بقلم : علي أنوزلا
تواترت في المغرب في الفترة الأخيرة الكثير من الأحداث ذات الطبيعة الأخلاقية دفعت البعض إلى الحديث عن وجود صراع قيمي داخل المجتمع، وزاد انخراط الإعلام الرسمي الذي ما زالت تحتكره السلطة في المغرب من تضخيم بعض الأحداث وتوجيه النقاش حولها لدرجة أن من يتابعها يكاد يعتقد أن حرب القيم قد وقعت فعلا في المغرب. البداية كانت بعد ذيوع قصة حب بين وزيرة ووزير ينتميان إلى الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة.
وتركز النقاش حينها حول تعدد الزوجات بعد أن اصطحب الوزير معه الزوجة التي توجد في ذمته لخطبة حبيبته الوزيرة المطلقة حديثا. وأمام الضجة الكبيرة التي أثيرت حول هذا الموضوع تمت إقالة الوزيرين، لكن بعد أن تحولت قصة حبهما إلى فضيحة استهدفت الرصيد الأخلاقي للحزب الإسلامي الذي ينتميان إليه.
بعد ذلك جاءت السهرة التي أحيتها الفنانة الأمريكية جنيفر لوبيز في المهرجان الذي يشرف على تنظيمه السكرتير الخاص للملك، وتم نقل السهرة مباشرة على شاشة إحدى القنوات الرسمية التي تخضع لوصاية مقربين من القصر، حيث ظهرت المغنية الأمريكية بلباس مثير وهي تؤدي حركات ذات إيحاءات جنسية مما أثار حفيظة المجتمع المغربي المحافظ ووضع الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، ويملك “نظريا” سلطة الوصاية على الإعلام الرسمي، أمام حرج كبير في مواجهة قاعدته المحافظة. ومرة أخرى تجاوز النقاش لباس لوبيز وحركاتها ليركز على موقف الحزب الإسلامي المعادي للفن.
وبرز بوضوح تركيز الإعلام الرسمي على الجانب الأخلاقي في انتقاده للحزب الإسلامي الذي يقوم الحكومة، مع حادثة احتجاز الشرطة في مدينة انزكان (قرب أكادير) لفتاتين بشبهة ارتدائهما للباس مثير، ووجهت لهما النيابة العامة تهمة “الإخلال بالحياء العام”، فأقام الإعلام الرسمي الدنيا وأقعدها وتحولت إحدى القنوات الرسمية إلى مهيجة للجماهير التي خرجت في أكثر من مدينة مغربية للتضامن مع الفتاتين، وفي النهاية اضطرت النيابة العامة التي يشرف عليها وزير إسلامي بالاعتراف بالخطأ وإسقاط المتابعة في حق الفتاتين. ومرة أخرى تجاوز النقاش لباس الفتاتين وتحول إلى نقاش حول الحريات الفردية انساقت له جماهير الإسلاميين الذين دفعوا بنسائهن إلى التظاهر دفاعا عن لباسهن “الشرعي”.
ولم يمض على هذه الحادثة، التي مازالت تداعياتها تتفاعل، الكثير من الوقت حتى اندلعت حادثة أخرى عندما تعرض بعض المارة في مدينة فاس لشاب مشتبه في مثليته وأشبعوه ضربا بسبب لباسه و مظهره.
ومرة أخرى تحركت نفس الآلة الإعلامية الرسمية لتوجيه ردود الفعل الغاضبة التي عبر عنها أصحابها بتلقائية في المواقع الاجتماعية، لتحميل مسؤولية “دعشنة” المجتمع المغربي إلى الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة بعد أن تكررت أحداث مماثلة وفي نفس الفترة الزمنية عندما اعتقلت سلطات الرباط شابين للاشتباه في مثليتهما وطردت ناشطتين من حركة “فيمن” العالمية، وتعددت حالات اعتقال أشخاص بدعوى إفطارهما العلني بالنهار خلال شهر رمضان. وأخيرا تسريب قصة الزواج العرفي بين مذيع الجزيرة أحمد منصور ومناضلة من الحزب الذي يقود الحكومة، وتسليط النقاش فيها على شبهة الزواج العرفي الذي لا يعترف به المشرع المغربي.
إن تركز كل هذه الأحداث في فترة زمنية متقاربة، وتوقيتها الذي يأتي قبيل تنظيم الانتخابات المحلية المرتقبة في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، وتحوير النقاش حولها من الجانب القانوني إلى الجانب الأخلاقي والقيمي، وتدخل جزء من الإعلام الرسمي كطرف في هذا النقاش متبوع ببعض وسائل الإعلام الخاصة التي لا تخفي ولائها لجهات نافذة داخل الدولة وتعلن عدائها السافر للإسلاميين، كلها مؤشرات تدفع إلى الشك والتساؤل عما إذا كان النقاش حول مثل هذه الأحداث مفتعلا وموجها لخدمة أجندات سياسية للسلطة ولموالين لها لمواجهة الإسلاميين في ملعبهم؟! المؤكد هو أن المجتمع المغربي مثل جميع المجتمعات لا يخلو من صراع قيمي تتجاذبه قوى محافظة وأخرى تتطلع إلى تحديثه وعصرنته، وهذا الصراع كان ومازال وسيظل موجودا، وما تغير هو أدوات تصريفه بسعي البعض إلى تحويله إلى صراع سياسي بين تيارين، وموضوع استقطاب داخل المجتمع لخدمة أجندات سياسية خفية وشغل الناس عن أولويات لا تقل أهمية عن النقاش حول الحريات الفردية وحرية اللباس وحرية التصرف في الجسد، مثل النقاش حول الديمقراطية الشكلية التي يرتكب كل شيء باسمها، وحقوق الإنسان التي تعرف انتكاسة كبيرة، والتطبيع مع الفساد المستشري على جميع المستويات.
إن جر المجتمع المغربي، الذي يفتقد إلى وجود آليات ديمقراطية لتأطير نقاشاته، إلى معترك صراع القيم الذي لم يتم حسمه حتى داخل مجتمعات غربية متقدمة مازالت مواضيع الإجهاض وزواج المثلين مثار جدل داخلها، هو بمثابة اللعب بالنار، لأنه عندما يخرج عفريت التعصب من قمقم هذا الصراع تصعب إعادته إليه.