوجية عقدية لإحكام السيطرة على المجتمع والدولة،أو فرض نماذج للاستيلاب الفكري،.”.
وفي ذات السياق،تعتبر المسألة الحقوقية احدى المجالات التي يحتد فيها الصراع الايديولوجي باختلاف المرجعيتين.فإذا كان حزب العدالة والتنمية يحتاط من كونية حقوق الإنسان، ويعتبرها بوابة الشرور المجتمعية لأنها من منظوره تتعارض مع خصوصية المجتمع المغربي، ومع التعاليم الدينية، فان حزب الأصالة والمعاصرة ينتصرللبعد الكوني لحقوق الإنسان ولضرورة الربط الموضوعي بين متطلبات الترسيخ الديمقراطي، وحقوق الإنسان، وضرورة تسييد مبادئ المساواة، وعدم التمييز،وتعزيز الحماية القانونية والمؤسساتية لحقوق النساء،وإعمال الآليات الكفيلة باحترام واعتماد مقاربة النوع.
هذه النقط ، وأخرى، تفسر طبيعة التناقضات الإيديولوجية بين المشروع السياسي للعدالة والتنمية ، والمشروع السياسي للأصالة والمعاصرة في بعض مجالات تمظهراتها.