التبادل الآلي للمعلومات وتداعياته السلبية على مغاربة أوروبا
بقلم : التجاني بولعوالي
أثارت الملاحقة القانونية الصارمة في بلجيكا لما يطلق عليه “الفساد الاجتماعي” المتعلق بالسكن المدعوم من قبل الدولة ضجة عارمة بين أوساط مغاربة بلجيكا وأوروبا خلال الأيام الأخيرة. وما عمّق هذه الإشكالية هو أن الدولة المغربية أبرمت سنة 2019 اتفاقية للتبادل الآلي للمعلومات بينها وبين دول أوروبية وغربية، ومنها المعلومات المتعلقة بممتلكات وودائع مغاربة أوروبا في المغرب.
وقد ترتب عن هذه النازلة نقاش حاد وواسع عبر الشبكات الاجتماعية اتسم بالهلع والأسف والإحباط، عبّر فيه عدد هائل من مغاربة أوروبا عن خوفهم على مصير منازلهم وعقاراتهم وودائعهم في الوطن، التي قضوا من أجلها زهرة عمرهم. ولا يتعلق الأمر فقط بالمستفيدين من السكن الاجتماعي المدعوم، بل يتعداهم إلى كل مغربي يتوفر على منزل أو عقار في الوطن، وسوف يُجبر مستقبلا على دفع الضرائب السنوية عنه لبلد الإقامة، وربما أيضا للدولة المغربية التي تسعى إلى إقرار ضريبة على الممتلكات والثروة. هذا، رغم أن أغلب مغاربة أوروبا لا يستعملون هذه المنازل إلا أثناء العطلة الصيفية، وهناك من بنى هذا السكن أساسا لعائلته الفقيرة ويستعمله أثناء العطلة. ما يعني أن المسألة في الأصل لا تتعلق بما هو ربحي أو تجارييمكن أن يخضع للمسطرة الضريبية.
وقد سارعت المديرية العامة للضرائب إلى نفي كون هذه الاتفاقية المتعددة الأطراف تنص على التبادل الآلي للمعلومات، وأنه ليس هناك أي التزام بالنسبة للمغرب للتبادل الآلي للمعلومات لأغراض ضريبية برسم سنة 2021.
تُرى هل ينطبق ما جاء في بيان المديرية العامة لاسيما على الحالة البلجيكية التي تشهد أثناء السنوات الأخيرة متابعة قضائية لعدد من المغاربة في أونفيرس وميخلن وغيرهما؟ ثم من أين حصلت المصالح الضريبية البلجيكية على المعلومات الخاصة بالأشخاص المتابعين؟!
في رسالة رسمية مؤرخة بـ 31 يناير 2019 موجهة إلى وزير المالية الفلامانكي ألكسندر دي كرو كتبت البرلمانية من أصل مغربي، نعيمة لنجري تسأل عن التبادل الدولي للمعلومات المرتبطة بالازدواج الضريبي. وذلك قصد مواجهة الفساد الاجتماعي الذي يتعلق بالمستفيدين من الأجور والإعانات الاجتماعية ودعم السكن ويتوفرون على منازل في الخارج. وقد اتضح آنذاك أن بلجيكا تسلمت معلومات خاصة بالبلجيكيين من أصول أجنبية من أكثر من مائة دولة لا تتضمن كل من المغرب وتركيا. غير أنه تم عرض المسألة مرة أخرى على الوزارة المعنية، وهي وزارة المالية الفلامانكية، فأكد وزير المالية دي كرو، الذي يشغل اليوم منصب الوزير الأول في الحكومة الفيديرالية البلجيكية، أن هناك تبادلا للمعلومات الضريبية بين بلجيكا و150 دولة أخرى من بينها المغرب لمحاربة الفساد الضريبي وليس الاجتماعي. يمكن الاطلاع على الرسالة على الرابط: https://bit.ly/2QvzClu
من حق أي دولة، ومنها بلجيكا، أن تحارب الفساد الضريبي والاجتماعي الذي ينهك ميزانيتها، لكن لا يمكن أن نعتبر كل من يملك منزلا في البلد الأصل غنيا أو لا يستحق الدعم الاجتماعي الموجه للسكن، لأن تلك المنازل في أغلبها ليست ذات طابع تجاري أو ربحي، وأغلب مغاربة بلجيكا وأوروبا يتوفرون على منازل جد عادية وفي مدن صغرى بغرض الاستعمال العائلي أثناء العطل. ثم هناك من بنى تلك المنازل أو اشتراها قبل زمن طويل بأثمنة زهيدة، أقل بكثير من قيمتها الحالية التي قد تعتمدها المصالح الضريبية. لذلك، لا يمكن اعتماد امتلاك سكن بُني في ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي أو تمت وراثته معيارا عادلا في هذهالملاحقة الضريبية. حقا إن هناك فئة جد قليلة تستحق أن تتابعقانونيا بسبب أنشطتها المشبوهة خارج بلد الإقامة، لكن لا ينبغي أن يُتخذ ذلك ذريعة لملاحقة الجميع.
أما فيما يتعلق بالجانب المغربي، فمن المؤكد أنه لا يمكن تجاهل التوازنات الدولية والعلاقات الاستراتيجية، التي أصبحت تفرض على الدولة المغربية بناء علاقات قانونية صلدة وإبرام اتفاقيات دولية مهمة. لكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب مغاربة أوروبا والعالم الذين يعتبرون أول الجاليات على الإطلاق وفاء للوطن الأصل، وتشكل رافعة مفصلية في الاقتصاد الوطني، ولا تخلو اليوم مدينة أو قرية في المغرب من بصمة مغاربة المهجر فيما هو تجاري أو عقاري أو استثماري أو بنكي. هذا ناهيك عن الدورالرمزي والسياسي والدبلوماسي الذي يؤديه المغاربة في الخارج دفاعا عن الثوابت الوطنية والهوية المغربية الأصلية.
وقد جعلت هذه الإجراءات الضريبية الجديدة شقا كبيرا من مغاربة أوروبا يفكرون في بيع منازلهم بالوطن وسحب أرصدتهم البنكية، خشية الوقوع في شراك المتابعة الضريبية جراء التبادل الآلي للمعلومات. ولا يتعلق الأمر فقط بالمستفيدين من السكن الاجتماعي المهددين بالطرد الفوري ودفع الغرامات التي تتعدى 50 ألف يورو، بل أصبح كل من يملك منزلا أو عقارا في المغرب مهددا بالمتابعة القضائية لعدم التصريح بتوفره على ممتلكات في الخارج أثناء التقديم السنوي للإقرار الضريبي. وينص القانون البلجيكي المتعلق بالسكن الخارجي على دفع الضريبة للبلد الذي يوجد فيه المنزل إذا كانت تجمعهما اتفاقية الازدواج الضريبي، أما إذا لم تكن هناك اتفاقية فالضريبة تدفع لبلجيكا، وربما أيضا للبلد الذي يوجد فيه المنزل.