المفلسون في المتاجرة بالقضايا الكبرى المشتركة: الجزائر و”البيجيدي” نموذجا
بقلم : محمد إنفي
لا تسلم القضايا الكبرى المشتركة من الاستغلالوالتوظيف لأغراض غير نبيلة وبأساليب قد تكون دنيئة.ولإثبات هذه الحقيقة، نستحضر قضيتين – لهما حضور خاص في وجدان الشعوب العربية والأمازيغية من المحيط إلى الخليج – تعرضتا لعملية المتاجرة والمزايدة والاستغلال السياسي والسياسوي الفج، والقذر أحيانا. ونقصد، هنا،القضية الفلسطينية والدين الإسلامي الحنيف.
لقد كانت ولا زالت القضية الفلسطينية مستهدفة من أطراف عدة بالاتجار والمتاجرة والاستغلال السياسيوالسياسوي؛ حيث وجدت فيها أنظمة وأحزاب عربية مجالا خصبا لممارسة التضليل وتخدير العقول؛ وذلكبالمزايدات والعنتريات الفارغة. ورصيد الكثير من هؤلاء يتمثل في الشعارات الرنانة المدغدغة للعواطف، التي تلقى صدى لدى البسطاء من الناس؛ وهو ما يجعلهمأداة طيعة في يد المضللين والمخادعين. والهدف من هذا، هو كسب الأنصار، ليس للقضية، بل للمتاجرين والمساومين بها. وهكذا، تم ويتم استغلال القضية الفلسطينية استغلالا بشعا من خلال الركوب عليها سواء من طرف الأنظمة أو الأحزاب السياسية؛ وذلك لحسابات سياسية ضيقة.
أما المتاجرة بالمشترك الديني، فتمارسها، أيضا، الأنظمةوالأحزاب السياسية التي تدعي المرجعية الإسلامية. فهذه الأحزاب تتاجر بالدين الإسلامي بنفس القدر الذي تتاجر به في القضية الفلسطينية التي أصبحت، هي بدورها، في حكم المشترك، نظرا لكونها أضحت قضية جميع الشعوب العربية.
وسوف نكتفي بمثالين، كما ورد في العنوان أعلاه، واحد يمثل دولة وآخر يمثل حزبا سياسيا. وتشاء الصدف أو الأقدار ألا نبتعد عن شمال إفريقيا، حيث تبرز الدولة الجزائرية وحزب العدالة والتنمية المغربي كأفضل مثالين على توظيف القضيتين معا كأصل تجاري يستغلونه في محاولة العزف على المشاعر الدينية والقومية. فكلاهما يستغلان القضية الفلسطينية والدين الإسلامي لحسابات سياسية ضيقة؛ وبمعنى آخر، فهما يتاجران في/ وبالقضيتين معا.
فالدولة الجزائرية تدعي معاداة دولة إسرائيل وتناهضالتطبيع معها، وترفع شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”؛ لكن رئيسها عبد المجيد كذبون، عفوا تبون، لم يتردد في الاعتراف لوزير الخارجية الأمريكي بأن الجزائر ليس لها أي مشكل مع دولة إسرائيل. يضاف إلى هذا انكشاف أمر التبادلات التجارية بين الدولة العبرية ودولة “الكابرانات” (أو فرنسا الأفريقية، كما يسميها الد.عبد الفتاح نعوم). فقد كشف التقرير الاقتصادي الذي نشرته الأمم المتحدة في المدة الأخيرة، عن تبادلات تجاريةبين الجزائر وإسرائيل بقيمة 22 مليون دولار سنة 2022. وهذا كاف كدليل على كذب ونفاق النظام الجزائري الذييزعم الممانعة ومناهضة التطبيع ليستمر في استغلال القضية الفلسطينية من أجل تنويم الشعب الجزائري وجعله يقبل بالحرمان الذي يعيشه على كافة المستويات؛ وبنفس القضية يدغدغ النظام الجزائري عواطف بعض الشعوب العربية التي لم تكتشف بعد طبيعة هذا النظام المفلس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا.
وإفلاس هذا النظام يتجلى أيضا في استغلاله للمشترك الديني. وهكذا، جند أبواقه من المشاييخ للدفاع عن الجزائر بالباطل والبهتان، حيث وصلت الجرأة ببعضهمإلى حد نشر الأكاذيب على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ إذ لا يخجلون من ترويج أحاديث مكذوبة من قبيل: “ سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، ما أحب البلاد اليك يارسول الله بعد مكة والمدينة. قال الجزائر. ثم قال ماذا قال الجزائر“. ولم يتردد أحد المعتوهين في رفع عقيرته وسطجمع الحجاج والمعتمرين الجزائريين، مرددا: “يا محمد مبروك عليك، الجزائر رجعت ليك”. والغريب في الأمر أنمخاطبيه تحولوا إلى جوقة انخرطت في ترديد هذا العبث والعبط على مسامع الحجيج في الأماكن المقدسة. والأمثلة على العته في الجزائر كثيرة جدا، ولا تخص المجال الديني وحده.
أما حزب العدالة والتنمية الذي بنى مشروعه السياسيعلى استغلال الدين الإسلامي، مستلهما في ذلك مشروع الإخوان المسلمين ومُتَمثِّلا تجربتهم، فهو يقدم، أيضا،نموذجا حيا للمتاجرة بالدين الإسلامي والقضية الفلسطينية معا.
لن أخوض في موضوع المتاجرة بالدين. فقد سبق لي أن كتبت مقالات في الموضوع؛ وحضي حزب العدالة والتنميةبحصة الأسد من هذه المقالات، وأساسا، يوم كان يدبر الشأن العام في المغرب سواء على المستوى الوطني أو المستوى الترابي. وبدون مبالغة، فقد كانت فترته كارثية على المستوى الاجتماعي بفعل القرارات غير المحسوبة العواقب لحكومة عبد الإله بنكيران. ولا يزال الشعب المغربي يعاني من تبعات تلك القرارات ألا شعبية.
لكن لا بد من تسليط بعض الضوء على سقطته المدوية الأخيرة التي تلقى بسببها صفعة قوية تمثلت في بلاغ الديوان الملكي الذي وضع النقط على الحروف وأعاد الأمور إلى نصابها، دستوريا وقانونيا، في لغة واضحة وصريحة لا تقبل التأويل ولا الجدل. لقد تبين من خلال بيان حزب العدالة والتنمية وبلاغ الديوان الملكي الذي أتى ردا على هذا البيان – وهي سابقة في علاقة القصر بالأحزاب السياسية – أن الأمانة العامة للحزب، بقيادة عبد الإله بنكيران، قد تجاوزت حدودها من خلال تطاولها على مجال حصري للملك بحكم الدستور؛ ونقصد به السياسة الخارجية للدولة.
لقد اغتنمت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية فرصة توتر الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية بسبب غطرسة الكيان الصهيوني، للركوب عليها والعزف من جديد على وتر التطبيع وانتقاد إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ناسية أو متناسية أن الأمين العام لحزبهم، رئيس الحكومة آنذاك، كان من بين الموقعين على الاتفاق الثلاثي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل ذهب بيان الأمانة العامة إلى حد اتهام وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة، بالدفاع عن الكيان الصهيوني في المحافل الإفريقية والأوروبية. وبهذا الاتهام العبيط والبليد، يقدم حزب العدالة والتنمية خدمة كبيرة لأعداء الوحدة الترابية الذين وجدوا ضالتهم في هذا الاتهام الباطل للتهجم على بوريطة الذي يشكل كابوسا للديبلوماسية الجزائرية ويقض مضجع “الكابرانات“ بسبب الانتصارات الديبلوماسية التي تحققها بلادنا في قضية وحدتنا الترابية.
خلاصة القول، المتاجرة بالقضايا الكبرى المشتركة مآلها الإفلاس. والمنطقي والمعقول، هو أن تبقى هذه القضايابعيدة عن الاستغلال السياسوي وعن التدافع الإيديولوجي والعقدي. لكن، حين يغيب المنطق وتغيب الحكمة لدى الفاعلين، فانتظر مثل هذه السلوكيات المدانة التي أوردناها في هذا المقال. ويبدو أن بين عبد المجيد تبون وبين عبد الإله بنكيران بعض أوجه الشبه، وأبرزها ضعف الثقافة السياسية وغياب بعد النظر واتخاذ الكذب والعنترية والتعالي.. كمنهج وكأسلوب حياة.