التحكم ونهاية عقدة التأسيس
بقلم: عزيز ادامين
يطرح داخل المشهد السياسي، وخاصة بين الفاعليين الحزبين، سجال حول “التحكم” في الفضاءات العمومية والمؤسساتية، وسيما من قبل حزب العدالة والتنمية الذي يتهم حزب الاصالة والمعاصرة بممارسة هذا الدور، مستدلا بذلك نشأة الحزب بين أحضان السلطة والاكتساح الذي قام به في الانتخابات الجماعية لسنة 2009.
كما أن هذه التهمة وظفت أيضا ضد حزب العدالة والتنمية باعتبار أنه يمتلك الادارة وتسيير الحكومة والاغلبية البرلمانية وسلطة التعيين في المناصب العليا.
بالعودة الى الانتاجات الادبية في العلوم السياسية أو القانون الدستوري أو علم الاجتماعي السياسي، فإنها تتقاطع على كون بنية النظام السياسي قائم على التحكم وعلى ضبط ايقاع التوازنات السياسية والاقتصادية والحزبية والاجتماعية، وعلى الادماج والاقصاء والترويض والتهميش للنخب السياسية وللفاعلين غير الرسمين.
وتضيف، بأن اليات اشتغال النظام السياسي المغربي ليست بالضرورة مؤسساتية أو تشريعية، بل هي ايضا اليات “ميتا-دستورية” «META-CONSTITUTION » ، أي رزمة من القواعد المسيطرة على الولاية الدستورية ومجالاته (توزيع السلط، انتقال السلطة، احترام الحقوق والحريات، شكل الدولة…)، وتحتكر الوقود الايديولوجي للدستور (السلطلة التأسيسية الاصلية وإمارة المؤمنين، الدستور الخلافي، التقليدانية…)، أما الفاعل الحزبي ما هم إلا أداة لضمان هاجس الاستمرارية وآلية من أجل إعادة انتاج أنماط شرعية الحكم، وتصريف التوجهات الاستراتيجية الكبرى، ودور أخر هام جدا ويلعبه هو دور “صمام أمان” وأحيانا كثيرة “كبش فداء” لانزلاقات أو انفلاتات تمس بنية النظام السياسي.
يخطء المرء عندما يختزل مفهوم النظام السياسي بتلك العلبة السوداء حسب دافيد إيسطون، بل هو حسب ماكس فيبر، مجموعة من القواعد السياسية والانماط ومجموعة من المؤسسات ومجموعة من الفاعلين، وهذه المجموعة الاخيرة تكون فيها الاحزاب السياسية جزء عصب النظام السياسي.
فالاحزاب السياسية،سواء داخل الحكومة أو في المعارضة أوخارج البرلمان، هي أيضا جزء من النظام السياسي والية من اليات تدبير استقراره واستمراره، وبالتالي اعتبار ان حزبا معينا معنيا بالتحكم مهما كان موقعه، ما هو الا شماعة لتعليق فشل معين واستراتيجية تواصلية للعب دور الضحية، بهدف الحفاظ على الزبناء الانتخابين القدامى واستقطاب زبناء جدد.
وبالعودة الى الاحزاب السياسية، وسيما منها الوزانة في المشهد السياسي، يلاحظ أن كل منها رافق سيرورة وصيرورة تشكيلها وعملها شكوك ونقاش، من جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية والتي ارتبط اسمها برضا كديرة صديق الملك الراحل الحسن الثاني، حيث ربط تأسيسه بكبح جماح المعارضة البرلمان قبل اللجوء الى ملتمس الرقابة، والتجمع الوطني للاحرار والذي ارتبط اسمه بعصمان القريب بالزواج من الراحل ايضا الحسن الثاني، وربط التأسيس بتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي في اطار ما يسمى “سياسة الاستقرار والتثبيت الاقتصادي”، والاتحاد الدستوري وربط تأسيس الحزب من أجل تطبيق برنامج التقويم الهيكلي، مرورا بحزب العدالة والتنمية من خلال مؤسسه عبد الكريم الخطيب القريب من الملك الراحل ايضا، وربط تأسيسه بادماج “الصوت القادم من الجنوب” حسب تعبير فرنسوا بورغا، أي الاسلاميين في اللعبة السياسية، وصولا لحزب الاصالة والمعاصرة وربط اسمه بصديق الملك محمد السادس ومبعث تأسيسه: وقف زحف الاسلاميين.
كل حزب سياسي كانت له “عقدة” بمثابة “نعمة” أحيانا، و”نقمة” أحيانا أخرى، أثناء تأسيسه، إلا أنه مع دورات الحركية السياسية وإعادة توزيع ادوار النخب والفاعلين الحزبين، يصبح حزبا عاديا وله مشروعيته الانتخابية والجماهيرية.
إن حزب الاصالة والمعاصرة، اليوم، استوفى شروط “عقدة الـتأسيس”، وأصبح فاعل سياسي وحزبي داخل المشهد، وله نخبه ومناضليه، ولا يمكن العودة به لمحطة التشكل الا من قبل جاحد أو من مازال يسترزق الريع الانتخابي بالمظلومية ولعب دور الضحية، عوض الدفاع عن الحصيلة التشريعية ومنجزات السياسات العمومية.
الاحزاب السياسية المسيرة للحكومة أوالمتواجدة في المعارضة، ما هي إلا رقع “بازل” “puzzle” صغيرة، لصورة زيتية وزئبقية كبيرة جدا من بنية النظام السياسي.