وثائق/ محكمة النقض تنتصر للهيني وتقضي بحقه في ممارسة المحاماة بعد عزله من سلك القضاء

زنقة 20. الرباط

بعد طول انتظار، أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارها في قضية قاضي الرأي المعزول محمد الهيني، حيث اعتبرت أن عزل قاض بسبب “اتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية والإخلال بواجب التحفظ”، لا يعد سببا مانعا من ممارسته لحق المحاماة. القرار الذي اتخذ بعد اجتماع غرفتين، هما الغرفة الادارية والغرفة المدنية، وصف بالاجتهاد المبدئي واعتمد على حيثيات غير مسبوقة في تفسير قانون المحاماة، حيث أقر مبدأ التفسير الواسع للنص من أجل استجلاء إرادة المشرع، ليستخلص أن حظر ممارسة مهنة المحاماة على القضاة المعزولين الوارد في النص يقتصر تطبيقه على حالة القضاة المعزولين لأسباب تمس الشرف، ولا ينطبق على قضاة الرأي.

ملخص القضية

بتاريخ 06/12/2016 تقدم القاضي السابق محمد الهيني بطلب إلى نقيب هيئة المحامين بمدينة تطوان-شمال المغرب- يعرض فيه أنه كان قاضيا يزاول وظيفته بصفته نائبا للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، إلى أن تم عزله بتاريخ 18/02/2016 بسبب اتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية والإخلال بواجب التحفظ، ملتمسا تسجيله بجدول هيئة المحامين بتطوان باعتباره قاضيا سابقا، وأرفق الطلب بقرار عزله، وبشهادة إجازته في الحقوق وبشواهد تفيد تدريسه بالجامعة، وبقرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 15/03/2016 (أي بعد قرار عزله) والذي اعتبر أن الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية، لا يعد خطأ موجبا لتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، لأن هذا التوقيف غير مطابق للدستور. وكانت محكمة الاستئناف بتطوان أصدرت بتاريخ 12/10/2016 قرارا بإلغاء قرار نقيب المحامين بتطوان بقبول طلب الهيني على أساس المادة 18 من القانون المنظم لمهنة المحاماة. فوفق محكمة الاستئناف، هذه المادة التي تسمح لقدماء القضاة بالولوج إلى مهنة المحاماة من دون اجتياز مباراة أو الخضوع إلى تمرين، تنطبق فقط على القضاة الذين تم قبول استقالتهم، أو تمت إحالتهم على التقاعد ويقتضي استبعادها في حال صدور قرار تأديبي بعزلهم. ويشار إلى أن الطعن بقرار نقيب محامي تطوان صدر عن النيابة العامة. وقد عاد الهيني ليقدم طلب نقض ضد القرار الاستئنافي.

وسائل النقض

اعتمد طلب النقض المقدم ضد قرار غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بتطوان على خرقه القانون، ذلك أن القرار المذكور اعتبر أن القضاة المعزولين لا يدخلون في حكم المادة 18 من قانون المحاماة، لأنها جاءت على سبيل الحصر بتحديدها القضاة المعنيين بحكمها في المستقلين والمحالين على التقاعد، وهو تفسير لا أساس له، لان المادة 5 من نفس القانون حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح للمهنة، ومن بينها أن يكون حاصلا على إجازة في العلوم القانونية أو ما يعادلها، ويرتفع هذا الشرط وفق المادة 18، كلما تعلق الأمر بقدماء القضاة الذين قضوا ثماني سنوات على الأقل في سلك القضاء، بعد حصولهم على الإجازة في الحقوق وقبول استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد، ما لم يكن ذلك لسبب تأديبي، ونفس الحكم لقدماء القضاة من الدرجة الثانية أو ما يفوقها. ولم يرد بهذه المادة ما يحمل على حصر حكمها في القضاة المستقلين والمتقاعدين وحدهم، لان هناك حالات عديدة لانتهاء مهام القاضي غير مذكورة بها ويستحيل القول بعدم اندراجها في حكمها، لان مناط إعفاء قدماء القضاة من الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة ومن التمرين هو ما حصلوه من تجربة قضائية، افترض المشرع معها أنهم صاروا مؤهلين لممارسة تلك المهنة، وهي تجربة لا تتأثر بإنهائهم لمهامهم القضائية، شريطة اكتمال السنوات الثمانية المفترضة لقيام عنصر التجربة.

وعليه يتعين تاليا إلحاق جميع حالات إنهاء مهنة القضاء بالحالتين المذكورتين بالمادة 18 لأنهما مجتمعتان على علة واحدة هي التجربة القضائية، والتقييد الوحيد الذي وضعه المشرع لمختلف حالات إنهاء وظيفة القضاء هو ألا يكون التأديب متعلقا بأفعال تخدش الشرف والمروءة وحسن السلوك طبقا لما جاء في المادة 5 من نفس القانون، ووفق ما سار عليه الاجتهاد القضائي ، لذلك لا يجب تحميل عبارة المشرع في المادة 18: “من غير سبب تأديبي ” أكثر مما تحتمل، لان الطاعن لم يعزل من أجل فساد مالي أو أخلاقي، وإنما عزل بسبب إبداء آراء ذات صبغة سياسية لا تدخل في دائرة الأفعال المنافية للشرف والمروءة وحسن السلوك.

تأويل النصوص للوصول إلى غاياتها ومقاصدها

اعتمدت محكمة النقض في تعليلها على حيثيات غير مألوفة حيث لجأت إلى تقنية تأويل النصوص للوصول الى غاياتها ومقاصدها. وعلى أساس ذلك استخلصت أن ادلاء القاضي بتصريحات تكتسي صبغة سياسية وإخلاله بواجب التحفظ، وان كان يتنافى مع ممارسة مهنة القضاء، فهو لا ينبغي اعتباره مانعا من ممارسة مهنة المحاماة لأنه سبب غير شائن لا يمس بالشرف.

جاء في قرار المحكمة أن “العبرة هي في النصوص بغاياتها ومقاصدها، وللوسائل حكم المقاصد، فيجوز قياس وسيلة على أخرى تماثلها إذا كان لهما نفس المقصد، وهذا يقتضي شمول النص للحالات المذكورة فيه وما يقايسها إذا اتحدت الغاية وانتفى الدليل على الحصر”. وعليه، رأت محكمة النقض أن المقصود بالمادة 18 من القانون المنظّم لمهنة المحاماة هو “إفادة هذه المهنة من التجربة المهنية لقدماء القضاة” . وعليه، خلصت محكمة النقض إلى القول بأن الحالتين المنصوص عليهما (استقالة وإحالة إلى التقاعد) في المادة المذكورة لم تردا على سبيل الحصر، وإنما هو تنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالتالي يدخل في حكم المادة كذلك، العزل وكافة الحالات التي يغادر فيها القاضي من الدرجة الثانية سلك القضاء من دون فقدان أي من الشروط المنصوص عليها في المادة 5 من نفس القانون، ومنها ألا يكون مدانا قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك. وعليه، اعتبرت المحكمة أن عزل قاض بسبب “اتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية والإخلال بواجب التحفظ” (وهو وضع الهيني)، وهما فعلان وإن كانا يتنافيان مع سلك القضاء فإنهما ليسا كذلك بالنسبة لمهنة المحاماة ولا يدخلان في ما ينافي الشرف والمروءة أو حسن السلوك، للانخراط فيها، لا يشكل مانعا من الانخراط في مهنة المحاماة.

اعتمادا على الحيثيات سالفة الذكر نقضت محكمة النقض القرار المطعون فيه وقضت بإحالة القضية من جديد على نفس المحكمة لتبت فيها وفقا للقانون.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد