زنقة 20 ا الرباط
قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، بمناسبة انعقاد الدورة التكوينية للمسؤولين القضائيين، اليوم الإثنين، إن “انعقاد هذه الدورة التكوينية يأتي في إطار سياق تطبعه عدة تحولات تعرفها العدالة ببلادنا تتمثل في مراجعة القوانين المنظمة للسلطة القضائية وغيرها من القوانين ذات الصلة بمجال العدالة ومَا وَاكَبَهُ ذلك من تَعْدِيلٍ لبعض النصوص القانونية التي نطمح من خلالها بلوغ العدالة المنشودة”.
وأضاف الداكي في كلمة له الدورة التكوينية للمسؤولين القضائيين، أن ” هذه العدالة المنشودة تعتمد أساسا على حسن التواصل مع المرتفقين وكسب ثقتهم فيها وتيسير ولوجهم إليها وتشجيع الاستثمار، وتحقيق التنمية، وحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي تجسيدا لما نص عليه الفصل 117 من الدستور”.
ولتحقيق هذه الأهداف ذلك، يشير الداكي “يبقى رهينا بالدور الذي يمكن أن يضطلع به المسؤول القضائي في هذه العملية باعتباره قطب الرحى في المنظومة القضائية بالنظر للمهام المتعددة التي يباشرها ، فهو المسؤول الأول عن حسن تصريف الأشغال وتوزيع المهام بالمرفق الذي يرأسه، ولتحقيق ذلك فإنه مطالب بوضع استراتيجية العمل التي سَيَتَّبِعُهَا والتي من خلالها سيتأتى له السهر على ضبط العمل وتطوير أساليبه ورصد مختلف الصعوبات والمعيقات التي تعترض حسن تدبير مؤسسته، ليطرحها للنقاش مع باقي المتدخلين بغية إيجاد الحلول المناسبة لها تكريسا لمبدأ التعاون مع مختلف مكونات العدالة”.
وشدد الداكي على أن ” المجلس الأعلى للسلطة القضائية يولي لمسألة اختيار المسؤولين القضائيين عناية خاصة تتمثل في المعايير التي وضعها لهذه الغاية والمؤهلات التي ينبغي توفرها في المسؤول القضائي وهو ما انكب عليه المجلس في الدورات الأخيرة والتي تعكس خياره الاستراتيجي في هذا المجال الرامي إلى التنقيب عن الكفاءات وتشجيعها والرفع من مستوى أدائها القضائي، سواء كان مسؤولا قضائيا أو نائبا أولا له”.
واستحضارا لثقل وتعدد المهام المنتظرة سواء من المسؤول القضائي باعتباره المخاطب الأول بالمحكمة او من نائيه الأول الذي يتولى تدبير المؤسسة نيابة عنه كلما كان لذلك ضرورة، يؤكد الداكي، فإن “النجاح في هذه المهام يتطلب تملك قواعد وتقنيات التدبير الإداري، فالمسؤول القضائي أو من ينوب عنه مطالب اليوم بأن يكون متمكنا من أدوات القانون وفي نفس الوقت متوفرا على مهارة المُدبر للمرفق الذي يرأسه، يَسْتَشْرِفُ المشاكل وَيَسْتَبِقُهَا بحلول ناجعة تحقق انسجام وتكامل أداء مكونات المحكمة وفق رؤية تعتمد تحديث آليات العمل وتصريف الحاجيات اليومية للمتقاضين بكل عناية، وحسن التواصل مع القضاة وأطر كتابة الضبط ، والتركيز على تأطيرهم ، ولا سيما الشباب منهم وتوجيههم وحمايتهم من كل المؤثرات التي قد تؤثر على عطائهم أو تنحرف بهم عن مسار النزاهة واستشعار الإحساس بالمسؤولية”.
وتابع الداكي أنه “..ومن دون شك فإنه لن يتأتى بلوغ هذه الأهداف إلا من خلال إخضاع المسؤولين القضائيين ونوابهم للتكوين في مجال الإدارة القضائية بُغْيَةَ تملك آلياتها. ولذلك فهم مدعوون اليوم لفهم واستيعاب دقة المرحلة والتحديات الكبرى التي تعرفها السلطة القضائية بجميع مكوناتها والانخراط التام بكل جدية وفعالية لتحقيق النجاعة القضائية التي أضحت أمرا لا مندوحة عنه، وهو ما يتطلب منهم إجادة آليات الانصات والتواصل مع المتقاضين وتصريف الأشغال بتنسيق مع رؤسائهم المباشرين والمركزيين والحرص على بناء علاقة تعاون وطيدة مع محيطهم الخارجي والداخلي (رئاسة ونيابة عامة وكتابة الضبط وكتابة النيابة العامة) وتكريس مبدأ التعاون والتكامل في إطار دراسة الصعوبات والمشاكل التي قد تؤثر على في التدبير اليومي بشكل مشترك مع كافة المتدخلين من هيئة الدفاع ومختلف مساعدي القضاء”.
وأوضح أنها “مهام جسيمة ومتعددة تقتضي امتلاك المسؤول القضائي سِعَةَ الصدر وتملك مهارة الاستماع والتمسك بروح القانون بكل حزم وتجرد، واكتساب المهارات وإنتاج الآليات الكفيلة بالتدبير الأمثل للإجراءات المسطرية وللملفات القضائية داخل آجال معقولة بما ينعكس إيجاباً على نجاعة الأداء القضائي، وتملك الأدوات المرتبطة بالتواصل والرفع من مستوى تأطير باقي القضاة ونسج علاقات يسودها الاحترام والتقدير المتبادل بين مختلف مكونات العدالة والابتعاد عن كل ما يمكن أن يمس بهيبة وسمعة القضاء والحرص على إعطاء القدوة الحسنة والمثالية، فمواطن اليوم لا يقبل من القاضي أي سلوك قد يمس بوقاره أو يزعزع ثقة المتقاضين في عدله وحياده في إطار الأمانة التي تطوقه، فضلا عن ضرورة استحضار التقاليد والأعراف القضائية الراسخة، وتدبير الأزمات وحسم الخلافات بهمة عالية وبتواصل مُتزن ومتميز والتمسك بمنظومة القيم والسلوك المنصوص عليها في مدونة الأخلاقيات القضائية باعتبارها من المرتكزات الأساسية لكسب رهان العدالة”.
وقال الداكي إن “التدبير الأمثل لمرفق العدالة اليوم وتحقيق النجاعة والرفع من جودة أداء العمل القضائي لا يتوقف فقط على ما سبق بسطه من ضرورة التمسك بالقيم الأخلاقية والتوفر على المهارات التدبيرية والكفاءة القانونية، بل إن عماد النجاح يبقى رهينا بضرورة اعتماد الجدية في العمل وفرضها كمنهج متكامل يربط المسؤولية بالمحاسبة وهو ما أكد عليه جلالة الملك نصره الله في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين، حيث قال جلالته أن: (الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات:
الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
وفي المجال الاجتماعي، وخاصة قطاعات الصحة والتعليم والشغل والسكن.
كما أن الجدية التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال.
والجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص.). انتهى النطق الملكي السامي.
واعتبر رئيس النيابة العامة، أن “الجدية والضمير المسؤول يشكلان صمام الأمان الذي يمكن من خلالهما أن نطمئن على قضاتنا وقضائنا. وإلى جانب هذه المقومات التي ينبغي أن يتحلى بها قضاتنا ، فإن النجاح في مجال تدبير الإدارة القضائية يتطلب من المسؤول القضائي وضع برنامج للعمل يربط فيه تحقيق النتائج بالأهداف مستحضرا في ذلك الإمكانيات المتوفرة والاكراهات المطروحة واستشراف المستقبل ، وهو ما يقتضي منه التوفر على لوحة قيادة كما سبق القول تُحدد المهام والمسؤول عنها وآليات التنفيذ وآجالها مع وضع مؤشرات يستطيع من خلالها قياس مستوى الأداء ومعرفة مستوى النجاح الذي تحقق ونقط الضعف التي تؤثر على عمله قصد تلافيها مستقبلا بالإضافة إلى ترصيد المكتسبات والمنجزات المحققة في إطار التخطيط المستقبلي”.
وبهذه المناسبة دعا الداكي “المسؤولين القضائيين بالنيابة العامة ولنوابهم الأولين ، إلى مضاعفة جهودهم من أجل الارتقاء بعمل النيابة العامة لما يُحقق انتظارات المواطن من العدالة الجنائية بصفة خاصة ، طالبا منهم الوفاء بالالتزامات التي تفرضها عليهم مسؤولياتهم واستحضار توجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في ظهير تعييني كوكيل عام للملك لدى محكمة النقض، وبهذه الصفة، رئيسا للنيابة العامة والتي أمر فيها جلالته ” بالدفاع عن الحق العام والذود عنه وحماية النظام العام والعمل على صيانته مع التمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات أفرادا وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.
وقال المتحدث ذاته “إن هذه الدرر الملكية السامية تدعونا إلى جعل النيابة العامة مؤسسة قانونية حريصة على حماية الحقوق والحريات قريبة من المواطنين ومُنْصِتَةً لتظلماتهم، مُجَسِّدَةً للشعار الذي ترفعه والمتمثل في ” نيابة عامة مواطنة” مؤسسة مستميتة في تطبيق القانون محافظة على أمن وطمأنينة المجتمع وهو ما يتطلب منا بذل كل الجهود للوفاء بهذه المهام الجسيمة والنبيلة في ذات الآن”.