دفاعا عن المغرب العميق المتهم ب “ضريب البندير”
بقلم : المريزق المصطفى
تصاعدت لغة السب و الشتم و التحقير و خطاب الكراهية و التحريض على العنف خلال الأيام الأخيرة، فيما كان المواطنون المغاربة مشغولين بمشروع القانون الذي يجيز تشغيل الخادمات أقل من 16 سنة بالبيوت الذي جعل من صورة المغرب الحقوقية “شوهة” أمام من التزم المغرب أمامهم في إطار الاتفاقيات الدولية في مجال العمل و حقوق الإنسان و حقوق الطفل، و مهزومين أمام الارتفاع الصاروخي للأسعار التي شهدتها بعض أنواع الفواكه و الخضر بمناسبة حلول شهر رمضان، وتائهين بعد الحذف المفاجئ للساعة الإضافية من الهواتف الذكية و انعكاسها على أطفال أبرياء حرموا من اجتياز بعض مواد امتحاناتهم، و منزعجين من تصريحات السيدة الوزيرة في التضامن و الأسرة و الطفل و التي نفت و جود الفقر و الفقراء في المغرب، و متتبعين للتقرير الأخير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان بالمغرب و علاقته بخطاب الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية، و مترقبين عن كثب لملف الصحراء و الارتباكات العديدة التي حصلت في تدبيره، ومتطلعين لعقد الدورة الثانية و العشرين لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 22)، و منتظرين التفاعل الايجابي مع توصيات الملتقى البرلماني للجهات و تفعيل التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي (2014) لضمان شروط إنجاح الجهوية المتقدمة و …؛ خاطب السيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران المغاربة في أكثر من مناسبة بنوع من الاستهزاء السياسي في موضوع تنمية العالم القروي، حيث وصف مؤخرا سكان جبالة و ريافة و سواسة و الشلوح و صحراوة بأصحاب الحياء و القناعة و الذين صبروا في حقهم “الله يجازيهم بخير…وراهم مهنيين من سكان المدينة و من شي سياسيين”، قبل أن يختم قوله: “سكان القرى يعيشون في النعيم، و كيضربوا البندير من بعد العشاء”.
هذه الرواية التحقيرية حاولت بشكل بليد استغلال أسس النظرية الانقسامية التي وضعها عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركهايم في بداية القرن الماضي و الذي كان يريد من خلالها أن يجد مداخل و مفاتيح لفهم أنماط الحياة في المجتمع القبلي لمعرفة أشكال و طبيعة و نوعية العلاقات السائدة بين أفراده و البحث عن ما يوحدهم و يفرقهم.
إنها نفس الرواية التي حاولت دوائر مخزنية و أحزاب سياسية نشرها و ترسيخها بين المغاربة، و نفس اللغة التي استعملها في أكثر من مناسبة أعداء الوحدة الوطنية و كارهي التعددية السياسية و الثقافية و الدينية لمحاصرة المد النضالي و التحرري الذي انطلق من بلاد الريف و جبالة و الأطلس و الجنوب.
هذا الإصرار من جانب السيد رئيس الحكومة لمحاصرة التاريخ البطولي و الشجاع لهذه المناطق في دهاليز ثقافة النسيان، و مسح ذاكرة المغاربة الجماعية، و اختزال معاناتها في “ضريب البندير” و إخراج مجرى التاريخ عن سكته و الضحك السياسي على المغاربة بالقهقهات السخيفة “ههههه” و المحتقنة بالحقد الدفين، لن ينفعه في شيء يوم المحاسبة و العقاب.
و الأمر هنا ليس سوء تقدير أو نتيجة نقص في المعلومات، فالأمر هنا يتعلق بنهج تضليلي و عدائي للعالم القروي الذي لا يحتاج لمن يعلمه أركان الصلاة و طريقة الوضوء.
إن جماهير هذه المناطق لن تنسى أبدا التضحيات و البطولات التي صدرت عن آبائها و أجدادها في سبيل التحرر و الانعتاق و الديمقراطية و حقوق الإنسان، و كل ما يستهدفها اليوم على يد السيد رئيس الحكومة، لن يزيد إلا من الحقد و الكراهية و تعقيد الأزمة و التشجيع على الانتفاضة ضد الحكرة و التهميش و الاستبعاد الاجتماعي و الظلم و التحكم من جهة، و من جهة أخرى، سيقوي لحمة كل المطالبين برد الاعتبار لتاريخهم و مطالبة الحاكمين بالاعتراف الرسمي بما لحقهم من ضرر جماعي و من إقصاء منهجي لكي لا تكرر هذا مستقبلا.