بقلم : أحمد عصيد
يبدو أنّ علينا أن ننتظر جميعا أن يُظلم الإسلاميون وتُهان كرامتهم لكي ينضموا إلينا في المعارك الحقوقية الكبرى، ويدركوا بأن الحريات والحقوق إنما هي أيضا حرياتهم وحقوقهم، وأن المعركة من أجل الكرامة هي معركة من أجل المغاربة جميعا لا بعضهم دون بعض.
هذا ما أوحى لي به البيان الذي أصدره “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان” الذي يترأسه السيد عبد العالي حامي الدين القيادي بحزب العدالة والتنمية، حيث أشار بوضوح إلى ضرورة إعادة النظر في بعض نصوص القانون الجنائي التي استعملت بشكل سيء أدى إلى إهانة كرامة السيد عمر بنحماد والسيدة فاطمة النجار القياديين بحركة التوحيد والإصلاح.
فقد اكتشف الإخوة في منتدى الكرامة مع قضية المواطنين المذكورين بأن “المواد 490 و 491 و 492 من القانون الجنائي:”مدخل يستخدم بشكل سيء للتعدي على الحريات الشخصية والحقوق الدستورية للمواطنين، ويعرضهم لمعاملات لا إنسانية ومهينة وحاطة بكرامتهم الإنسانية”.
وطالب المنتدى على هذا الأساس بـ “ضرورة إعادة صياغة الفصول القانونية المذكورة وإحاطتها بكل الضمانات والاحتياطات التي تمنع أي شطط أو تعسف أو تطبيق انتقائي أو انتقامي لها، وإلا فستكون الدعوة إلى إلغاء تلك الفصول، أولى من إبقائها، مع ما يقع بواسطتها من تعديات وانتهاكات لحقوق المواطنين وأعراضهم وأمنهم وكرامتهم”.
السؤال المطروح هو كم عدد الحالات الشبيهة التي تقع يوميا في بلادنا دون أن تلفت انتباه إخواننا الحقوقيين الإسلاميين ؟ (الذين يتميزون عن غيرهم من الحقوقيين الآخرين بالتحفظ على كونية حقوق الإنسان وعلى بعض الحقوق والحريات بذريعة الخصوصية الدينية).
فقبل أيام فقط حدثت مجزرة قضائية مهولة ضد المساطر والقوانين في قضية الطفلة المغتصبة خديجة السويدي، ولولا انتحار الفتاة وما تلاه من قوة الاحتجاج والضغط الشعبي لأغلق الملف أمام صمت تام للإخوان الإسلاميين الذين لم ينبسوا ببنت شفة، مع العلم أن القضية أخطر بكثير من قضية قياديي التوحيد والإصلاح، حيث لم يكن للفتاة المظلومة حركة دعوية أو حزب سياسي يقف بجانبها في محنتها، ولهذا اضطرت إلى الانتحار لكي توقظ ضمير المسؤولين ويُعاقبَ الجُناة المتوحشون.
كما أن المنتدى الحقوقي الإسلامي لم يكن واضحا في مواقفه تجاه الحريات الفردية عندما قام الحقوقيين بتوجيه النقد الشديد لمسودة مشروع القانون الجنائي التي اقترحها وزير العدل والحريات قبل أزيد من سنة، والتي بدا واضحا أنها تتهيأ لإلحاق ضربات موجعة بالحقوق والحريات في بلادنا، وتخطط للعودة بنا إلى ما قبل الأزمنة الحديثة في أمور أصبح مجرد مناقشتها ردّة حقوقية لا غبار عليها. وما آلمنا هو أن ينزل التيار المحافظ بكل ثقله لتبرير مثل تلك المشاريع في محاولة لتمريرها دون التعديلات الجوهرية المطلوبة.
بينما هي مشاريع قوانين تستهدف الجميع دون تمييز، وإن كان المحافظون يعتقدون بأن القوانين التي تحدّ من الحريات الفردية لا تعنيهم لأنهم لا يحتاجون إليها، لكن العديد من الوقائع جاءت لتؤكد أنهم معنيون بها ما داموا بشرا مواطنين كغيرهم.
إننا إذ نضمّ صوتنا لصوت منتدى الكرامة لحقوق الإنسان في مطالبه ، وإذ نتضامن مبدئيا مع المواطنين المعتدى عليهما من طرف موظفي الأمن الذين انتهكوا حرمة حياتهما الخاصة، كما تضامنا مع جميع الذين وُجدوا في مثل وضعيتهما، لا نقف عند حدّ تجاوز المسؤولين للمساطر القانونية، بل نعتبر أن تدخل الأجهزة الأمنية في أساسه انتهاك لحرية المواطنين واعتداء عليهما، مما يستوجب ليس إعادة صياغة نص المادة 490 بل حذفها بالمرة لعدم احترامها للحياة الخاصة وللحريات الفردية، ولكونها تفتح باب المعاملة اللاإنسانية للأفراد، وتعرضهم لأنواع الإهانات التي لا موجب لها، وهو ما يقتضي إعادة النظر في النظام القيمي الذي استندت إليه السلطة في وضع القانون الجنائي بأهداف رقابية جزرية لا تحترم الحريات ولا تأخذها بعين الاعتبار.
ذلك لان المجتمع المغربي الذي عرف تحولات كثيرة على مدى عقود، لم يعد يعكس نظاما قيميا متجانسا ومغلقا كما تدعي السلطة وحلفاؤها المحافظون، بل أصبحنا نعيش في ظل قيم متجددة تعرف طفرات واهتزازات بحكم الواقع المتغير.
لقد آن الأوان لكي تتضافر جهود جميع القوى من أجل إعادة الاعتبار لموضوع الحريات الفردية في القانون الجنائي المغربي، التي طالما تمت الاستهانة بها سواء من قبل الأحزاب السياسية أو الفاعلين الإسلاميين الذين اعتبروها “دعوة لإشاعة الفاحشة والجهر بها”، وهم لا يدركون بأن الحريات الفردية جزء لا يتجزأ من حرياتهم الأساسية، وأن القوانين لا يمكن أن توضع على مقاسهم، بل ينبغي أن تحمي الجميع من الظلم، إسلاميين كانوا أم علمانيين، ولكي يقتنعوا بذلك لا بدّ أن يخرجوا من الضوغما التي يعتقدون بموجبها أن المجتمع عبارة عن جماعة دينية متجانسة تحكمها قوانين ثابتة.