زنقة 20 . الأناضول
أثار كتاب صدر منتصف الشهر الجاري حول العلاقة بين باريس والجزائر، وأملاك وحسابات مسؤولين جزائريين في فرنسا، جدلا كبيرا في الدولة الأفريقية، وسط مطالب بالتحقيق فيما ورد فيه، بينما تلتزم السلطات الصمت.
وصدر الكتاب في 15 أبريل/ نيسان الجاري، تحت عنوان “باريس- الجزائر: علاقة حميمية”، للصحفيين الفرنسيين كريستوف دوبوا، من قناة “تي إف 1” الحكومية، وماري كريستين تابت، من صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”.
وفي 378 صفحة، تناول الكتاب العلاقات بين العاصمتين وتركيبة وطريقة عمل النظام الحاكم في الجزائر، إلى جانب ما قال إنها أملاك لمسؤولين جزائريين حاليين وسابقين في أحياء باريسية راقية.
وخلف الكتاب جدلا في الجزائر بين اعتباره “مؤامرة” ونفي لمضمونه من قبل شخصيات مقربة من النظام الحاكم، ومطالب بالتحقيق في مضمونه من قبل معارضين، في وقت تلتزم فيه الحكومة والرئاسة الصمت بشأنه.
وغاص الكتاب الذي جاء بشكل تحقيق في عمق العلاقات “المعقدة والمتذبذبة” على المستوى السياسي بين باريس والجزائر منذ استقلال الجزائر عام 1962، مشيرا إلى أن التعاون الأمني بين البلدين “لم يتأثر” بالأزمات السياسية، وذلك استنادا إلى مصادر دبلوماسية وأمنية.
وخصص الصحفيان فصلا كاملا للحديث عن النظام الجزائري وطريقة عمله من الداخل، حيث ورد في الكتاب أن هناك “ثلاثة أقطاب تسير النظام الحاكم في البلاد؛ هي الرئاسة والجيش والمخابرات، في إطار توازنات، غير أن العلاقة بينها تتأرجح بين التكامل والصراع”.
ويعد الفصل المتعلق بأملاك مزعومة لمسؤولين جزائريين سابقين وحاليين بفرنسا، أبرز جوانب الكتاب التي أثارت الجدل في الجزائر.
وورد في المؤلف أن “وزير الصناعة الحالي عبد السلام بوشوارب، ضبط في 26 يونيو/حزيران 2006، متوجها إلى مكتب توثيق يقع بشارع سان جرمان بباريس، لتوقيع عقد شراء عقارين بمساحة 156 متر مربع، بقيمة 1.18 مليون يورو، منها 580 ألف يورو دفعت نقدا، فيما سدد المبلغ المتبقي، وهو 600 ألف يورو، في شكل سلفة مؤقتة بعد سنة”.
وسأل الكاتبان الوزير بوشوارب حول هذه الأملاك فرد: “لقد صرحت بممتلكاتي كلها لشغل منصب وزير وحتى نائب سابقا وليس لدي ما أخفيه”.
كما نشر الكاتبان ما قالا إنها أملاك فاخرة لشريف رحماني، وزير لعدة سنوات في الجزائر (1993/2012)، حيث “يمتلك شقة فاخرة في الدائرة 16 بالعاصمة الفرنسية رغم أن سيرته الذاتية لا تشير إلى أي مصدر للأموال التي أنفقها على شراء تلك الشقة بأحد أرقى شوارع باريس”، وفق ما ورد في الكتاب.
ورفض رحماني حسب الكاتبين “الرد على مراسلة منهما للاستفسار حول هذه الأملاك”، وقال أنه ملتزم بالتحفظ منذ مغادرته الحكومة عام 2012”.
وقال الصحفي كريستوف دوبوا، أحد مؤلفي الكتاب في حوار لموقع “كل شيء عن الجزائر” نشر يوم 13 أبريل/ نيسان الجاري: “هذا التحقيق بدأنا فيه منذ عام”.
وبشأن توقيت نشر الكتاب، تابع قائلا: “ولاية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الرابعة (أعيد انتخابه في أبريل/ نيسان 2014) ما تزال تثير الجدل في فرنسا فضلا عن أن الحديث عن العلاقات بين البلدين هو ملف ذو حساسية كبيرة”.
ونشرت صحف خاصة جزائرية خلال الأيام الماضية، ما تضمنه الكتاب، فيما التزمت السلطات الرسمية الصمت بشان ما ورد فيه.
إلا أن عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، قال في تصريحات له الأربعاء الماضي: “هذا الكتاب اطلعت عليه قبل ستة أشهر من نشره بفرنسا وقد كتب في الجزائر”، في تلميح إلى وجود طرف جزائري يقف وراء المعلومات الواردة فيه.
وتابع: “الكتاب يراد من خلاله استهداف المقربين من الرئيس بوتفليقة، ومصيره سيكون مزبلة التاريخ”.
وحسب سعداني، فإن “الوزير عبد السلام بوشوارب يملك مصنعا قبل دخول الحكومة ولديه من المال ليشتري شقة بفرنسا، أما الشريف رحماني فإنه اشترى شقة بأمواله”.
من جانبه، قال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم ( أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد) إن ما ورد في الكتاب “يثير الرعب والخوف، حيث يحوي معلومات خطيرة، مثل أسماء في السلطة الجزائرية، لكنّها للأسف تخدم المصالح الفرنسية في الجزائر”.
ودعا في مؤتمر صحفي منذ أسبوع “السلطة القضائية والمؤسسات المختصة للتدخل وفتح تحقيق في المسألة”، مضيفا: “هذه القضية لن تمر مرور الكرام”.
ووجه حسن عريبي، النائب بالبرلمان الجزائري عن حزب جبهة العدالة والتنمية (إسلامي) الجمعة، رسالة إلى رئيس الوزراء عبد المالك سلال، يطالبه فيها بالتحقيق فيما ورد في الكتاب بشأن امتلاك مسؤولين عقارات وحسابات بنكية في فرنسا.
وجاء في الرسالة التي أطلعت عليه الأناضول: “سيدي الوزير الأول المحترم (رئيس الوزراء عبد الملك سلال) لقد صدر مؤخرا كتابا في فرنسا لكاتبين فرنسيين تحت عنوان (الجزائر باريس علاقة حميمية) ـ ومما جاء في الكتاب بعض الحقائق أو الأوهام، تنتظر التأكيد أو التفنيد، عن أناس تحملوا المسؤولية في مختلف دواليب السلطات الجزائرية، ومسؤولين آخرين مازالوا يتقلدون مسؤوليات سامية في الدولة الجزائرية”.
وتابع: “تقول القاعدة القانونية كل انسان بريء حتى تثبت ادانته، لكن من منطلق إني ممثل للشعب ومن المفترض أني أمين على حقوقه وأمواله (…) أطالب أعلى سلطة في البلد النظر في هذا الموضوع بكل مسؤولية وبكل شفافية وحزم لإحقاق الحق وابطال الباطل وطمأنة الرأي العام”.
ورأى رياض هويلي، الصحفي بفضائية “كا بي سي” الخاصة في الجزائر أنه “يجب التنويه أن الظرف السياسي الذي يميز الساحة الجزائرية، وتجاذبات أطراف الحكم (يقصد بين مكونات نظام الحكم في الجزائر)، جعلت من الكتاب ذو أهمية من حيث التوقيت والظروف المحيطة به”.
وتابع في حديث لـ”الأناضول”: “أما بخصوص المضمون اعتقد أن الكتاب أكد ووثق ما هو متداول في الجزائر، ولا يخفى على القارئ أن أغلب المسؤولين الجزائريين وحتى كبار رجال الأعمال متمركزون بشكل كبير في باريس لما يتوفرون عليه من تسهيلات أولا ثم من تغطية وضمان للسرية”.
ومضى هويلي قائلا: “أما الشق المتعلق بالعلاقات الثنائية، فالعلاقات الرسمية بين السلطتين في الجزائر وباريس، جيدة جدا إذا ما استثنينا الشطحات الاعلامية والمناورات التي تظهر في تصريحات مسؤولين، وهي موجهة للاستهلاك الشعبي الذي ما يزال يتحسس من فرنسا ماضيها الاجرامي”، في إشارة إلى مطالب جزائرية باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية”.
وعن سبب الصمت الرسمي في الجزائر بشأن الكتاب، قال: “الصمت الرسمي مرده إلى عدم فتح جبهة جديدة أوسع؛ فالكتاب كما قلت من حيث توقيته كان بمثابة بداية لفتح ملف عميق”.
وأضاف: “ما ورد على لسان الامين العام للحزب الحاكم (عمار سعداني) نهاية الأسبوع والذي قال إنه كتب في الجزائر، يعني أن الكتاب يدخل في إطار صراع أجنحة السلطة في الجزائر، ولا يخفى أن ذات السلطة أو جناح فيها اشترى قبل أيام 8 صفحات اشهارية في جريدة لوفيغارو الفرنسية للدعاية لما يسمونه انجازات الرئيس (بوتفليقة)”.
والجزائر هي مستعمرة فرنسية سابقة (1830-1962) وهو ما جعل العلاقات بين البلدين تتميز بحساسية كبيرة منذ استقلال الجزائر بسبب مطالب داخلية رسمية وشعبية للاعتراف بجرائم الاستعمار ترفضها باريس رغم أن معارضين في الجزائر يقولون إن باريس لديها نفوذ كبير سياسيا واقتصاديا في مستعمرتها القديمة.