بقلم : محمد انفي
الإخوة الأعزاء، أعضاء المكتب السياسي العشرة، لقد عن لي أن أعود، بشيء من التدقيق والتفصيل، إلى بلاغكم الشهير الذي أصدرتموه “بصفة أخوية” من الدار البيضاء يوم 9 أبريل 2017، والذي تتغاضون فيه عن السياق الفعلي(والدين يشتغلون على المعنى يعلمون الدور الكبير الذي يلعبه السياق في تحديد هذا المعنى)الذي جاء فيه هذا البلاغ وتتعمدون التعويم بالحديث عن “دقة المرحلة السياسية التي تجتازها بلادنا وعمق الأزمة التي ألمت بالحزب…”(كذا)؛ وكأن الأيام القليلة التي تفصل بين اجتماعنا ببوزنيقة (الذي مر في ظروف عادية جدا وفي جو أخوي رفيع) يوم فاتح أبريل واجتماعكم بالدار البيضاء يوم التاسع منه، قد عرفت أحداثا خطيرة قلبت كل الموازين وخلطت كل الأوراق ولخبطت كل الحسابات، سواء على مستوى الوضع السياسي بالبلاد أو على المستوى الداخلي لحزبنا؛ والحال أن كل ما وقع خلال هذه المدة، هو الإعلان عن التشكيلة الحكومية ومعرفة الأسماء الاتحادية في هذه التشكيلة.
وبما أنكم قد تعمدتم السكوت، في بلاغكم، عن الأسباب الحقيقية لنزوله ولجأتم إلى دغدغة العواطف ومحاولة التأثير على الرأي العام الاتحادي والوطني باستعمال صيغة تخاطب وجدان الاتحاديات والاتحاديين الذين لم يعيشوا معنا فترة التحضير ولم يصلهم بعد ما دار في بوزنيقة (وهي المرحلة الموالية في التحضير: نزول المشاريع إلى الأقاليم لدراستها وصياغة الملاحظات حولها)، فإني أخذت على عاتقي أن أتحداكم بالعشرة وأفند، بالحجة والبرهان، كل ما جاء في بلاغكم ومن خلاله.
وأقصد بالبرهان، أيها الإخوة، الحجة البيِّنة الفاصلة والواضحة التي يؤكدها الواقع ويقرها العقل والمنطق، وليس تلك الحجة(أو الحجج) المُخْتَلَقة لإخفاء الحقيقية وتزييف الوقائع والمعطيات. فإن قبلتم التحدي، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
لكن، لا تحدثوني عن “ضرورة الحفاظ على وحدة الحزب وتماسك صفوفه” وأنتم تأتون أفاعلا وأقوالا تثبت عكس ما تدعون. فوحدة الحزب تصان من داخل هيئاته وأجهزته التقريرية والتنفيذية وليس من خارجها. فلقاؤكم “بصفة أخوية” في الدار البيضاء تجاوز العمل الحلقي الذي كان يقوم به البعض، سابقا، لتصفية الحسابات مع هذا القيادي أو ذاك؛ إذ، بعد الدار البيضاء، انتقلتم إلى كلميم؛ وبإشرافكم على اللقاء هناك وصمتكم على الكلام المنحط الذي قيل فيه، فقد زكيتم المساس بوحدة الحزب وأسستم لعمل يمكن أن يزعم أي شيء إلا الدفاع عن وحدة الحزب وتماسك صفوفه. وكل ما تلا ذلك يؤكد هذا الواقع. فالوقفة التشويشية أمام مقر الحزب بأكدال (الرباط) والندوة الصحافية واللقاءات الحوارية والتصريحات المدلى بها للمواقع، وبالأخص المتحاملة على الاتحاد الاشتراكي؛ كل هذا يؤكد بأنكم ماضون في تهديم ما ساهمتم في بنائه، في إطار عملية إعادة البناء التي كانت من بين الالتزامات المتعاقد عليها في المؤتمر الوطني التاسع الذي جعل منكم قادة.
ولا تحدثوني عن “الأزمة التي ألمت بالحزب في علاقة الأجهزة ببعضها البعض”، وأنتم تعلمون بأن كل هذا كذب وبهتان. فهل سمع الاتحاديات والاتحاديون بعلاقة متوترة بين الجهاز التنفيذي والجهاز التقريري للحزب؟ وهل سجلتم في اجتماعات اللجنة الإدارية ما يفيد سوء هذه العلاقة؟ وهل من الضروري أن أذكركم بتسابقكم على أخذ أمكنتكم بقرب الكاتب الأول في اجتماع مؤسسة كتاب الجهات والأقاليم؟ وهل سبق لكم أن سجلتم توترا ما في علاقة هذه المؤسسة مع مؤسسة الكاتب الأول أو مع المكتب السياسي؟…وإن لم يكن، فكلامكم مردود حتى لا أقول شيئا آخر.
ولا تحدثوني عن فساد “المنهجية التي اعتمدت في التحضير للمؤتمر الوطني العاشر”، وأنتم تعلمون أنكم أصحاب هذه المنهجية. فاللجنة الإدارية التي انعقدت في مطلع شهر فبراير 2017، صادقت على المقترح الذي تقدم به الكاتب الأول باسم المكتب السياسي، سواء فيما يتعلق بتاريخ انعقاد المؤتمر أو بمنهجية تحضيره. والأدهى من ذلك، أنكم انخرطتم في التحضير وأشرفتم على اللقاءات الجهوية التحضيرية وصادقتم يوم فاتح أبريل 2017 على مشاريع المقررات سواء داخل اللجنة التحضيرية أو خلال اجتماع اللجنة الإدارية والمجلس الوطني المنعقدين ليلة نفس اليوم. فبماذا يمكن أن نصف تقلبكم هذا وتنكركم لقراراتكم؟
ولا تحدثوني عن “التسيير الفردي”، وبلاغات المكتب السياسي تؤكد عكس ذلك. فالإجماع كان هو شعاركم والثناء على التدبير كان هو ديدن بعضكم، على الأقل. وقد وصل الأمر إلى حد قول أحدكم باستحقاق الكاتب الأول لنصب تذكاري. وما تفويضكم له أمر تدبير المشاورات الحكومية، بدون قيد ولا شرط وبالإجماع، إلا دليل على عدم صدقكم فيما تدعونه الآن.
ولا تحدثوني عن اقتسامكم “مع مناضلات ومناضلي الحزب الشعور بالقلق والخيبة تجاه مسلسل التراجع السياسي والتمثيلي لحزبنا”. فكيف لي أن أصدق هذا الكلام ومنكم من التزم الصمت المطلق ومنكم من اجتهد في تبرير هذا التراجع وتسويغه. وقد أكون، شخصيا، قد قمت بنفس الدور، إذا ما استرجعت بعض ما كتبته عن التراجع التمثيلي للاتحاد سواء في 2015 أو في 2016. لكن الفرق بيننا يبدو الآن شاسعا. فشخصيا، لم أكن اقصد التبرير أو التسويغ، بقدر ما كنت أواجه التفسير السطحي والتسطيحي المتجاهل لأهم معطيات التحليل، والذي يكتفي بالوقوف عند النتيجة دون البحث عن أسبابها المباشرة وغير المباشرة. ولهذا، أرى أن قلقكم مزيف واقتسامكم له مع المناضلات والمناضلين فيه نفاق بَيِّن واستخفاف كبير بذكائهم.
ولا تحدثوني عن “مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”؛ فقد بينت في مقال سابق كيف أنكم أنتم أول من يتنصل من هذا المبدأ بخروجكم عن الإجماع الذي ساهمتم فيه وهيأتم له. ولن يعفيكم هذا الموقف من المحاسبة على النتائج الانتخابية التي ساهمتم في صناعتها وأشرفتم على تدبيرها؛ لكن المحاسبة لن تتم في الجلسات الخاصة أو “اللقاءات الأخوية” أو في المآدب السخية؛ بل في المؤتمر الذي يشكل الفضاء المناسب للمحاسبة والمحطة الأكثر شرعية ومشروعية لممارسة هذا الحق.
أما نداؤكم، في ختام بلاغ الدار البيضاء، لـ”كافة المناضلات والمناضلين، كل من موقعه بضرورة تجميع كل الطاقات الاتحادية في أفق استدراك وتصحيح مسار التحضير للمؤتمر المقبل”، فلا أرى فيه إلا الرغبة في زرع الشك وتحويل الأنظار عن السبب الحقيقي لـ”تمردكم”. فتصحيح مسار التحضير كان ممكنا الحسم فيه يوم فاتح أبريل، في إطار اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، لو كان هناك صوت ينادي بذلك وعمل على إبراز عيوب هذا المسار. أما انتظار معرفة التشكيلة الحكومية ثم قلب الطاولة، فهو العبث بعينه؛ وهو استخفاف بذكاء الاتحاديات والاتحاديين.
وأما حديثكم عن “تجميع كل الطاقات الاتحادية”، فيتطلب تحديد من تقصدون بالطاقات. فإن كان الأمر يتعلق بالذين راهنوا على موت الاتحاد ولم يألوا جهدا لقتله ليكونوا بديلا عنه أو ذاك الصنف من الاتحاديين الذين تنقلوا بين التنظيمات السياسية بحثا عن منصب أو موقع أو حظوة ما، فالاتحاد ليس حماما شعبيا ندخل إليه متى شئنا وكيف شئنا ونخرج منه بنفس الطريقة. فالطاقات الاتحادية الحقيقية، التي لها قسط من الثقافة التنظيمية، تعرف ما هي السبل التي تسمح لها بالعودة إلى بيتها؛ لكن، من الباب وليس من النافذة. أما أصحاب العاهات النفسية والأحقاد الشخصية أو أصحاب عقلية “أنا ومن بعدي الطوفان”، فلا حاجة للاتحاد بهم. فهم أسوأ من ألد أعدائه وخصومه؛ بل وأخطر عليه من هؤلاء.
وعلى كل، فإذا حدث وأقنعني أحد بعدم صواب قراءتي هذه، فأنا مستعد للاعتذار بكل أريحية وتقديم نقد ذاتي في الموضوع. ولهذا، أتوجه، ليس فقط للعشرة، بل لكل من يتعاطف معهم أو يتفق معهم، قائلا: “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” ! وإني في الانتظار…