بقلم : أحمد عصيد
أستعير العنوان أعلاه من الأستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي الذي اعتمده في شهادته المؤثرة والمريرة، على أطوار ومآلات محاكمة نشطاء حراك الريف، أستعير هذا العنوان لأنني لم أجد أفصح منه في بيان ما جرى ويجري، إذ تعكس شهادة النقيب بؤس المشهد وقبحه الشديد،شهادة تدمي القلب وتشعر المرء بمزيد من الحسرة والألم على ما صرنا إليه في بلد لم نفقد الأمل أبدا في إنقاذه ووضعه على سكة النهضة والتنمية الفعلية، رغم كل عوامل اليأس والتيئيس المحيطة بنا، ورغم كل النكسات والصدمات والفواجع.
السيد النقيب الذي كان ضمن دفاع المعتقلين وتابع أطوار المحاكمات وعانى من مشاهدها السريالية اعتبر ما صدر من أحكام “صدمة تاريخية كبرى وعنيفة”، تضع السلطة في موقع الضحية، وضحايا السلطة في موقع المجرمين.
تأتي شهادة النقيب لتضاف إلى شهادات المحامين الذين ترافعوا من أجل حرية المعتقلين، والتي أكدت جميعها على أن أطوار المحاكمات عرفت اضطهادا حقيقيا لرجال ونساء المحاماة وعرقلة بالواضح لعملهم وصلت حدّ المتابعة القضائية، كما عرفت هذه المحاكمات مختلف ألوان التحايل والخرق والتدليس أدت إلى ضرب المساطر القانونية ومصداقية الدولة في الصميم، بدءا من طريقة اعتقال المتهمين ومعاملتهم المهينة لكرامتهم، مرورا بعدم السماح لهم بالتعبير في الجلسات عن آرائهم وشهاداتهم بكل حرية، وبالتضييق على عائلاتهم والصحفيين المتابعين لهم، وانتهاء بتنزيل أحكام أقل ما يقال عنها إنها خرافية، حيث لا يوجد بين يدي القضاء ما يبررها غير الاتهامات الثقيلة للنيابة العامة، التي هي من نسج خيال المختبرات المعلومة، من قبيل “تهديد أمن الدولة والانفصال” إلخ.. والتي قامت السلطة برفض جميع الحجج والأدلة التي تثبت تهافتها.
وها قد صار للدولة المغربية من جديد معتقلوها في سنوات رصاص جديدة، صدّق الكثيرون بأنها انتهت مع تجربة “العدالة الانتقالية” و”المفهوم الجديد للسلطة”، ليتبين مقدار البون الشاسع الذي يفصل الشعار عن الممارسة في بلدنا. إنها عودة بنسبة 180 درجة للسلطوية السافرة والاستبداد المطلق، الذي يجعل السلطة تسحق الوطن وتعلن الحصار على مجتمع بكامله، هل يقبل المغاربة بأن يعودوا من جديد إلى حظيرة الحكم المطلق ودولة الخوف والعسكرة ؟
وها قد فتحت السلطة صفحة جديدة دامية ضد الريف الجريح الذي لم تندمل جراحه القديمة حتى نُكئت من جديد، بعد أن صدقنا لسنوات أطروحة “المصالحة” المفترى عليها. هل يعيد التاريخ نفسه ؟
يحدث هذا في الوقت الذي يصول فيه ويجول السّراق ومصاصو الدماء وناهبو المال العام وسماسرة الإدارة بدون أية محاسبة أو عقاب.
ثمة رسالتان تريد السلطة إيصالهما إلى المغاربة عبر هذه الأحكام الخطيرة:
1) أن التظاهر والاحتجاج ضدّ الظلم والحكرة والإقصاء أمر محظور يعاقب عليه بأشد العقوبات.
2) أنّ نقد السلطة يدخل في دائرة هتك المقدس الذي ينال صاحبه التنكيل وهدر الكرامة.
الوضع الحالي غير مقبول، وواهم من يعتقد بأن القبضة الحديدة والمقاربة الأمنية ستحسمان لصالح الأمر الواقع، فلا مخرج من هذا المطبّ الكثيب إلا تراجع الدولة عن عنجهيتها، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والتظاهر، والوفاء بوعودها التي قطعتها على نفسها للمغاربة.