ويسألونك عن انتشار ظاهرة الغش

بقلم :  أمل السقاط

كلنا يتفق على ان ظاهرة الغش هي ظاهرة مرضية مقيتة باتت تنخر مجتمعاتنا كسوسة نخرة ,وجب استئصالها واجثتاتها من جذورها نظرا لسلبياتها على الفرد وكذا المجتمع .

فالغش لغة نقيض النصح وهو ماخوذ من الغشش ا”لمشرب الكدر” وغشه يغشه غشا من باب قتل لم يمحضه النصح ,واظهر خلاف ما اضمر ,وزين له غير المصلحة,والغش الغل والحقد .

اما اصطلاحا قال صاحب التنبيهات (الغش ,كتم كل ما لو علمه المبتاع كرهه).

وقال المناوي هو ما يخلط من الردئ بالجيد.

فالغش بهذا المعنى هو خداع ,وخيانة للامانة,وغلول ودغل,ومداهنة وتمويه,ومخرقة وادهان, بحيث ينتزع حق مستحق من صاحبه لاخر لا يستحقه لا شرعا ولا عرفا وهو يسلك في سبيلل تحقيقه سلوكا غير مشروع وغير شريف مقصرا المسافات لنيل اهدافه ومراميه وتحقيق ما يصبو اليه بيسر وسهولة, في الوقت الذي يستحقه الاخر بالسعي والاجتهاد والنشاط والمتابرة المنواصلة والهادفة.

ولعل الخطير في الامر اذن هو ان بعض الاشخاص رغم كسلهم وتخلفهم, وعدم كفاءاتهم لا المعرفية ولا العلمية ولا حتى التربوية الراقية بمبادئها وقيمها النافعة الناجعة ونصرتها لحق مستحق,الا انهم يحصلون على الدرجة والموقع الذي يحظى به الاخرون المجدون المجتهدون ,المتابرون المستنيرون حقا باسرع ما يمكن.

وان دل ذلك عل شئ ,فانما يدل على حلقة جديدة من حلقات غياب الضمير المترجمة في غطرسة انانية ,وتطرف نرجيسية اولئك من يحرصون مستميثين على ان لا يثار غبار حولهم في هذا المجال حتى وان كانوا في العمق لا يتمتعون بنفس مؤهلات وكفاءات ومواصفات المستنيرين الفعليين ولعل هذا الامر هو ما اوصل بعض المجتمعات الى ما هي عليه من حالة انفصام بين ماتريده وما تعيشه,وحالة التردد والحيرة في مدى قدرتها او تمكنها من تجديد الاليات والميكانيزمات الموظفة لهذه الغاية والمواكبة في نفس الان لكل مستجدات عصر العولمة حيث تنشد تحقيق الديمقراطية والحداثة ,والمنهجية المنتقاة بحكمة للحفاظ على الاصل والجوهر مع احترام للذات.

ثم حالة اصطدام بين المفروض والمرفوض كقيم للمرجعية الجوهر والاساس المحددة ,والمقاييس والمعايير الموظفة والمعمول بها على ارض الواقع. لهذا ولغيره وانا اناقش فكرة الموضوع وجدتني كثيرة الاستغراب وشديدة التعجب من جل اولئك الذين كلما هل موسم الامتحانات الا ووجدتهم عبر المنابر الاعلامية يحاضرون ويناظرون , يتحدثون ويشرحون الظاهرة وهم يعظون ويتوعدون تارة وينصحون ويرشدون اخرى.

وكان الظاهرة في عمقها – وللاسف الشديد- لا تخص الا فئة التلاميذ او الطلاب من فئات المجتمع ,وبالضبط ايام الامتحانات الاشهادية _وهنا لا يجب ان يفهم من كلامي او يؤول لعكس ما وظف له, او بانه يضمر عكس ما يظهر وانما هي وجهة نظر ندعو من خلالها الى ضرورة وحتمية التفكير في الظاهرة بكل موضوعية وجدية ان كنا فعلا نطمح تحقيق تنمية عادلة وممارسة ديمقراطية حقة وقحة ,شفافة واصيلةفي جميع المجالات بالنسبة لكل فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية لان الحكمة تقول من شب على شئ شاب عليه لذلك نرى وضمانا لتحقيق مبدا” تكافؤ الفرص” ان التربية هي الاساس والاس والعماد والسلاح والعدة والعتادلكل بنا ءاو تنشئة او تاسيس صلب متماسك ومنسجم متكامل ومتوازن.

و وعليه وانطلاقا مما تقدم الم يكن حريا بكل اولئك القيام بابحات علمية ودراسات ميدانية واستخلاص احصائيات مساعدة على التقصي والبحث بهدف التشخيص الموضوعي والشفاف للظاهرة لمعرفة الاسباب المباشرة ةاوالغير مباشرة لتفشيها بهذا الشكل الكارثي والماساوي _وان كان اكثرها مكشوفا للخاص والعام_ بغية استئصالها واجثتاتها من الجذور قبل ان يزداد الوضع خطورة لدرجة جعلت الطالب اوالتلميذ على حد سواء ,وبمختلف الاسلاك او المستويات الدراسية يكاد يؤمن بانه حق من حقوقه,والويل كل الويل لاستاذ حاول ان يقوم فقط بمهمته ايام الامتحان بمهنية وبضمير صيانة لحق مستحق لاصحابه ومنعا منه لاي تدليس او تمويه او خيانة للامانة ,ومساهمة منه (الاستاذ) ابعاد واستفحال الظاهرة او انتشارها انتشار النار في الهشيم ., لا سيما اذا ما علمنا انهم (التلاميذ )ينتقلون كل سنة الى المستوى الاعلى بمعدلات هزيلة ولعل الاحصائيات الاخيرة لاكبر شاهد واقوى دليل على ما نقول , لاسيما اذا ما علمنا ايضا ان هؤلاء الاطفال التلاميذ اليافعين يتقنون يوما بعد يوم مبدعين وسائل جديدة للغش,متحدين كل القوانين والقواعد الضابطة او الناظمة لاجواء سليمة للامتحان ,بغرض التقييم العادل الضامن قولا وفعلا تطبيقا وتحقيقا لمبدا تكافؤ الفرص على ارض الواقع بالاضافة الى هذا وذاك تجدر الاشارة انه من اخطر نتائج هذه الظاهرة المرضية المقيتة هو حصول الممتحن على شهادات لا يستحقها ,وقد تخول اليه بعد ئذ القيام بادوار لا يملك حق ممارستها ,في حين يحرم منها ذاك الذي يستحقها بالفعل ,بالعقل,وبالمنطق, بفضل مجهوداته الخاصة ومتابرته المتواصلة وكفاءاته الواصلة المتكاملة استحقاقا ناجحا ناجعا.لاسيما اذا ما علمنا ايضا ان ظاهرة الغش المرضية هذه تبرز على اثرها ظواهر اجتماعية مرضية اخرى. قد تظهر سلبياتها حينا او بعد حين.

فما هي الاسباب الرئيسة اذن لاشكالية الغش كظاهرة مولدة لظواهر مرضية مقيتة اخرى قد تهدد الامن الاجتماعي بنهج بعض افراد المجتمع السلوك الردي حيث يفقدون البوصلة الموصلة الى الجودة والجدية في القول والعمل شكلا ومحتوى,,معنى ومبنى رغم كل المجهودات المبذولة لانقاذ ما يمكن انقاذه؟

فالى اي حد يمكن اعتباره (الغش)السبب في ما نعانيه اليوم من تدن من حيث المستوى التعليمي ونحن نطمح ان نؤدي هذه الرسالة التعليمية المقدسة بما تتضمنه من عمق تربوي , وحمولة فكرية بيداغوجية و ديداكتيكية ومنهج راق للتفكير بان للانسان النافع الناجع المتحلي بالمبادئ البانية , والقيم الراقية,والاخلاق السامية حيث تنعكس عطاءاتها الايجابية ,وتمار مجهوداتها الغنية على مستوى الفرد والمجتمع؟

وهل ما نعانيه اليوم ما هو الا نتيجة تفريط مجتمع في البنية الاساس لوحدة القيم التي لاتتجزا مطلقا ,بهدف السعي وراء الحداثة والتجديد والتغيير والتطوير في غياب تحديث منهجيات التفكير والاليات المواكبة لكل ذلك ,ام هي انانية فكر ونرجسية ذات في  فهم خجول وتقدير باهت للذات يكون غير معزز بالنقد ال هادف و البناء لها ,ام هو تعقيد ولبس معاملات افراد مع بعضهم البعض ,وجشع سلوكاتهم وعدم استيعابهم ووعيهم بمدى اهمية اللحظة التاريخية التي نعيشها على اكثر من مستوى معرفيا,علميا,ثقافيا تاريخيا حضاريا ثم اجتماعيا واقتصاديا وحداثيا,ومدى قدرتها على خلق هذا التوازن المنشود الخلاق والمبدع في حالة امتلاكه للادوات والاليات التي تؤهل انسان اليوم التعامل مع العولمة بكل حكمة وعقلانية وترشيد,ومع مستجدات العصر بايجابياته وجودة مردوديته دون الانزلاق او الانجراف في نفق مظلم حيث العتمية والعشوائية,والارتجال والتهميش و ا لاقصاء,وتضييع لحقوق الانسان,وهدر لكرامته , وتبخيس لانسانيته ,ام هي فاتورة اغفال منا ساهمنا فيه بطريقة ام باخرى بغضنا النظر والبصر عن ما قد نلمحه هنا من غش ,وهناك من اختلاس,وهنالك من تلاعب وهنالك هنالك من رشوة.,وابعد بقليل او اكثر من تمويه او تضليل بتسمياتنا اشياء بغير مسمياتها,ونسف مصطلحات من معانيها,ومفاهيم من دلالاتها ,ومنهجيات من موضوعيتها وعمق اهدافهاالمنظمة لنسقيتها المتماسكة المتسلسلة المترابطة والمتلاحقة و المتكاملة والمرتبة الضابطة الوازنة للفكر والمنجتة للتفكير الممنهج والمتجدد والمتدفق, الراقي والمتخلق ليت……………..يه التلميذ والطالب امام هذا الزخم من العلوم و والمصطلحات والمفاهيم والمعاني والدلالات والسلوكات ثم المعاملات وبين ما يتربى عليه في حضن الاسرة كمبادئ واخلاق, وما يتلقاه او يدرسه في المدرسة كقبم , وبين ما يسمعه او يشاهده عبر الشاشة الصغيرة او مختلف وسائل الاعلان والاعلام عامة كسلوكات من خلال برامج او افلام او مسابقات غنائية وما يعيشه كاحداث في الواقع كواقع معاش .,حيث يراه رؤية العين المجردة ,ويلمسه باللب والوجدان والعقل قبل لمسة اليد ,فايهما يكون الاصدق والاقرب الى مخيلته وتمثلاته, والاكثر مصداقية وثقة ونفعية بالنسبة اليه؟

ايها يكون اكثر تصديقا وممارسة وتطبيقا ثم تحقيقا لامنه واطمئنانه و(توازنه)زواستقراره لا سيما اذا علمنا انه دائما ينشد(بضم الشين)وينشد)بفتح الشين)لمستجدات العصر وبكل ما تفرضه قوانين العولمة من شفافية وكشف ووضوح ,فيجذبه الابسط والاسرع والانفع والامتع,كيف لا وهو ابن جيل العولمة والتكنولوجيا والحداثة والمعرفة والسرعة,والمعلوميات الدقيقة , والجاذبية والجودة ,والنفعية , والمردودية.

كيف لا والحال تقول وتقر بان اللغة السائدة والطاغية هي لغة المصلحة والنفعية والبراكماتية الانية ,ولغة الربح السريع الاكبر, والمردودية الاغزر بغرض الوصول الى الهدف بشتى الطرق المشروع منها او الممنوع ,لم يعد الامر يفرق معه للاسف الشديد ,حيث القيم التي كانت بالامس القريب لم تعد تعني له الشئ الكثيرمادام لا يجد لها تجسيدا في المجتمع وبالتالي لم تعد هي هي نفس القيم.

وكذلك الامر بالنسبة للمبادئ لم تبق على نفس القدر والمستوى من النقاء والصفاء والطهرا لذي كانت عليه بالامس القريب حيث يقدر ويمجد الانسان,ويحافظ عليه ويصون كرامته صونا ,اولا واخيرا,وحيث كانت التربية تنشئة وتاسيسا وبناءا,لها فلسفة وغاية وهدف ومعنى ,رسالة وتواصل اثراء واغناء ,وحيث كان للحياء والاخلاق وجود وتواجد سنفونية تتجدد الحانها صمود ,حروفها تاريخ وخلود.وحيث كان للانسان احترام وتقدير هبة واعتبار,وللعلاقات الانسانية والاجتماعية قدسية ونبل وتميز من نوع خاص جدا,.

اما الان وفي ظل ما نسمعه او نشاهده او نراه او نعيشه او بالاحرى ما نعا نيه يكفي ان نقوم بعملية نقد ذاتي انعرف مكمن الخلل ونقوم بالتالي انفسنا بانفسنا فنتصالح مع ذواتنا وقيمنا معتمدين جوهر وعماد مرجعيتنا الاول والاساس ثم نقوم مناهجنا وبرامجنا,ونحن نراجع ونغني مقرراتنا لتواكب العصر وما يفوح به من مستجدات,واختراعات وابتكارات,بل ونحن نعيدقراءتنا للتاريخ بكل نضج وادراك ووعي ومسؤولية لنستفيد ونفيد لنجدد ونظيف.

يكفي اذن ان نتصفح ولو ليوم واحد الجرائد وما تقدمه للقارئ من اخبار او ان نستمع ولو لساعة واحدة من الزمن للمذياع حيث شابة هنا وشاب هنالك يبوح بمعاناته اليومية التي يتكبدها وهو من المفروض ان يكون في احلى فترات عمره(مرحلة الشباب).

وان دل ذلك على شئ فانما يدل على حلقة جديدة من حلقات غياب الضمير المجسدة في ظاهرة الغش التي يعيشها شبابنا معاناة مع قيمه ومبادئه وفكره ونفسه وذاته,مع امله وطموحه في كل لحظة اهدرها دون عمل ,في كل فكرة امن بها فاجهضت رغما عنه قبل ان يتمكن من اخراجها الى الوجود,فعاش لحظة المخاض لحظات وفي كل مرة تتجسد المعاناة شبحا مخيفا مع محاولةمنه تجديد الامل ليصير الما ,والحلم وهما وسرابا.

وان دل ذلك على شئ فانما يدل على افتقاره للنموذج الامثل ,والقدوة الافضل في محيطه ومجتمعه حيث الصدق والتصديق ,وحاجته الماسة للتعلم الواعد حيث المنهجية والكيفية المعرفية والعلمية وكذا العملية المحفزة على المبادرة والمحققة للابداع والخلق المتجدد المتدفق , وللحياة حيث التحرر من عقم التقليد والجمود او الياس والاحباط .

ومن براتين الجهل والامية والمرض وقسوة الفقر والتهميش والاقصاء والتفرقة والعنصرية فان حاجته اليوم اكثر من اي وقت مضى الى القدوة الصالحة التي تقدس العقل والفكر والعلم والمعرفة ,وتذكي سراج ونبراس الادراك و الوعي و ضياء النضج الفكري والمعرفي,حيث تحديد الهدف الموصل الى الغاية الكبرى المساعدة على فهم الذات ,وتحقيق حضورها وتحضرها حيث احترام الطبيعة ونواميسها والحياة وقوانينها ,والانسانية النبيلة الراقية ومعاييرها الضابطة ,الناظمة لقواعد عيش الانسان وتعايشه مع الاخربسلام و المحددة لمسؤوليته,وللزمان واليات حسابه,وللمكا ن ومدى اتساعه.

ولكل ذلك وجاذبيته وجودته ومردوديته وقدرة الانسان على حسن توظيفه لمصلحته قصد التعمير مع حسن تسيير وحكامة تدبير كخليفة لرب الخلق الحق المطلق العلي العليم والرقيب الحسيب القدير اليس هو القائل عز وجل “لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم”.

فان سالوك اذن عن استفحال ظاهرة الغش في هذا الزمان والمكان ؟قل لهم ما هي الا نتيجة سلوك ,ونتاج تعامل مجتمع ,قل لهم ما هي الا حصاد خيانة الامانة مع نرجيسية ذات ثم غفلة ضمير وقبوله الذل والاهانة,قل لهم هي ثمرة تجريف فكر,وتخريف تفكير ,وتحريف قيم ومبادئ ,وغطرسة لانانيةانسان اختار ان يلغي عقله ومنطقه وبيانه.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد