العثماني وورطة الدعوي والسياسي.
بقلم : عبد المطلب أعميار
بداية تود الإشارة إلى أنه كنا قد كتبنا سلسلة مقالات بعنوان “اختناق حزب العدالة والتنمية”، وكان الهدف(كما هو اليوم) هوالكشف عن المنزلقات السياسية التي يحملها المشروع العام للعدالة والتنمية، وهو المشروع الذي يقوم على المزاوجة الاستراتيجية بين ما يسمونه ” بالعمل الدعوي” أو ” الرسالي” من جهة، والسياسي من جهة أخرى.وهذه المزاوجة تعني الخلط بين الدين والعمل الحزبي بما يخدم مشروع ” التمكين” الذي يعتبر ركنا من أركان الاستراتيجية السياسية لهذا المشروع.
واليوم، حيث تتردد ، هنا أو هناك، بعض الأقاويل التي تفيد بأن سعد الدين العثماني رجل معتدل، وأنه رجل توازنات، وأنه “مسلم ديمقراطي” بشهادة الوسام الذي منح له في الديار الأمريكية وهو ما يعتبر- في نظرهم- ضمانة لنجاحه في مهمته كرئيس وزراء لحكومة المغاربة ، فإننا نود التنبيه لهذا النوع من القراءات المستعجلة، والتي تغيب طبيعة المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية والذي تعتبر حركة التوحيد والإصلاح التي تأسست سنة 1996 عبراندماج حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي هي الإطار التنظيمي( الجماهيري) الذي يتغذى به المشروع السياسي لحزب العدالة والتنميةّ، كما أن الرجل من سليلي الحركة ، ومن رعاتها الأوائل(شارك مبكرا في تأسيس “جمعية الجماعة الإسلامية” وكان عضوا في مكتبها الوطني في الفترة (1981-1991)، ثم عضوا بالمكتب التنفيذي لحركة “التوحيد والإصلاح” (1991-1996)).)
وليس صدفة أن تبارك قيادة التوحيد والإصلاح لسعد الدين العثماني رئاسة الحكومة وتدعو له بالسداد والنصر، كما باركت في السابق عبد الإله بنكيران.
وإذا كان الحزب قد ادعى في مناسبات عديدة استقلاليته التنظيمية والسياسية عن الحركة، فان واقع الممارسة السياسية، والتجربة الميدانية ببلادنا تؤكد الاندماج العضوي للبنيات التنظيمية للحركة في المشروع السياسي للعدالة والتنمية. مما يعتبر إحدى الإعاقات التي تحول دون تملك الحزب لرؤى واضحة للعمل السياسي كممارسة مدنية، وتورطه الدائم في معارك تسائل مفهومه للسياسة ، وللعمل المؤسساتي ، وللديمقراطية.
وعلى الرغم من أن الحزب يدعي أنه قام بمراجعات نظرية وفكرية ” أفضت الى تبني المفاهيم الحديثة في الخطاب، مثل الديمقراطية، والقبول بالآخر، والتعددية الحزبية، والتداول على السلطة..والتبني النهائي للعمل المدني والمؤسساتي” إلا أن العديد من المحطات سمحت بالكشف عن الورطة الإيديولوجية التي يتخبط فيها الحزب من خلال عدم قدرته على إعطاء مواقف واضحة ازاء بعض الأحداث أو القضايا ( قضايا الإرهاب مثلا) أوتناقضاته إزاء أخرى( طقوس البيعة)، أو تخبطه في تصريحات متباينة( مهرجان موازين)،أو تورطه في علاقات متناقضة مع مواقعه في الدولة ( الأزمة المصرية).
وعندما كتب السيد سعد الدين العثماني عما أسماه ب” التمايز بين الدعوي والسياسي في التجربة المغربية”( المساء 16-05-2016) صرح قائلا بأنه من بين سمات هذا التمايز” هي الاستقلالية التامة للمؤسسات المسؤولة عن الحزب عن المؤسسات المسؤولة عن الحركة” ، لكن السيد العثماني لم ينتبه لاعترافه الصريح بعدم صدقية هذا الادعاء عندما صرح قائلا- وبشكل واضح-” إن الحركة لا تهتم بالعمل السياسي المباشر واليومي المتعلق بالانتخابات والتنافس لعضوية المؤسسات، لكنها معنية بالأهداف العامة للعمل السياسي..”.
ما معنى هذا الكلام؟.
معناه أن العلاقة بين الحركة والحزب علاقة ذات أبعاد استراتيجية تخدم المشروع السياسي للبيجيدي. وهذا ما يعترف به السيد العثماني نفسه عند قوله .”.كان من أهم التحولات أيضا، الانتقال من تنظيم محوري ومركزي بهيكلة هرمية إلى تنظيم مرن يجمعه مقصد إقامة الدين وإصلاح المجتمع، الذي تلتقي حوله مؤسسات وهيئات مستقلة تنظيميا تجمعها شراكة استراتيجية في إطار نفس المشروع”.
واضح إذن أن ادعاء التمايز بين حركة الإصلاح والتوحيد وحزب العدالة والتنمية ادعاء زائف، ليس فقط على المستوى الإيديولوجي بل أيضا على المستوى العملي. ويكفي مثلا أن نستدل بحجة الواقع، عندما تتجند أذرع الإصلاح والتوحيد،النسائية والطلابية والاجتماعية والإعلامية، في المعارك الانتخابية بتوجيه الناخبين، وتعبئتهم،أو عندما يتجند أعضاؤها المكلفون بالخطابة، والإرشاد في المساجد بإعلان مواقف سياسية في مناسبات عديدة تناصر أطروحات العدالة والتنمية ( قضايا المرأة)، وقد تناقض حتى المواقف الرسمية للدولة على الرغم من تواجدهم في السلطة ( العلاقة بالسلطة الفلسطينية وبحركة حماس)..
وإذا كانت الحركة تدعي تخليها عن فكرة” إقامة الدولة الإسلامية ” لفائدة خطاب ” “إقامة الدين بدل خطاب إقامة الدولة”، فحري بالذكر أن المسافة الفاصلة بين المشروعين، مشروع ” إقامة الدين” ومشروع ” إقامة الدولة” لا تنفصل في الخطاب السياسي للعدالة والتنمية ، فتارة يزاحم المشروعية الدينية للدولة ( إمارة المؤمنين) باسم الدفاع عن الخصوصية المغربية، وتارة ينزاح لخطاب ” الخلافة” باسم ” الدولة الإسلامية”.مما يعني ، بأن ما يسمى بالتمايز بين الدعوي والسياسي مجرد توهيم ايديولوجي تكذبه وقائع التشريع فيما يتعلق بقضايا عديدة من قبيل، تعدد الزوجات، والمناصفة، وتزويج القاصرات، وتشغيل خادمات البيوت..أو في قضايا تهم حرية الإبداع، والفنون،أو في مجالات تخص ملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية…
وعليه، تتأسس ورطة الدعوي والسياسي بناء على غلبة الإيديولوجية الرسالية (الدعوية) على الممارسة السياسية المدنية. مأزق يرتبط بحركات الإسلام السياسي عموما ، وبعدم قدرتها على التكيف مع مقتضيات بناء الدولة المدنية العصرية مع ما تعنيه من انتصار لقواعد التعدد، والاختلاف، والحريات العامة،والقبول بمأسسة السياسة على قواعد الصراع الديمقراطي والقبول بالمنافسة السياسية المفتوحة.وهذا وجه من أوجه الاختناق السياسي لمشروع العدالة والتنمية.
هذا المشروع الذي يتمظهر أساسا في عنف الخطاب المعتمد. وهو الخطاب المسنود بادعائه المرجعية الإسلامية كمرجعية سياسية. وبموجب هذا الأمر،يعتمد الحزب استراتيجية خطابية تروم توهيم المجتمع بأن العملية السياسية برمتها ترتبط بإقرار إسلامية الدولة والمجتمع في أفق ما أسماه الريسوني بالتدرج من “الخلافة الناقصة ” الى”الخلافة الكاملة”. وبموجب هذا الادعاء يعطي الحزب الديني لنفسه الحق في اعتماد خطاب التسلط في المشهد السياسي، وفي المجال العام.
وليس غريبا أن يصرح عبد الالاه بنكيران أمام منتخبي حزبه بعد نتائج الانتخابات الجماعية أن مرجعية الحزب المتمثّلة في “المرجعية الإسلامية” و”حفظ الأمانة والصدق”، هي التي كانت من بين أبرز الأسباب في المكانة التي يتواجد عليها الحزب انتخابيا، وأوصى منتخبيه” بالتمسك بالمرجعية الإسلامية. وليس غريبا أيضا أن يصرح بأن البيجيدي خرج من المساجد، أو أن السماء إذا أمطرت فهو تعبير عن الرضى الإلهي عن سياسة الحكومة…
واضح، من هذه التصريحات – كما في تصريحات مماثلة- بأن حزب العدالة والتنمية يصر على خلط أوراق الديني والدنيوي، وعلى لعب ورقة الحزب ذي المرجعية الإسلامية في محاولة منه لشرعنة تواجده السياسي لعزل باقي الخصوم السياسيين وتصويرهم للرأي العام كقوى شريرة ، لا تخاف الله، ولا تصلح للسياسة. وبالتالي، وجب اجتثاثها لأنها تشكل خطرا على الأمة.