سؤال العنف في الجامعة المغربية
بقلم : فضيل التهامي
الستينيات و السبعينيات كانت الجامعة المغربية فضاء للصراع الفكري و مجالا للتحصيل العلمي ، انتجت نخبا طعمت المجال الثقافي و السياسي ، أما الآن فقد اصبحت تعيش على ايقاع تراجعات كبيرة على جميع المستويات ، سواء من ناحية التحصيل العلمي او من ناحية إنتاجها للنخب ، أو على مستوى ثقافة الاختلاف ، والتي أدت مؤخرا الى تنامي ظاهرة العنف داخل الحرم الجامعي حصد مجموعة من الطلبة كان اخرهم مقتل الطالب الذي ينتمي الى الحركة الثقافية الامازيغية بجامعة القاضي عياض بمراكش.
ان تنامي ظاهرة العنف الطلابي في الجامعة المغربية يطرح أكثر من علامة استفهام، فمن المسؤول ؟ ولماذا العنف بدل التعايش و الحوار و ثقافة الاختلاف ؟. نحتاج لاكثر من براديغم للرصد والتفسير و التحليل و محاولة الوصول الى خلاصات يمكن استثمارها لمحاربة هذه الآفة.
من المعلوم ان الفضاء الجامعي تنشط فيه مجموعة من الفصائل الطلابية المتناقضة في أيديولوجياتها و مشاربها الفكرية والسياسية (ان وجدت )، و أهمها فصيل النهج الديمقراطي القاعدي الماركسي ، و فصيل العدل والاحسان الاسلامي ، وتيارات تابعة للحركة الثقافية الامازيغية ، ومنظمة التجديد الطلابي المقربة من حزب العدالة و التنمية، واغلبها تتدعي انتمائها الى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب .
أمام هذا التنوع من الفصائل الطلابية يجد الطالب نفسه أمام خليط من الاديولوجيات يتبنى إحداها في النهاية،و ذلك بناء على تموقعه الاجتماعي و الهوياتي و حتى العرقي ، ليصبح الفضاء الجامعي يعكس فصام و تناقضات المجتمع المغربي ، كما يصبح شبيه بدولة صغيره لها قوانينها واعرافها و لجانها و محاكمها الشعبية . ليس مشكلا ان يحمل الطالب اديولوجية معينة ( بفهم كاستون باشلار ) ماركسية او ليبرالية او قومية او دينية كانت ، يتبناها و يدافع عنها و يجعلها منهجا للتحليل ومنطلقا لممارسة السياسية ، لكن المشكل يصبح قائما حينما يصبح الطالب تحركه نزعات غير اديولوجية ( فكرية ) بل هوياتية او عرقية، و بالتالي يتخد هذا التبني والدفاع عنها طابعا عنفيا يتم تصريفه تجاه الاخرين .
لا يعود فقط سبب انتشار العنف في الفضاء الجامعي الى عوامل ذاتية تخص الطلبة ، وتتعلق بالطبيعة الستاتيكية التي يتم بها تبنى طروحاتهم الاديولوجية ، بل ايضا عزل الجامعة عن فضائها العام ومحاولة إفراغها من رسائلها العلمية ودورها التنويري ، ناهيك عن طبيعة تعاطي الدولة مع ممارسة العنف داخل الجامعات . وهنا يتجاذب هذا التعاطي اطروحتان : الأولى تعتبر الدولة هي من تدفع بالعنف الطلابي عبر تبنى الاطروحة الانقسامية ، و ذلك بتكريس صراعات و اصطدامات أفقية بين الفصائل الطلابية ، لتحجيم قوتها و انهاكها، و تفسر ذلك بلعب السلطة دور المتفرج والمراقب أمام كل هذه المواجهات التي طالت جامعة مراكش و فاس و اكاديرو غيرها…و الأطروحة الثانية ترتكن إلى أن الدولة ليس لها اي هدف في تأجيج الصراع داخل الجامعة وتفسر ذلك بأن الفصائل الطلابية لا تملك أية قوة في الشارع حتى تشكل تهديدا للدولة ،كما أنها لا تملك مشروعا سياسيا واضحا يكون مزعجا للدولة.
و بغض النظر عن مصدر تأجيج العنف ، فإنه لا يزيد الجامعة المغربية إلا تأزما ، و ذلك عبر خلق نوع من الاضطراب داخلها ، و تحويلها من فضاء للتحصيل العلمي وتلاقح الافكار الى مكان شبيه بثكنة عسكرية تدرس فيها الخطط الاستخباراتية ، و تنفذ فيها المواجهات و اغتيالات الطلبة ، و بالتالي ينتفي فيها الدور العلمي و التربوي المنوط بها كمؤسسة اجتماعية ، وفي النهاية الخاسرالاول والاخير والضحية في آن هو الطالب