زنقة 20 . الرباط
كتبه لموقع Rue20.Com، الدكتور ميلود بلقاضي
عودة المغرب الى الاتحاد الإفريقي هو عين العقل . وقد تمكن جلالة الملك بمقاربته الواقعية والبراكماتية والمرنة في تدبير ملف العودة للاتحاد الإفريقي توفير كل الشروط الذاتية والموضوعية لعودة المغرب الى الاتحاد الافريقي رغم كل مناورات ومكائد أعداء الوحدة الترابية وعلى رأسهم مفوضية الاتحاد الإفريقي التي تنوب بالوكالة عن اللوبي المعادي للمغرب، لكن اذا كانت محطة العودة للاتحاد الافريقي مضمونة فان محطات ما بعد هذه العودة هي التي ستكون شرسة وشاقة ومعقدة عكس ما يعتقد البعض لكون المغرب سيكون في مواجهة مباشرة داخل وخارج فضاء الاتحاد مع أعداءه على كل المستويات وخصوصا منها القانونية والدبلوماسية والسياسية إطارها العام القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي الذي صيغ في غياب المغرب ووفق رغبات واهداف خصوم الوحدة الترابية على كل أجهزته وهي: الجمعية العامة للاتحاد – المجلس التنفيذي- ومحكمة العدل الإفريقية – الدائمين للجنة الاتحاد الإفريقي- مجلس السلام والأمن- المجلس الإقتصادي والاجتماعي والثقافي- اللجان الفنية المتخصصة في سياق مخالف لسياق قرار عودة المغرب لمنظمة الاتحاد الافريقي.
سياق عودة المغرب للاتحاد الافريقي: يمكن وصف السياق العام للعودة انه دقيق يوجد فيه المغرب في وضعية مريحة نتيجة السياسة الملكية الواقعية والبراكماتية اتجاه الدول والشعوب الإفريقية خصوصا بعد رحيل معمر القذافي ودخول الجزائر في أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية صعبة نتج عنها انهيار مؤسساتها المالية التي لم تعد قادرة على الاستمرار في تحمل نفقات جبهة البوليساريو التي تحولت على اثر تراجع المساعدات المالية الدولية والجزائرية والليبية الى فضاء للاسترزاق والإرهاب والاتجار في البشر والأسلحة اصبحت فيه هذه الجبهة تشكل خطرا على الجزائر ذاتها . وعلى هذا الأساس فقد اختار المغرب الوقت المناسب للعودة للاتحاد الإفريقي وهو واع كل الوعي بان هذه العودة ما هي الا محطة من محطات اخرى قد تكون صعبة وشاقة ستتخللها مواجهات وحروب قانونية ودبلوماسية وسياسية شرسة بين المغرب – الذي يسعى طرد ما يسمى بالجمهورية الوهمية وفق مساطر القانون التأسيسي للاتحاد معقدة – وبين خصومه.
الأهداف الآنية والإستراتيجية لعودة المغرب للاتحاد الافريقي: سيحقق المغرب من هذه العودة نوعين من الأهداف :أولها آنية وهي إيقاف كل القرارات التي كان يصدرها الاتحاد الإفريقي ضد المغرب والمواجهة المباشرة مع اعداء الوحدة الترابية داخل الاتحاد ومعرفة الدول الصديقة الحقة المستقلة في قراراتها والدول المنافقة . ثانيهما تعديل القانون التاسيسي لطرد ما يسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي ومن خلاله العودة القوية للمغرب للواجهة الافريقية خصوصا وان الاستثناء المغربي في مجالات الأمن والاقتصاد والدين والتنمية البشرية والإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية وخبرة المغرب في مواجهة الإرهاب أصبحت مطلوبة من طرف عدد من الدول الإفريقية وعليه فعودة المغرب للاتحاد الافريقي وترأس جلالة الملك شخصيا الوفد الرسمي لقمة اثيوبيا له اهداف استراتيجية اكثر منها تكتيكية.
تحقيق اهداف المملكة بحاجة الى ثورة في الدبلوماسية المغربية والى اموال كثيرة: تفترض عودة المغرب للاتحاد الافريقي ثورة دبلوماسية لتحقيق الأهداف المسطرة والتي هي بحاجة للوبيات واموال ومواجهات ومناورات وتحالفات داخل فضاء الاتحاد الافريقي خصوصا وان الرباعي الجزائر جنوب افريقيا نجيريا انغولا قد تغلغلوا كثيرا في الاتحاد الافريقي وتحكموا في اهم أجهزته لذلك سيواجه المغرب مقاومات شرسة ومناورات قوية من طرف الرباعي السالف الذكر قبل واثناء التصويت على عودة المغرب للاتحاد وبعدها خصوصا وانهم يتوفرون على سلط المال والدبلوماسية الفعالة وهنا يجب ان نكون صادقين ان تحقيق الاهداف السالفة الذكر لن يكون سهلا بل انه يتطلب اولا تقوية الجبهة الداخلية, ثانيا قيام الاحزاب والحكومة والبرلمان والقطاع الخاص بثورة فكرية تبعد عنها الخوف للخوض في ملف الصحراء متخذة من الدبلوماسية الملكية اتجاه الدول والشعوب الافريقية خارطة طريق .
عودة المغرب لا يعني الطرد المباشر والاني « للجمهورية الوهمية » من الاتحاد الافريقي: مساطر التشطيب او طرد الدول من الاتحاد الافريقي محددة في القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي خصوصا المادة الثانية والثلاثين منه المتعلقة بالتعديل والمراجعة والتي جاء فيها :1 –يجوز لأية دولة عضو تقديم مقترحات لتعديل أو مراجعة هذا القانون. 2 -تقدم المقترحات المتعلقة بالتعديل أو المراجعة إلى رئيس اللجنة الذي يقـوم بدوره بإحالتها إلى الدول الأعضاء في غضون ثلاثـين (30 (يومـاً مـن استلامها . 3 -يقوم مؤتمر الاتحاد، بناء على توصية من المجلس التنفيذي، بدراسة هـذه المقترحات في فترة زمنية مدتها عام بعد إخطار الدول الأعضـاء طبقـاً لأحكام الفقرة 2 من هذه المادة . 4 -يتم إقرار التعديلات والمراجعة من جانب مؤتمر الاتحـاد بالإجمـاع ، أو بأغلبية الثلثين في حالة تعذر ذلك . وتقدم إلـى جميـع الـدول, بالإضافة ما نصت عليه المادة الحادية والثلاثين حول إنهاء العضوية التي نصت : 1 -على أية دولة ترغب في التخلي عن العضوية أن تقدم إخطارا كتابيا بـذلك إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بإبلاغ الدول الأعضاء بالأمر . وبعد مرور عام واحد من تاريخ انتهاء مثل هذا الأخطار، إذا لم يسحب ، يتوقـف تطبيـق القانون فيما يتعلق بالدولة المعنية التي تنتهي عضويتها بالتالي في الاتحاد 2 -خلال فترة السنة المشار إليها في الفقرة (1 (من هذه المادة ، تلتزم الدولـة العضو الراغبة في الانسحاب من الاتحاد بأحكام هذا القانون وتظل مقيـدة بتنفيذ التزاماتها المنصوص عليها في هذا القانون إلي يوم الأعضـاء للتصديق عليها و فقا للإجراءات الدستورية لكل دولة . وتدخل حيز التنفيـذ بعد مرور ثلاثين (30 (يوما من إيداع وثائق التصديق لدي رئيس اللجنـة من قبل ثلثي الدول الأعضاء, وعليه فان عودة المغرب للاتحاد الافريقي لا يعني الطرد المباشر للجمهورية بل ان ذلك سيطول وسيتم مساطر القانون التأسيسي للاتحاد الاقريقي الذي صادق عليه البرلمان المغربي بغرفتيه مؤخرا.
قبول القانون التأسيسي للاتحاد لا يعني الاعتراف « بالجمهورية الوهمية »:يحتوي القانون التاسيسي للاتحاد الإفريقي على بعض المواد التي يمكن ان تخلق بعض المشاكل للمغرب مستقبلا اذا لم يسرع بعد عودته للاتحاد بتعديلها وفي مقدمتها الخريطة المعتمدة من طرف الاتحاد الإفريقي والتي تعتبر الجزء الجنوبي هو “دولة الجمهورية العربية الصحراوية” الوهمية، 2 اعتبار الجمهورية العربية الصحراوية (البوليساريو) من الأعضاء المؤسسين للاتحاد، وكانها دولة قائمة السيادة،3، ينص القانون على أن جميع النزاعات بين الدول الأعضاء تفضها محكمة العدل الإفريقية أو المؤسسات التابعة للاتحاد الإفريقي،4 احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال خصوصا وان البرلمان بغرفتيه لم يناقش بعمق هذا القانون مادة مادة. والأكيد انه ليس للمغرب خيارا آخر غير هذا القبول لانه ليس عضوا بالاتحاد ، لذلك فمصادقة البرلمان المغربي بغرفتيه على القانون التأسيسي للاتحاد فيه بعدين تكتيكي واستراتيجي وهو لا يعني الاعتراف بالجبهة لكون الشعب المغربي قد حسم قضية الوحدة الترابية منذ 1975 باعتبارها قضية وجود وليس قضية حدود.
المحطات الصعبة هي ما بعدة عودة المغرب للاتحاد الإفريقي: عكس ما يردده البعض عودة المغرب للاتحاد الافريقي لن تكون سهلة نتيجة نوعية الخصوم وامكانياتهم المادية ووزنهم الافريقي والدولي وما قرار رئيسة المفوضية للاتحاد الإفريقي إحاطة أعضاء منظمة الاتحاد الافريقي بمساطر خاصة وسياسوية تأجيل انضمام المغرب للاتحاد الى ما بعد اختتام أشغال المؤتمر الإفريقي الا مؤشرا أوليا وظاهرا لمناورات القوى المناهضة لعودة المغرب نتيجة تحكم الجزائر وجنوب افريقيا ونيجيريا في دواليب الاتحاد الافريقي واجهزته, وتبين انه منذ وصول جلالة الملك لاثيوبيا أصيبت هذه القوى بالسعار وبدأت في وضع العراقيل قبل انطلاق المؤتمر بهدف عرقلة العودة ونهج سياسة الحرب النفسية مما يشير ان الأمور لن تكون سهلة للمغرب بالنسبة لسنوات 2017 و2018 وما ستعرفه من مناورات ومكائد ومواجهات ودسائس قوية للحد من استراتيجية المغرب للعودة بقوة داخل الاتحاد ووضع حد لتلاعبات القوى المعادية بقوانين منظمة الاتحاد الافريقي وأجهزتها مما يعني ان محطة العودة ستكون اسهل من باقي المحطات خصوصا في المجال القانوني لطرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد وفق مساطر ستكون صعبة ومعقدة تتطلب ثورة اخلاقية وسياسية عند قادة دول الاتحاد الافريقي مبنية على قوة الشرعية وليس شرعية القوة .
مشاركة جلالة الملك في القمة الافريقية ارباك كبير لحسابات الجزائر والبوليسلريو وحلفاءها: مشاركة جلالته تعتبر حدثا بارزا في افريقيا وانتصارا قويا للمغرب تتجاوز العودة القوية له بالمنظمة الافريقية بعد اكثر من ثلاث عقود من الغياب بل انها تدشن لمرحلة جديدة في مسار الاتحاد من الاكيد انها ستربك كل حسابات الجزائر وقادة « الجمهورية الوهمية » وقد تدفع بالكثير من الدول ضحية الطرح الجزائري اعادة نظرها ويكفي ان نؤكد على كلامنا الحيز الهام الذي احتلته مشاركة جلالة الملك بالقمة الافريقية في وسائل الاعلام الجزائرية التي وصفتها بالهزيمة النكراء للدبلوماسية الجزائرية بعد سحب الرباط البساط من تحت اقدام الجزائر من بعد قبول اكثر من 43 دولة عودة المغرب لمنظمة الاتحاد الافريقي,
وبصفة عامة مشاركة جلالة الملك في القمة والتغيرات التي وقعت في مواقف عدد من الدول الافريقية دوخت الجزائر وبعثرت اوراقها وجعلت من تواجد البوليساريو بالاتحاد الافريقي مسالة وقت ليس الا لكنه لن يكون بالهين, لكن السؤال المقلق هو ما بعد العودة والى متى يبقى المغرب يسير بوتيرتين في المجال الدبلوماسي: وتيرة سريعة وفعالة واستراتيجية للمؤسسة الملكية ووتيرة بطيئة وشبه غائية للاحزاب التي فشلت لحد الآن تشكيل حكومة لمواجهة التحديات الوطنية فكيف لها مواجهة التحديات الخارجية؟