بقلم : محمدو أبو المعالي
المتمردون رافضون للاتفاق الجزائر..
إصرار على التوقيع
توتر مع موريتانيا
عودة شبح الحرب
جاء البيان الصادر عن الوسطاء في مفاوضات الجزائر لحل أزمة شمال مالي، المعروفة بأزمة “أزواد”، قبل موعد التوقيع النهائي على مسودة الاتفاق بين الأطراف منتصف مايو/أيار الجاري، ليؤكد بجلاء وصول الأمور إلى طريق مسدود، ما قد يؤدي إلى انهيار المسار في أي لحظة، والعودة إلى نقطة البداية الدموية. جاء ذلك بعد رفض تجمع ما يسمى “منسقية الحركات الأزوادية” التي تقاتل الحكومة المالية من أجل حكم ذاتي في الشمال، التوقيع بالأحرف الأولى على صيغة وثيقة الاتفاق النهائية التي قدمها الوسطاء بقيادة الجزائر، عقب جولات عديدة من المفاوضات بدأت في النصف الثاني من العام الماضي، وأسفرت عن خروج الوسطاء بمسودة اتفاق تحت عنوان “اتفاق من أجل السلم والمصالحة في شمال مالي”.
وتتضمن مسودة الاتفاق حديثا عن آلية للتعايش بين سكان الشمال والجنوب في كنف دولة واحدة، مع وضع خاص في الشمال لا يرقى إلى درجة الحكم الذاتي الذي تعتبره الحركات المسلحة الحد الأدنى لما يمكن أن تقبل به.
“يقول قادة الحركات الأزوادية الرافضة لمشروع الاتفاق إن مشروع الاتفاق لا يلبي أبسط مطالبهم، حيث لا ينص على قيام حكم ذاتي في المناطق الشمالية ولا على حكم فيدرالي ويؤكد على التشبث بوحدة الأراضي المالية، ويُبقي السلطة والسيادة بشكل كامل على تلك المناطق بيد الحكومة المالية” منسقية الحركات الأزوادية التي تضم كلا من: الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، والحركة العربية الأزوادية (جناح ولد سيداتي) قالت إن مسودة الاتفاق المذكورة لا تبلي أبسط مطالبها، وإن لقاءات شعبية جرت بين قياداتها وقواعدها الشعبية في شمال مالي أكدت رفض السكان للوثيقة المذكورة، واعتبروها تنازلا مجانيا عن مطالب حملوا السلاح من أجلها وقتل عدد كبير من أبنائهم دفاعا عنها.
وقد تمسكت تلك الحركات بموقفها الرافض للتوقيع على الاتفاقية قبل تعديلها، رغم الضغوطات القوية التي مورست عليهم من طرف الوسطاء، وتلقيهم تهديدات باتخاذ إجراءات عقابية لمواجهة رفضهم، باعتبارهم رافضين للسلام ومتمسكين بالعنف ضد إرادة المجتمع الدولي.
المتمردون رافضون للاتفاق ويقول قادة الحركات الأزوادية الرافضة لمشروع الاتفاق إن نص الاتفاق المذكور لا يلبي أبسط مطالبهم، حيث لا ينص على قيام حكم ذاتي في المناطق الشمالية ولا على حكم فيدرالي، ويؤكد على التشبث بوحدة الأراضي المالية، ويُبقى السلطة والسيادة بشكل كامل على تلك المناطق بيد الحكومة المالية، ويكتفي بالحديث عن إنشاء مجالس محلية صورية لا تتمتع بصلاحيات تذكر.
أما القضايا المصيرية الكبرى كالدفاع والأمن وتوزيع الثروة، فينص الاتفاق على تشكيل مجالس ذات بعد محلي لها يكون دورها استشاريا فقط، بينما يبقى القرار النهائي بشأنها لدى الحكومة المالية، فضلا عن كون الاتفاق ينص على رفض الاعتراف باسم “أزواد” كإقليم قائم بذاته، وإنما يعتمد مسميات الولايات التي تقع ضمن حدوده الترابية مثل “تمبكتو”، و”غاوا” و”كيدال”، و”منيكا” و”تاودني”.
وتصر هذه الحركات على ضرورة تعديل الاتفاق قبل التوقيع عليه، ليتضمن اعترافا بأزواد ككيان إقليمي قائم بذاته، وحتى ينص على الحكم الذاتي لهذا الإقليم، مؤكدة أنها تخلت عن استقلال أزواد الذي سبق وأن أعلنته عام 2012 بعد سيطرتها على معظم أراضي إقليم أزواد، وذلك استجابة لدعوات المجتمع الدولي وضغط الوسطاء للحفاظ على وحدة الأراضي المالية، لكنها لن تقبل بأقل من حكم ذاتي بصلاحيات واسعة تعطي السكان حق تسيير شؤونهم الداخلية وتمنح متسعا لخصوصيتهم الثقافية والاجتماعية.
وتتحدث أوساط في كواليس المفاوضات عن مطالب أخرى لبعض الحركات الأزوادية يجري الخوض فيها بعيدا عن طاولة المفاوضات الرسمية، ولم يتم إدراجها في العريضة التي سلمت للوسطاء، وفي مقدمة هذه الطلبات، ما يُعتقد أن المجلس الأعلى لوحدة أزواد يسعى له من تأمين مستقبل سياسي لزعيم جماعة أنصار الدين “إياد أغ غالي”، ورفع اسمه من قائمة الشخصيات المصنفة إرهابيا على المستوى الدولي.
إذ من المعروف أن المجلس الأعلى لوحدة أزواد هو حركة تم تأسيسها من طرف عناصر قيادية من قبائل الإفوغاس الطارقية التي ينتمي لها زعيم “أنصار الدين” كانوا قد انشقوا عنه مطلع عام 2013، إلا أن بعض خصومهم السياسيين يعتقدون أن علاقتهم به ما تزال وثيقة، وأنهم يصرون على رفض التوقيع على أي اتفاق للسلام، قبل تلقيهم ضمانات بشأن مستقبل حليفهم السابق وأحد زعمائهم القبليين “إياد أغ غالي”، لكن مصادر المجلس الأعلى لوحدة أزواد تنفي وجود تلك العلاقة وتعتبر أن إياد أغ غالي اختار مساره بنفسه حين تحالف مع القاعدة والتنظيمات الموسومة عالميا بالإرهاب.
الجزائر.. إصرار على التوقيع الوسطاء -وفي مقدمتهم الجزائر- حاولوا الدفع بالحركات الأزوادية نحو القبول بالاتفاق دون أي تعديل عليه، بعد تمسك الحكومة المالية به، ورفضها قبول إدخال تعديلات عليه، لكن الحركات تتشبث بموقفها حتى الآن، ويبقى رهان الوسطاء الأخير هو محاولة إقناع تلك الحركات بحضور حفل التوقيع النهائي في العاصمة المالية باماكو منتصف مايو/أيار الجاري، وهو أمر يبدو من خلال مسار الأحداث أنه لن يتحقق للوسطاء.
“حين يمضي الوسطاء في أجندتهم متجاهلين موقف الحركات الأزوادية الرافضة للاتفاق، فإن حفلا باهتا سينظم في العاصمة المالية بمشاركة ممثلين عن حركات أزوادية، بعضها عرف بالولاء المطلق لباماكو، وبعضها الآخر على خلاف كبير مع منسقية الحركات الأزوادية الرافضة للاتفاق” فقادة الحركات الأزوادية يؤكدون أنهم رفضوا التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية في الجزائر، ومن غير الوارد الحديث عن حضورهم حفل التوقيع النهائي عليها في العاصمة المالية باماكو التي لا يقرون بتبعية منطقة أزواد لها حتى الآن، لكنهم يصرون على التشبث بمسار المفاوضات وضرورة استئنافها بعيدا عن محاولات فرض صيغة اتفاق لا ترضي سائر الأطراف.
وحين يمضي الوسطاء في أجندتهم متجاهلين موقف الحركات الأزوادية الرافضة للاتفاق، فإن حفلا باهتا سينظم في العاصمة المالية بمشاركة ممثلين عن حركات أزوادية، بعضها عرف بالولاء المطلق لباماكو، وبعضها الآخر على خلاف كبير مع منسقية الحركات الأزوادية الرافضة للاتفاق، إلا أن المراقبين يعتقدون أن الجزائر تراهن على تكرار سيناريوهات سابقة شهدتها مسارات السلام بين الطرفين خلال العقدين الماضيين، تقوم على المضي قدما في توقيع الاتفاق من طرف الحكومة المالية وبعض الحركات المقربة منها، على أن يتواصل الضغط على الحركات الأخرى الرافضة للتوقيع، بصورة منفردة، لحملها على الالتحاق بركب الموقعين.
وهنا يمكن أن نستحضر اتفاقية الجزائر التي وقعت سنة 1991 بين مالي وبعض الحركات المتمردة حينها، واستمر الضغط على الحركات الرافضة لها إلى أن أكملت انضمامها للتوقيع عليها سنة 1996. توتر مع موريتانيا وتتزامن هذه التطورات مع توتر غير مسبوق تعرفه العلاقات الموريتانية الجزائرية، وصل حتى الآن حد تبادل عمليات طرد الدبلوماسيين، ويعتقد العديد من المراقبين أن فشل مفاوضات الجزائر، بشأن الوضع في شمال مالي، انعكس سلبا على تلك العلاقات وساهم في كشف المستور من ذلك التوتر.
فمن المعلوم أن معظم أعضاء المكتب التنفيذي للحركة الوطنية لتحرير أزواد الرافضة لاتفاقية الجزائر، مقيمون في نواكشوط، كما أن اجتماع مكتب الحركة الذي قرر فيه رفض التوقيع على الاتفاق عقد أيضا في نواكشوط، هذا فضلا عن دعوات وجهت لقادة الحركات الأزوادية لعقد لقاء تشاوري في نواكشوط خلال الأسابيع القادمة.
كما تعتقد الجزائر أن موريتانيا تملك أوراق ضغط لم تستخدمها ضد الأزواديين لدفعهم نحو التوقيع على الاتفاق المذكور، الأمر الذي يعني تحميلها جزءاً من المسؤولية عن فشل تلك المفاوضات، أو على الأقل اتهامها بعدم الجدية في دعم موقف الجزائر الساعي لقبول الحركات بصيغة الاتفاق كما هي عليه الآن.
في حين تلمح أطراف موريتانية إلى أن نواكشوط منزعجة من سعي الجزائر لتحجيم دور موريتانيا في شمال مالي، وذلك حين تدخلت واستدعت الأطراف، عقب زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لشمال مالي وإشرافه على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة المالية والحركات المسلحة، وكان متوقعا أن يواصل وساطته لحل الأزمة، غير أن الجزائر سارعت إلى دعوة الحكومة المالية والحركات المسلحة، وإطلاق مسار جديد من المفاوضات، تكون موريتانيا مجرد عضو مراقب فيه، بوصفها إحدى دول الجوار، وليس بوصفها وسيطا دشن المسار بالإشراف على اتفاق لوقف إطلاق النار.
“إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه فإن مسار الجزائر سيكون قد وصل إلى طريق مسدود، وهو ما يعني أن صفحة جديدة في الصراع ستفتح على كل الاحتمالات، وأن الاتفاقيات السابقة المتعلقة بوقف النار والقبول المبدئي بوحدة الأراضي المالية ستكون في مهب الريح” عودة شبح الحرب وإذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه فإن مسار الجزائر سيكون قد وصل إلى طريق مسدود، وهو ما يعني أن صفحة جديدة في الصراع ستفتح على كل الاحتمالات، وأن الاتفاقيات السابقة المتعلقة بوقف إطلاق النار والقبول المبدئي بوحدة الأراضي المالية ستكون في مهب الريح، بينما ستبدأ الأطراف في حشد قواتها استعدادا لجولات جديدة من الحرب.
وقد بدأت فعلا بوادر عودة شبح الحرب من جديد إلى المنطقة، بعد تعثر مفاوضات الجزائر، وذلك حين قامت مليشيات تابعة لحركة “غاتيا” الطارقية الموالية لبامكو، مدعومة ببعض القبائل العربية، بمهاجمة مدينة “منيكا” على الحدود مع النيجر، وطرد حامية تابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد كانت تسيطر عليها. وفي الوقت ذاته، قامت قوات تابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد وفصيل من الحركة العربية مناوئ لبامكو، بمهاجمة مدينة “ليرة” قرب الحدود مع موريتانيا، والاشتباك مع القوات المالية المرابطة فيها، كما هاجمت مدينة “غوندام” القريبة من مدينة تمكبتو التاريخية، وقتلت عددا من العسكريين الماليين.
وتلوح الحركات المسلحة بمزيد من التصعيد والسيطرة على مدن أخرى، في حين تسعى قوات حفظ السلام الدولة (منيسما) وقوات “بارخان” الفرنسية -التي تنتشر في شمال مالي- إلى تهدئة الوضع وتثبيت قرار وقف النار، كسبيل لمنح السياسيين مزيدا من الوقت للتوصل إلى اتفاق يرضي سائر الأطراف.
وتعتقد القوات الدولية والفرنسية في شمال مالي أن عودة التوتر والاقتتال سيعقد من مهمتها في محاربة الحركات الجهادية التي تنتشر في المنطقة، حيث تقاتل تلك القوات منذ مطلع 2013، عشرات من المسلحين تابعين لعدة تنظيمات جهادية في مقدمتها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة المرابطون بقيادة الجزائري “المختار بلمختار”، وجماعة أنصار الدين بقيادة الزعيم الطاريقي “إياد أغ غالي”.
هذه الجماعات تقف موقف العداء من سائر أطراف الصراع، بما في ذلك الحكومة المالية والحركات الانفصالية، وترى في الجميع حلفاء للقوات الأجنبية التي تقاتلها منذ سنتين ونيف، ويعتقد كثيرون أن أي اتفاق يتجاهل وضعية هذه الجماعات وقوتها في المنطقة لن يكتب له النجاح.