احزاب النموذج التنموي الجديد !

بقلم /ذ.  امحمد لقماني

لا توجد دولة في العالم تخلو من فساد سياسي، بما فيها تلك الدول المتربعة على عرش سلم النزاهة في العالم و التي تحقق حالة الإشباع و الرفاهية لشعوبها. لكن ثمة فرق بينها و غيرها من الدول الأقل و الأضعف نزاهة سياسية، هو أن الأولى تمكنت من التحكم في انتشار الفساد السياسي عبر محاصرته في هوامش الدولة، بينما في النموذج الثاني  تمكن الفساد السياسي من التسلل  إلى مراكز القرار و أضحى يهدد  أساسات الدولة  بالتآكل ليسهل بعد ذلك تجنيد مؤسساتها و أجهزتها في التحصينات و المنازعات.

و لأن الدولة هي المجال السياسي الشرعي الذي يتنافس بداخله الفاعلون السياسيون لحيازة السلطة و المشاركة فيها، فإن مخاطر الفساد لا تستثني أي فاعل من هؤلاء، و لا مجال لأي عناد سياسي أو مزايدات خاوية تدفع أصحابها بالقول أن الدولة و السلطة هما أصل الشر  و أن ما دونهما من الفاعلين  السياسيين، ملائكة و فوق الشبهات. فقد انكشف للجميع، اليوم، أن خطاب النقاء السياسي و الصفاء الأخلاقوي لم يعد باستطاعته أن يؤدي وظيفة تبريرية تشفع للأحزاب السياسية في الاختباء و التحصن وراءه في سبيل البحث عن شعبية مفقودة أو حتى عن مشروعيات الوجود و الاستمرار في زمن تنامي وعي المغاربة و تغير مزاجهم السياسي، بل و في زمن تغير الأولويات الموضوعة على أجندة الدولة نفسها . وحده الالتزام السياسي المسؤول و الإنجاز التنموي الملموس، من يحدث الفارق في عيون الناس بين أحزاب الشعار و أحزاب المشروع،  بين  أوهام اليوتوبيا  و الواقعية السياسية.

ورغم الدعوات المستمرة من طرف ملك البلاد  للأحزاب السياسية  إلى تجديد نخبها و أفكارها و أدوات اشتغالها حتى تكتسب القدرة على مسايرة الإيقاعات السريعة التي يتطلبها تنفيذ المشاريع الجديدة للدولة، غير أنه قلما نجد من بين هذه التنظيمات من يتفاعل إيجابا مع هذه الدعوات و يتسلح بالشجاعة لتجديد ذواته و الانكباب على صناعة نخب تتوفر على المستوى المطلوب من التكوين السياسي في أفق صيرورتهم كوادر للدولة. لأن المفروض و المنطقي في المجتمعات الديناميكية التي تشتغل بمنطق دوران النخب، أن الدولة هي من  تتحصن بالأحزاب القوية و تتغدى من نخبها المتمرسة.

و على ما يبدو، لربما كانت هذه الإشكالية هي الحلقة المفقودة في النموذج التنموي الجديد. أو بتعبير آخر، اهتم النموذج التنموي الجديد بالأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، دونما ربطه، جدليا، بضرورة تطوير و  تجديد النموذج السياسي و تحصينه من العبث، علما بأن إحدى شروط و ضمانات نجاح النموذج التنموي الجديد  هو مناعة نموذجه السياسي و وضوح مقدماته و مسؤولية نخبه. لكن ذلك لم يعدم إمكانية التدارك  لتصحيح المسار. و دليلي في ذلك، بشائر الحملة القضائية التطهيرية الجارية في صفوف بعض النخب السياسية التي خانت الأمانة و خالفت قواعد المسؤولية العمومية من شدة التمادي في الغلط، و التماهي لديها بين الملكية الخاصة و ملكية الدولة.

هذه الصرامة هي من صميم الوظائف الأصلية و الدائمة الدولة، و عليها تتوقف هيبة الدولة في الداخل و قيمتها بين الأمم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد